(امرأة من رماد) .. عندما تتصارع غريزة الأمومة مع القدر


(امرأة من رماد) .. عندما تتصارع غريزة الأمومة مع القدر

فؤاد مسعد

يتابع المخرج نجدة أنزور تصوير مسلسله الاجتماعي المعاصر الجديد (امرأة من رماد) تأليف جورج عربجي وبطولة عدد من الفنانين ، منهم : سوزان نجم الدين ، صباح الجزائري ، سعد مينه ، رنا كرم ، زهير عبد الكريم ، ندين تحسين بك ، محمد خير الجراح ، محمد الأحمد ، تيسير إدريس ، يحيى بيازي ، مروان أبو شاهين ، سوسن ميخائيل ، ريم عبد العزيز .. وإنتاج المؤسسة العامة للإنتاج التلفزيوني والإذاعي . يتناول العديد من المحاور الهامة التي ترتبط بشكل وثيق مع تداعيات الأزمة على المستويين الإنساني والاجتماعي ، طارحاً حكاية (المدام جهاد) التي فقدت ابنها إثر عملية تفجير ، الأمر الذي ترك أثره عليها فباتت تعاني خللاً نفسياً لا يبدو واضحاً للعموم بسبب قدرتها السيطرة عليه بفضل قوة شخصيتها ، ولكن مضاعفاته تجعلها تنتقم من كل من هو سعيد وخاصة الأطفال الذين هم بعمر ابنها .

ـ الرؤيا البصرية : يؤكد المخرج نجدة أنزور أن المسلسل يتناول الأزمة بشكل غير مباشر من خلال تداعياتها على المجتمع السوري ، مشيراً إلى أنه يحكي عن الأزمة الطائفية التي تُفرض علينا ونحن نرفضها تماماً ، كما يحكي عن معاناة المواطن والغلاء والجرح العميق الذي سببته الأزمة لكل إنسان وخاصة للأم التي فقدت أحد أبنائها .. في أحد مواقع التصوير كانت لنا هذه الوقفة مع المخرج نجدة أنزور الذي تحدث عن تشابك الخطوط وارتباطها مع بعضها البعض ومدى وصول هذه الخطوط إلى نهاياتها المنطقية ، يقول : أهم ما يميز العمل أن هناك تشابكاً بين الخطوط في النهاية ، فالخطوط التي تبدأ تتوازى شيئاً فشيئاً تداخل في بعض الأماكن حتى تلتقي ، لأن النتيجة وشكل نهايات القصص هي المهمة للجمهور ، فجميع الشخصيات نهاياتها واضحة ، فعندما تطرح شخصية لا تتركها وإنما تسير معها حتى النهاية . ـ ما الذي تبحث عنه كاميرتك ؟ تبحث عن داخل نفسية الممثل ، فالمتابع لعمليات التصوير يجد أننا نراقب حس الممثل بشكل عالٍ جداً لذلك كل الشخصيات تؤدي أدوراها بشكل قوي ، حتى أن هناك ممثلين تفوقوا على أنفسهم ، وما يهمني أن تعكس كاميرتي ما يشعر به الفنان وتشاركه الشعور ، فعلى المخرج أن يهيئ للممثل الظرف واللقطة التي تقدمه بالشكل المطلوب وألا يكون مجرد منفذ للنص الذي قرأ ، فهناك إضافات نوعية وتدخلات في بعض اللحظات ، وعلى سبيل المثال هناك أحلام وكوابيس ورؤيا معينة وأسلوبية في العمل ترى من خلالها أن البصمة موجودة خلال الوقت كله ، فلأول مرة ستتابع عملاً اجتماعياً تجده على عكس ما يقول الناس في أنه بسيط ، فالصحيح أن العمل الاجتماعي معقد جداً حتى على الصعيد الفني . ـ عادة يُقال أن المسلسل التاريخي هو الملعب الذي يمكن للمخرج فيه إظهار براعة كاميرته ، فهل يمكن تجيير هذا القول على العمل المعاصر ؟ اليوم نثبت أنه حتى في العمل الاجتماعي يمكن أن تكون هاماً في كاميرتك ، ولكن ليس أن تستعرض من خلالها (فيلات ومنازل فخمة ومسابح !..) وإنما أن تتدخل في الحالة الفنية ، ففي (امرأة من رماد) هناك لقطات تُقدم لأول مرة على صعيد العمل الاجتماعي . ـ إلى أي مدى وصلتم إلى نهايات واقعية في المسلسل ؟ هي واقعية مائة بالمائة ، إننا نضع المواطن أمام الحقيقة ونعرّفه على مشكلات الناس التي قد لا يكون مطلعاً عليها أو أنه رآها بشكل مغلوط ، فاليوم يراها بشكل درامي وتصله بطريقة فنية مختلفة ، لطيفة أحياناً وصادمة أحياناً أخرى .

