هناء نصور : لا تعاني الدراما من أية أمراض .. ولكن فيها بعض الشوائب
فؤاد مسعد
تمتلك في داخلها موهبة أصيلة وطاقات إبداعية كبيرة وفيضاً إنسانياً يميز ما تُقدم من شخصيات ، استطاعت عبر أدوارها أنسنة الكلمات بشفافية عالية وبث الحياة فيها ، فانسلت من خلال ما جسدت من شخصيات إلى قلوب وعقول المشاهدين بعفوية وتلقائية أدائها النابع من صفاء روحها ، فالتمثيل بالنسبة إليها هو إعادة صياغة الروح مرة ثانية ..
إنها الفنانة هناء نصور التي تقوم حالياً بتدريس مادة التمثيل لطلاب السنة الثانية في المعهد العالي للفنون المسرحية ، أما على صعيد التمثيل في الدراما التلفزيونية فقد شاركت مؤخراً في عملين هما خماسية (ردة فعل) إخراج طارق السواح وتأليف سعيد حناوي ، ومسلسل (دامسكو) إخراج سامي الجنادي وتأليف سليمان عبد العزيز وحوار عثمان جحى .. معها كان لنا هذا اللقاء :
ـ ابتعدت أحداث مسلسل (دامسكو) عن مجريات الأزمة الحالية ، فإلى أي مدى يمكن للمشاهد اليوم متابعة أعمال معاصرة لا تتناول همه اليومي والحدث الأكثر حرارة ؟
إننا نعمل عبر كل ما يطرح علينا من مبدأ عدم الاستسلام للظروف ، فكيف الحال إن شدني العمل إنسانياً كما في (دامسكو) ، ولكنني أشعر أحياناً بضرورة البقاء عند محاكاة الأزمة ، وأرى أنه ينبغي على المسلسلات طرح موضوع الأزمة من باب التاريخ ، فأفضل أن تكون الأزمة موجودة عبر كل ما يُقدم لأجل التاريخ والقول أن هذا المسلسل أنجز في هذه الفترة بالذات .
ـ من أجل التاريخ ينبغي تناول الأزمة في الداما ، الآن أم بعد انتهائها ؟
الآن ، فسمة الأعمال التي ستقدم بعد الأزمة تقييمية لنرى ما فعلته بنا الأزمة ، أما ما يُقدم الآن فهو من وحي الأزمة التي انطلت على كل شيء في حياتنا فحتى آلامنا وأحاسيسنا اختلفت وبتنا أكثر حزناً ، وأرى أنه حتى الأعمال الكوميدية التي تقدم اليوم ينبغي أن تحكي عن الأزمة ، فلا أستطيع أن أجرد نفسي عما يجري ، فكيف أكون بلا أزمة وأنا في الأزمة ؟..
واليوم هو الوقت الأنسب لكوميديا الموقف والكوميديا السوداء ، في جعل الناس تضحك على آلامها . ـ إلى أي مدى يمكن للأعمال التي تناولت ألم ووجع الناس وسط الأزمة أن تلامس واقعهم حقيقة ؟ تبقى الساحة الواقعية أسخن من أي عمل قُدم عن الأزمة ، فعلى سبيل المثال عندما عرضنا مسرحية (نبض) في طرطوس وهي عن الشهداء شعرت أنني أتيت إلى من آلامهم أكبر من آلامي بألف مرة رغم أنني كممثلة اجتهدت على مئة شخصية حقيقية حتى قدمت الدور ، ورغم ذلك كانت آلامهم أكبر من آلامي وسمعت البكاء في الصالة ، حتى أن هناك من خرج من العرض لأنه لم يستطع تحمل الألم الموجود داخله ، فقد (نكشت) هذه الآلام الصعبة .
