حنا مينة ، في ذكرى ميلاده الثالث والتسعين ثالوث السياسة والأدب والسينما


حنا مينة ، في ذكرى ميلاده الثالث والتسعين ثالوث السياسة والأدب والسينما

اليوم ، تحل ذكرى ميلاد ، الأديب الكبير حنا مينة . صاحب المقام الأدبي والسياسي الكبير في سورية . مينة ، الذي عاش حياة الفقر والعوز منذ طفولته المبكرة . وعاش بعدها حياة التشرد والسفر من منطقة لأخرى . كان ناشطا في الحياة الوطنية السورية ، أثناء الإحتلال الفرنسي لسورية . ومنها اتجه للعمل السياسي ، وعرف من خلاله تجربة السجن مرارا . لا يشابهه أحد في عناده وقوة إرادته . وهما اللذان جعلا منه كاتبا مرموقا على المستوى العربي والعالمي وهو لم ينل من التعليم إلا الشهادة الإبتدائية . كتب ما يزيد عن الأربعين رواية وكتابا . ترجمت لسبع وعشرين لغة . وانتقل منها للسينما خمس روايات وقصص . هي على الأكياس ، (فيلم اليازرلي ، إخراج قيس الزبيدي 1974) .( بقايا صور إخراج نبيل المالح 1979) ( الشمس في يوم غائم إخراج محمد شاهين ) ( رواية الدقل ، آه يا بحر ، إخراج محمد شاهين ) . ( الشراع والعاصفة ، إخراج غسان شميط ) . اليوم واحتفاء بيوم ميلاده . تقدم المؤسسة العامة للسينما ، فيلم اليازرلي . الذي عرض سابقا بحدود ضيقة جدا على الجمهور . من خلال النادي السينمائي الالكتروني ، مجلة آفاق سينمائية . يقول مخرج فيلم اليازرلي قيس الزبيدي عن أول تجربة سينمائية لحنا مينة : بطل القصة الكاتب نفسه الذي يروي بصيغة المتكلم ذكرياته عن طفولته وتحديداً عن بداية انخراطه في عالم العمل وتركه المدرسة إلى الأبد. والقصة تبدأ في مساء من الأماسي المتشابهة، حينما لم يرجع الأب بائع »المشبك« من قرى اسكندرون إلى بيته وإلى عائلته الفقيرة الجائعة التي انتظرته طويلاً،كما كانت تفعل دائماً. وقد قامت الأم بنفخ روح الأمل في أفراد العائلة، الشقيقات الثلاث والصبي الصغير – لأنها كانت ترجو عودة الأب مهما تأخر- إلا أن الصبي التلميذ الناجح في دراسته، لم يعد يطيق مثل هذا الانتظار الدائم لعودة الأب، وقرر: »هذه الليلة وقبل أن أغفو، قررت فعل شيء لأجل الأم والعائلة وفكرت أن أعمل أجيراً في أي مكان«. وإذ لم يعد الوالد ليلتها، ذهب الصبي بصحبة أصدقائه من أولاد الحارة الذين كانوا يعملون عند رئيس المستودع »اليازرلي« على البحر وكان عملهم ينحصر في دفع عربات الحديد الصغيرة المحملة بأكياس الحبوب والقمح من »العنبر« إلى الصقالات الممتدة في البحر، حيث يتم تحميلها في البواخر. وهناك تعرف الصبي على »اليازرلي« الذي سمع عنه أشياء كثيرة ومثيرة، ولم يكن اللقاء سهلاً، إلا أن صديقه الشاطر، الذي يسعى لتشغيله مع بقية الأولاد، يتشاجر مع اليازرلي ويهدده بالتوقف عن العمل إذا لم يوافق على تشغيله, وبعد الموافقة المؤلمة يمضي الصبي مع صديقه »إلى العربة وأنا وراءه.. وبوضع يدي على الحديد دخلت دنيا العمل وودعت الدراسة.. كان ذلك آخر العهد بالمدرسة، وأنا في الثانية عشرة من العمر«. ويصف لنا الراوي/ الصبي جو العمل ومعاناته الأولى وهو يدفع العربة على جمر الرمال وتحت لهب الشمس بينما قدماه تخور رويداً رويداً.. ويؤدي به هذا إلى وقوعه مغشياً عليه من الحر الشديد والتعب والإجهاد. وقتها يتعرف على »اليازرلي« الشديد والقاسي، في صورة أخرى هي مزيج من الرعاية والعناية »الأبوية«. ويقع حادث، يتيح للصبي فرصة عمل أخرى هي: الكتابة بالفرشاة والحبر على أكياس الخيش لرسم »ماركة« البضاعة بالحروف اللاتينية، بعد أن فقدت الصفيحة التي تعمل لهذا الغرض. ويشهد الصبي مشادة عنيفة بين اليازرلي وعماله من الحمالين، غير أن بقية الرجال في العنبر يسارعون