السياسة على أوتار السينما فيلم تحت الأرض لكوستاريستا تألق فيلم وإبداع مخرج


السياسة على أوتار السينما  فيلم تحت الأرض لكوستاريستا تألق فيلم وإبداع مخرج

دمشق : نضال سعد الدين قوشحة .

(ذات مرة كان هنالك بلاد اسمها يوغسلافيا ، وكانت عاصمتها بلغراد ) . هكذا ، بعنف هذه السخرية يبدأ أمير كوستاريسيا فيلمه الشهير تحت الأرض . الذي يتناول فيه عوالم عجائبية عاشتها بلاده منذ الإحتلال النازي لها عام 1942 وحتى الحرب الأهلية فيها في أواسط تسعينيات القرن الماضي .

فعبر تاريخها ، احتفت السينما بالسياسة في إنتاجاتها ، فنقلت للشاشة الفضية حكايات عن أروقة السياسة و شخوصها في العديد من التجارب وعلى إمتداد العالم . وكان لبعضها مكانة خاصة في تاريخ السينما العالمية ، لعل أهمها المواطن كين ، لأورسون ويلز الذي مازال يتصدر قائمة أفضل الأفلام في تاريخ السينما العالمية برأي كبار النقاد السينمائيين في العالم .

نضيف إليه أفلاما عن سبارتاكوس ويوليوس قيصر ونابليون و هتلرو صلاح الدين و ريتشارد و بسمارك وتشي غيفارا وكاسترو وعشرات الشخصيات التي ظهرت في آلاف الأفلام الروائية والوثائقية في العالم . من التجارب السينمائية المميزة في التناول السياسي ، فيلم تحت الأرض ، لمخرجه البوسني المبدع أمير كوستاريسيا ، في الفيلم وكما العادة في أفلام كوستاريسيا عوالم مختلفة ، فوضوية ساخرة وحالمة .

وغالبا موجعة في حزنها و ألمها . إنها حكاية وطن ، كان اسمه يوغسلافيا ، الموحد رغم التباينات العرقية والدينية التي فيه ، ولكن ما أن رحل عامل الوحدة . (ربما كان بمنطوق الفيلم ، بطل الإستقلال اليوغسلافي الجنرال تيتو ) . حتى حلت غيوم الحروب والتباينات والإنقسامات ، وصولا إلى الحرب الأهلية القاسية التي قامت في إقليمين في الدولة ذاتها التي كانت واحدة . هما البوسنة والهرسك و صربيا . يغوص الفيلم في البعد السياسي ، وتأثيره على مجتمع إنساني قائم على إختلافات منسية ، ويقوم بتشريح هذا المجتمع من خلال قصة بعض الناس البسطاء الذين يختفون في ملجأ أمين لمدة تقارب الخمسين عاما . لا يخرج منهم إلا شخص واحد ، يكون صلتهم مع العالم الخارجي . فيستغل هذا الشخص وطنية هؤلاء ورغبتهم في محاربة الإحتلال النازي ، فيخفي عنهم الأمر ، موهما إياهم عبر العديد من الخدع ، بأن الحرب ما زالت قائمة ، طوال هذه الفترة . بينما يقوم هو بييع السلاح الذي يصنعونه ، ويصبح رجلا شهيرا وغنيا ، مستغلا ضعفهم وجهلهم . والأهم وطنيتهم .

أخيرا ، يعلم الجميع بالأمر ويعاقبون التاجر السارق . في الفيلم ، ألم إنساني عارم ، على واقع مرير يعيشه وطن ، تسكنه تمزقات حرب سياسية و عصبيات دينية وعرقية متعارضة . و ربما هذا ما جعل كوستاريسيا يكتب في مقدمة فيلمه (ذات مرة كان هنالك بلاد اسمها يوغسلافيا ،وكانت عاصمتها بلغراد ) وفي مقاربة إفتراضية حالية ، سنجد أن عالمنا العربي ، يمر بذات الأزمات التي عاشها الوطن اليوغسلافي السابق ، فعديد من البلاد العربية ، التي قام تاريخها على متضادات منسية ، تصحو فجأة لترى نفسها في أتون حروب طاحنة مستندها ، هذه المتضادات الدينية أو العرقية أو السياسية الكبرى التي تحكم العالم . وتترك المواطن البسيط في سعير تلك العواصف المحمومة من الوجع والضياع والخراب .

كوستاريسيا ، دأب منذ ظهوره المبكر في إيجاد خط إبداعي مختلف ، حقق بالفيلم مزيدا من هذا التفرد . تاريخه يثبت أنه صاحب إنجازات سينمائية كبيرة منذ أول أفلامه (هل تتذكر دولي بيل) الذي نال عنه الجائزة الفضية في مهرجان فينيسيا عام 1981 .

ثم كان فيلمه الروائي الثاني عام 1985 (عندما كان والدي في رحلة عمل) . وبه حاز على الجائزة الأكبر في سينما العالم . السعفة الذهبية في مهرجان كان السينمائي . ورشح حينذاك لجائزة أفضل فيلم أجنبي في الأوسكار . ثم عاد مجددا وحاز بعد عشر سنوات على ثاني سعفة ذهبية في مهرجان كان السينمائي عبر فيلم تحت الأرض . ومعهما فاز بالأسد الذهبي لمهرجان برلين ، والنمر الذهبي لمهرجان لوكارنو .

وغيرها من الجوائز السينمائية العالمية . كوستارسيا ، عازف ومؤلف موسيقي بارع ، يعزف على آلة الغيتار الباص ، كما يجبد العزف على العديد من الالات الموسيقية ، التي تمزج بين الموروث البوسني والعالمي وأسس مع أصدقاء له فرقة موسيقة . no smoking . كما شارك في التمثيل في العديد من التجارب السينمائية في أوروبة . وقام بتدريس الفنون والسينما في صربيا و أمريكا . وكان في عام 2007 رئيسا للجنة تحكيم الأفلام الطويلة في مهرجان كان السينمائي . فيلم تحت الأرض ، يضعنا في عالم ساحر ، من العبث والخيال ، والواقع المؤلم ، الذي يتمنى كثيرون أن يبتعدوا عنه ولو في رحلة فنية خيالية من خلال فيلم سينمائي متألق مثل هذا الفيلم الكبير . يحقق لهم بعضا من حلم مشتهى







مواقع صديقة

 

آفاق سينمائية

مجلة إلكترونية أسبوعية