ـ المضمون : الوقفة الثانية كانت مع الكاتب جورج عربجي الذي أكد خلال لقائنا معه أنه تناول الموضوع من نظرة فلسفية عندما تتناقض غريزة الأمومة مع القدر ، يقول : وجدت أنه في النهاية غريزة الأمومة هي التي تنتصر ، لأني أراها غريزة مقدسة . ـ إن ازدحم السؤال ضاع الجواب .. والمسلسل مزدحم بالخطوط الدرامية ، فإلى أي مدى وصلت في كل خط إلى نهاياته ؟ أم أن هناك خطوطاً جاءت على حساب أخرى ؟ العمل يختصر حالات اجتماعية تفرض نفسها من ناحية الأولوية والحجم ، وأعتقد أن أكثر ما يمكن أن يتعرض له إنسان هو فقدان الأم لابنها ، لذلك أعطيت هذا الخط أولوية أكثر من غيره ، كما قدمت الخط الطائفي بطريقة واضحة بحيث لا نختبئ خلف اصبعنا ، وبالوقت نفسه أعطيت حلولاً ، وفي العمل هناك خطوط هامة أخرى فتجد أصدقاء يختلفون في الرأي حول الأزمة ، فيمكن أن نختلف ونبقى أصدقاء ، وهنا يكمن (لب الحل) للأزمة ، في أن أتقبل رأيك وتتقبل رأيي ، ومن الخطوط الدرامية الأخرى شخصية الانتهازي ، وخط الخطف فصورنا حياة طبيعية لأشخاص فجأة خُطفوا ، ونرى طلب الفدية من قبل عصابة هدفها الاستفادة المادية فقط وليس لديها رأي سياسي أو فكري .. وبالمحصلة يمكنني القول أنني أعطيت أهمية لمحاور على حساب أخرى وفقاً لأهميتها عندي ككاتب ومواطن سوري . ـ العمل حار وطازج ، تجري أحداثه (الآن) فعندما تحكي عن مخطوف أو أم ثكلى هناك آلاف العائلات التي عانت من المشكلات نفسها ، فكيف لعبت اللعبة لتقنع ؟ وإلى أية درجة سيرى هؤلاء واقعهم على الشاشة ؟ الصدق والأحاسيس ، فعندما تكتب بصدق على الورق سينتقل ذلك إلى المشاهد ، والعمل مليء بالمشاعر والأحاسيس وأولها الصدق ، فقد عشت الأزمة وتأثرت بها مثل أي مواطن سوري ، وأرى أن أمام كل منا واجبات ، فالعسكري على الجبهة عنده واجباته تجاه الوطن وكذلك الصحفي والكاتب .. فلكل منا سلاحه .

ـ الشخصيات : (عشقت النص وتفاصيله وكل ما يقدم من رسائل) بهذه الكلمات عبّرت الفنانة سوزان نجم الدين عن إعجابها بالعمل مؤكدة أنه بعد قراءتها للنص اعتذرت عن كل ما عُرض عليها من أعمال أخرى فشعرت أنه يستحق أن تعطيه الجهد والتعب ، وتؤدي الفنانة سوزان في المسلسل شخصية السيدة جهاد المركبة التي تمر بعدة تحولات من الحرمان والألم والأمل ، إذ فقدت ابنها الصغير إثر تفجير كما فقدت قدرتها على الإنجاب ، ولكنها تقنع نفسها في كل مرة أنه لم يمت وتحاول أن تجد لها ابناً بطريقة أو بأخرى . يؤدي الفنان مروان أبو شاهين شخصية سامر ، عنها يقول : هو إنسان إيجابي يحب وطنه كثيراً ، هو في الجيش ومن طبيعته أنه خدوم ويحرص أن يدافع عن أرضه التي ينتمي إليها ولديه الاستعداد لأن يضحي بروحه من أجلها ، يحدث أن تلتقي نظراته بنظرات فتاة فتكون بينهما شرارة علاقة حب ولكنه يستشهد في النهاية . أما الفنانة سوسن ميخائيل فتقول عن دورها : أقدم شخصية امرأة تقوم بتربية ابن اختها التي تم تفجير بيتها وذهبت ضحيته هي وأولادها ، ولكن تحتال امرأة عليها وتتبنى الطفل بطريقة أو بأخرى ، وتتصاعد الأحداث فيما بعد وأشعر أن هذه المرأة تعاني من انفصام في الشخصية فهي لا تعامل الطفل بشكل جيد الأمر الذي يدفع بي لمحاولة استرجاعه .







مواقع صديقة

 

آفاق سينمائية

مجلة إلكترونية أسبوعية