لاحتضان المتخاصمين وإبعادهم. وتنتهي المشاجرة الخطرة بالمصالحة والضحكات. »وعند الظهر كنت قد تأصلت في »وظيفتي« وبقيادة صديقي ذهبنا إلى البحر وغطسنا.. وأطعمته بعضاً من الحمص فقبله، وكذلك أكلت من زوادته، وعدت مرحاً إلى عملي. لقد أحببت العنبر ورجاله وشتائمهم ومعاركهم والروائح النتنة. وفيما أنا أرسم الحروف شرعت أتصور العودة إلى البيت. والكلمات التي سأقصها على الوالدة والأخوات.. كدرٌ واحد نغص فرحتي: أن أرجع فلا أجد الوالد في البيت«. في المساء في نهاية يوم العمل، قام اليازرلي بتفتيش جيوب العمال لأنهم غالباً ما كانوا يملأون جيوب ستراتهم وتحت بطاناتهم بالقمح والعدس، ويلاحظ الصبي أن اليازرلي يتحرى بعضهم بصورة شكلية ويتسامح بكميات القمح والعدس الصغيرة، ويكون عجب الصبي كبيراً لسهر اليازرلي وأمانته وقسوته وطيبته في آن واحد، وقبل العودة إلى البيت يمنحه اليازرلي ثلاثة قروش كهبة »خارج الحساب« بعد أن قام بكتابة بعض الحسابات في دفتره الصغير. وفي البيت »كانت البشرى: عاد الوالد! وعانقتني الوالدة وبكت فرحاً، وبعد أن قصصت عليها كل شيء أعطيتها القروش الثلاثة، فركعت أمام أيقونة العذراء، ونذرت لها نذراً، وخرجت فطافت بيوت الجيران قائلة: - سمعتم؟.. ابني توظف.. كاتب، والعقبى لأولادكم. - بعد ذلك يروي لنا الكاتب أحداث تجربته بعد أن دخل عالم العمل الصعب والمثير بطريقة »التلخيص« اليازرلي طلب منه في نهاية الأسبوع الأول أن يلبس سترة مثل الآخرين »وقل لأمك أن تكبر جيوبها.. ستأتي أيام الشتاء، وقليل من السليقة ضروري«. - ودخل اليازرلي السجن بعد أن هجم على جارته وهي عارية تماماً، ولكنه عاد بعد فترة غير طويلة بكفالة تاجر واستأنف عمله في العنب وكما تابع الصبي تسجيل الحسابات والعمل عنده في العنبر. حدثت الهجرة وافترق الجميع.. وبعد عشرين عاماً، وبعد أن تقدم العمر بالراوي، عاد والتقى باليازرلي في أحد شوارع دمشق وهو يبيع السكاكر عند بوابة إحدى المدارس وعرّفه بنفسه وسلم عليه، وحينما أخبره صديق بصحبته بأن صبي الأمس أصبح كاتباً معروفاً، ابتسم الرجل المتعب على شيء من أٍى وذكرى وأطرق قائلاً: بدأ الكتابة عندي! على الأكياس!! ويشكل »الملخص« الذي عرضناه وسط ونهاية القصة، أما البداية فتحكي وضع العائلة أثناء انتظارها عودة الأب الغائب. عند الضحى بكت الأم ابنتها الصغيرة التي ماتت من وقت قريب وبعدها صلّت، كعادتها دائماً، على الغائب، لكي يحفظه الرب ويرجعه سالماً. وعند الظهر جلس الصبي في الحارة حيث يلعب الأولاد، وفجأة أتت سيدة في عربة حنطور وسألت الأولاد عنه لتعرفه، واقتربت منه وقبلته ودسّت في جيبه بعض النقود واختفت مثلما جاءت.. وإذ عرفت الأم بما جرى انطلقت إلى الطريق علّها ترى »ابنتها« الزائرة التي كانت تعمل كخادمة في أحد البيوت وفرّت مع رجل وتزوجته. ولم تجد صورة العائلة اليوم ما تأكله سوى الحمص الذي تحمصه والبيضة المسلوقة الوحيدة التي تتقاسمها الشقيقات والصبي. وبقيت صورة الأب الغائب تؤرق خيال الابن الذي كان يراه، وفقاً لحكايا الأم، وهو يجول في الجبال الملأى بالجن والوحوش والمشلحين وهو يتخبط في الوديان والمرتفعات بين الشوك والحجارة ومن حوله الظلام وعواء الذئاب. عبر وجهة نظر، تنتمي لما يسمى »بالسرد الذاتي« يتم رسم صورة عالم صغير وناسه على الميناء. وسنكتشف في نهاية القصة أن الراوي يحكي لنا قصة من طفولته هو، وأنه يحاول في »تقنية السرد« أن يقترب من ذاكرة طفولته نفسها لكي يروي حوادث الماضي من زاوية رؤية الطفل نفسه ووفقاً لطبيعة وعيه. ونرى في القصة كيف أن تجربة يوم العمل الأول تهيمن، تقريباً على فضاء النص.