ـ بعد غياب طويل عن خشبة المسرح أتت مسرحية (نبض) التي أديت فيها دور الأم المُضحية والمعطاءة ، فإلامَ ترمز الأم ، وإلى أي مدى تماهيتي مع الدور ؟
قدمت عند تخرجي أربعة أعمال مسرحية وهي (يرما) مع الفنان غسان مسعود ، و(خارج السرب) مع الفنان جهاد سعد ، كما سافرت إلى الخليج وعملت هناك مع مخرج مسرحي هام هو غانم السليطي حيث قدمت (أمجاد يا عرب) (هالو جلف) وذلك في أواسط تسعينيات القرن الماضي ، وبعدها حدث انقطاع كبير ، فلم يكن هناك أحد يثير لدي الغيرة لأشتغل مسرح عبر ما يُقدم من أعمال ، ولكنه بقي ذاك الحلم الدفين الذي ينغصني ، وفي مسرحية (نبض) كان لدي توق للعمل على خشبة المسرح وجاء الخيار بين ثلاث أمهات كلهن شهيدات هذه الأزمة ، واخترت الأم التي فقدت كل شيء حتى أنه لم يبقَ لها أحد ليقول لها (يا ماما) ، وكان من المؤثر بالنسبة إلي عدد أمهات الشهداء اللواتي ألتقيت بهن ، وبعد أن انطبعن في وجداني أحببت أن أفيض فيما حملته في ذاكرتي من آلامهن ، فكانت الشخصية التي قدمتها مثال العطاء الحي الذي لا ينضب ، لم تبكِ وكانت جسورة ، فتحملت استشهاد أبنائها الثلاثة وهم في الجيش، وكانت تؤمن ان الله أراد هذه التجربة وأننا في الحياة نُخلق لمهمة ينبغي أن نؤديها ، وعلى لسانها أقول (كنت عرفانة أنو بدو يروح لأنو لازم يروح) هذه الكلمة كانت لابنها الأخير الذي التحق بالجيش بعد أن استشهد أخويه ، وبالتالي عبّرت مسرحية (نبض) عن حالتي في أن أقدم شيئاً في هذا الوقت ، كما جاءت تعبيراً عن الأمهات السوريات .
ـ إلى أي مدى الدراما معنية في تناول الأمراض الاجتماعية عبر ما تُقدم ؟
إنني معنية بكل ما تقدمه الدراما ، ويأتي الجانب الاجتماعي في خضم ما أهتم به ، وله تأثير كبير على الشارع لأنه يشبهه إلى حد التطابق ، ولكن لم يتناول الفن القضايا الاجتماعية بمسؤولية عالية وأكتفى بفتح الأفق أمام تعري هذا المجتمع ، وركّز على قضايا الخيانة والزنى والخداع والسرقة وغيرها ، ولم يكرس الحلول لها كما لم يعطِ أبعاداً لحلول ، ولكنه حفر فجوة بينه وبين متلقٍ كره أن يرى نفسه دائماً في طريق الانحدار ، فكثيراً ما يسألني الناس في الشارع ، (ألا ترون في الشارع إلا بيوت الدعارة ، فكم بيت دعارة في دمشق ؟) فأجيبهم (قليلاً جداً) ، فيقولون لماذا تصرون على إظهار المجتمع ضمن هذا الإطار ، في حين أننا مميزون بالتزامنا الأخلاقي والديني وبوسطية توجهاتنا واحترام الآخر ، فلدينا الكثير من الأسر التي تعتبر شمعة مضيئة ولديها طاقات مبدعة ، فنحن لسنا سلالة هيّنة أو رخيصة وإنما سلالة حضارات متلاقحة مرت على هذه البلاد ، وهي أكثر من عشرين حضارة ، منها الفينيقية والآشورية والعمورية والكنعانية إلى بلاد الرافدين وبلاد الشام العريقة . ألم نتمكن من اقتناص شيء يذكرنا بماضٍ مجيد يربي الجيل على القيم العليا !؟.. ولكن استسهلنا كما الجيل الجديد الغوص في الترهات والاتكاء على ما يحب الشارع وما يرغب الخليجي وما يحبذه السوق والتجار حتى فقدنا هويتنا ونسينا من أية سلالة أتينا ، يقول قائل أن الدراما نبهت لانهيار المجتمع قبل وقوع الأزمة ، ولكني أقول أن هناك بعض الأعمال التي حثت على قيام الأزمة . ـ كثيرة هي الأمراض التي تعاني منها الدراما السورية
أين هو دور الفنان فيما تعانيه الدراما ؟
أرى أن الدراما لا تعاني من أية أمراض ، إنها حالة تفاعلية متغيرة ومتبدلة ، فيها بعض الشوائب ، ولكن الفن ينتقد نفسه بنفسه ، وعندما تكون الظروف سانحة تجد أن العمل السوري يظهر في المقدمة ، والظروف الصعبة التي نعيشها قد تؤثر على النوعية دون أن تؤثر على الابداع ، لا بل على العكس فهي تخلقه ، وأنا أؤمن بالسوريين ولكن لا أؤمن بالتساهل والكسل الذي قد يحلو للبعض التعاطي به لأننا في أزمة