وكما عرفنا فإن »اليازرلي« هو الفيلم الوحيد الذي يعتمد في معالجته على قصة قصيرة وهذا –كجنس فني- يضع أمام المعالجة الدرامية ليس فقط مهمة إعادة ترتيب جديد لزمن القصة، إنما أيضاً تطوير لأحداثها وشخصياتها بما يتناسب مع زمن سرد القصة في فيلم روائي طويل، دون أن يتم، في هذه المهمة، إغفال الكيفية الجديدة التي يتم فيها سرد القصة. إن »وسيط« السينما البصري/السمعي له خاصية مميزة، حيث لا ترسم فيه أمام القارئ جملة الدلالات التي يتصور هو مدلولاتها أثناء عملية القراءة، إنما المتفرج يرى ويسمع: الناس والأشياء والطبيعة مباشرة. وبهذا يختلف منطق سرد »القراءة« عن منطق سرد »الفرجة« حيث لا تهدف الكلمات والجمل والوصول إلى خاصية »الأدب« إنما تنزع إلى التحول إلى صور وأصوات كدوالٍ مبتكرة في ٍأسلوب السرد. هنا لا يعول على »الأدبي« كقيمة في ذاته إنما على »الفيلمي« الذي تلبسه وتجسده اللغة، »الفيلمي« الذي ندركه في صوره الحسية. إنها نوع لغة واصفة ينتمي وجودها حينما تذوب في وجود آخر، عناصره الصور والأصوات التي ترسم العالم المرئي والمحكي في الفيلم، هدف الوصف وجود آخر يلغيه، من هنا أهمية »التقابل« بين الأدبي والفيلمي الذي لا يمكن أن يتأسس على »التماثل« إنما على »التفارق« وضمن رؤية العلاقات المتبادلة الجدلية لعناصر المتشابهات والمتفارقات في وسيلتين أو وسيطين مختلفين يتسنى لنا أن نقترب من طبيعة هذه »الإشكالية«. ومن المفيد هنا أن نرجع إلى رأي بازوليني بهذا الصدد، لأنه أديب روائي حوّل بنفسه بعض أعماله للسينما، فكما كتب الشعر والرواية كتب السيناريو الأدبي وأخرج أفلامه عن نصوصه. وباعتبار أن الصورة تلبس، أولاً، لباس الكلمات، يرى بازوليني أن السيناريو الأدبي يشكل نقطة تلاق بين الأدب والسينما حيث تقوم الكلمة بدور وحدة لغوية، أي: علامة وظيفتها إحلال شيء بدل شيء آخر: كلمة/شيء. أما العلامة في السينما فهي أيقونة بصرية تتطابق فيها العلاقة بين الشيء ومظهر الشيء نفسه العلامة/مظهر الشيء" . كتبت عن حنا مينة وعلاقته بالسينما صحيفة جزائرية " البداية السينمائية، كانت في فيلم "اليازرلي" (1974م)، عن قصة طويلة بعنوان «على الأكياس»، للمخرج العراقي قيس الزبيدي، ومدته (95 دقيقة). يكتب الناقد سعيد مراد: "إن اليارزلي ينطوي في بنائه الدرامي، على عناصر شعرية وملحمية تعتمد في بروزها على وسائل بصرية مونتاجية"، في مكان آخر يضيف: "إن على الأكياس التي هي قصة قصيرة من السيرة الذاتية، مكتوبة بأسلوب ذكريات حارة، بسيطة، تحولت في الفيلم إلى بناء معقد يحوي معاني الإضطهاد في مجتمعنا: التخلف، الجنس، القسوة، العنف، الإستغلال". هذه المعاني، أراد أن يجعل منها نماذج معممة تجسدها الشخصيات التي يعبر كل منها عن واحد من تلك المعاني القيمة، وطرح ذلك علينا سلفاً، مستفيداً من بناء مسرح بريخت: بث نوع من الملحمية في التخاطب مع الناس وفي بناء العمل، كما لجأ إلى مونتاج يحاول أن لا يفسح مجالاً لتأثير عاطفي بقدر ما يقطع هذا التأثير ليتوجه إلى عقل المُشاهد، كي يحرضه على أن يتركز على هذه المعاني المجسدة، ثم يكشف عن الحقيقة الواقعية للحلم، ويرتفع بالواقع، ببعض تفاصيله مستوى الحلم، يتداخل ذلك في نسيج واحد فيجعل من الماضي، الذكريات، الحلم والواقع كلاً واحداً، وذلك بوسيلة بصرية ومونتاجية. ثم حقّق المخرج نبيل المالح فيلم «بقايا صور» (1979م)، عن رواية حملت الإسم نفسه، ومدته (130 دقيقة).. وفيه عودة إلى عشرينيات القرن العشرين، حيث قصة الأب السكير الشهواني الرحالة، والأم الضعيفة الطهرانية، وحكايات الأخوات والمدرسة والخال والصراع في ريف الإسكندرون واللاذقية بين الملاكين والفلاحين، وتنهض بخاصة شخصية العاهرة زنوبة الأرملة وعشيقة الأب. كما قدم المخرج الراحل محمد شاهين فيلم «الشمس في يوم غائم» (1985م)، عن رواية تحمل أيضاً الإسم نفسه، ومدته (110 دقائق). فيه سيكون السحر في الرقص، وسيكون الحب والجنس وصبوة الحياة عبارة هذا السحر، وإذا كانت تقنية هذه الرواية قد تميزت بناء ولغة وترميزاً وأسطرة وتوقيعاً. تقوم الرواية على حكايتين: حكاية بطل وحكاية وطن أثناء الحرب العالمية الثانية، ويعكس فسيفساء المجتمع المتنوع كما يتحدث عن علاقة الصيادين بالبحر وصراعهم مع الطبيعة القاسية، كذلك حقّق شاهين فيلماً ثانياً هو «آه يا بحر» (1994م)، المأخوذ عن رواية «الدقل»، ومدته (120 دقيقة) تمثيل: منى واصف، خالد تاجا، رنا جمول، جلال شموط، مازن الناطور، تدور أحداثه في نهاية الثلاثينات وبداية الأربعينات من هذا القرن، في ظل الإحتلال الفرنسي، وتبدأ الأحداث مع وصول أسرة البحار صالح حزوم من لواء إسكندرون إلى اللاذقية ومحاولة البحث عنه، حيث يحاول إبنه سعيد، إقتفاء أثره بعد أن انطلقت أكثر من إشاعة عن سبب اختفائه، ويقرر أن يصبح بحارا مثل أبيه ويتعرف على الريس عبدوش ويعمل معه في البحر، لكن عاصفة تواجه السفينة المبحرة، فهل يغرق سعيد حزوم أم ينجو؟. وتنتقل رواية حنا مينه «العاصفة والشراع» إلى الشاشة الكبيرة على يد المخرج غسان شميط جمع الفيلم بين عالمين إبداعيين في الأدب والسينما، فتحولت الرواية إلى فيلم سينمائي، توفر له معطيات إبداعية وفنية وتقنية مختلفة، إستطاع بها موازاة رواية، تميزت بعوالمها وشخصياتها وأطروحاتها وبيئاتها المتعددة، يقول شميط: «حاولنا السير مع الفكرة الأساسية التي تتلخص فيها الرواية ككل، لكننا لم نتشعب في أكثر من اتجاه، حاولنا السير بمحاذاة الشخصية الأساسية وهي البطل الشعبي الطرطوسي الذي بني عليه العمل، وقد ارتأينا إنهاء الفيلم مع نهاية العاصفة، لكونها ذروة النجاح بالنسبة إلى الشخصية المحورية، بينما تقدم الرواية أحداثاً عديدة بعد العاصفة، كذلك، اعتمد السيناريو على تقديم قصة متكاملة تدور أحداثها خلال الحرب العالمية الثانية، وركّز على علاقة بطل العمل بالبحر والتحدّيات التي تقف في وجهه».







مواقع صديقة

 

آفاق سينمائية

مجلة إلكترونية أسبوعية