فيلم حزام ، لحميد بن عمرة ، يغرد خارج السرب


فيلم حزام ،  لحميد بن عمرة ، يغرد  خارج السرب

دمشق : نضال قوشحة .

من بداية الفيلم ، يضعنا حميد بن عمرة بفيلمه حزام في قلب حدث سينمائي إستثنائي بصورة صادمة . فمع ظهور كلمة حرام ، تختلط الأمور على المتلقي ، لتظهر كلمة حزام بعدها بثواني ، لتجعل المتلقي بحالته الطبيعية مجددا . بتغير شكل الكلمة من حرام لتصبح حزام . ولكن ، الأهم يأتي لاحقا ففي فيلم حزام ، ومن خلال خصوصية الموضوع الذي طرحه ، وعمقه الكبير ، إضافة للشكلانية المبتكرة التي تمت المعالجة بها . سيكون المتلقي في نهاية الفيلم أمام تجربة سينمائية هامة وعالية المستوى . في فيلم حزام ، لا يقدر المتلقي حتى المتخصص بالشأن السينمائي ، أن يحدد تماما ، ما هو تصنيفه . والحقيقة أن الفيلم هو خلطة متجانسة وجميلة من أكثر من نمط سينمائي ، فهو وثائقي و دكيو دراما ويحتوي على خيط روائي خفي ، تشكل حياة بطلته خلفية الأحداث فيه . في فيلم حزام ، تناول لسيرة فنانة جزائرية ( آسيا قمرة ) . التي كانت رياضية في بلدها الجزائر ، في رياضة الكاراتيه ، وحققت هناك جوائز على مستوى الدولة . لكنها بعد ذلك ، هاجرت لفرنسا ، ودرست المسرح الراقص واحترفته . وصارت صاحبة مدرسة لتعليم الرقص الشرقي ، تتعلم فيها سيدات من معظم جنسيات العالم . حاول بن عمرة الإبتعاد عن الإسلوب المعتاد في تناول هذا الموضوع ، وهو المتهم مشرقيا بأنه فن مبتذل خليع غرائزي ، ولا ينظر إليه بإحترام . من خلال منظور مخالف ، دخل بنا مخرج الفيلم لجوانيات تخص العاملين في هذا المجال ، لم نكن كمتلقين على دراية بها . فمنذ البداية نجد الكاميرا وهي ترصد كواليس حياة السيدة آسيا بطلة الفيلم ، وكذلك العديد من المحيطات بها في المدرسة . وقد استعرض الفيلم من خلالهن عوالم لشخصيات ، عربية ، من لبنان ومصر والجزائر ، وكذلك لمتدربات من أمريكا اللاتينية ، و الهند وحتى أوروبة . استعرض الفيلم ، المفاهيم الإنسانية العميقة التي تنظر هؤلاء المنتسبات إلى فن الرقص الشرقي من خلالها .منتسبة أوروبية قالت أنها تشعر بكونها خارج الزمن عندما ترقص ، وأخرى قالت أنها عشقت فن الرقص الشرقي من خلال زيارة لها لتونس ، وأنها تجد حالها فيه ، وثالثة كانت ترى أنوثتها وشرقيتها . فيلم حزام ، قدم ، كما في أي فيلم وثائقي ، مجموعة من الحوارات مع العديد من ضيوفه . سواء من الفنانة آسيا أو المتدبارت ، وربما كان الحاضران الأهم في الفيلم ، من غير بطلته . هما ، مارسيل خليفة ، الذي ظهر في لقطات محددة ، توزعت في أكثر من توقيت ، تظهره وهو يحضر جانبا من حوار موسيقي بين عازفين ، وراقصة تتمايل على أنغامهم . كذلك ظهر في مشهد آخر وهو يرحب بالفنانة آسيا . هذا الظهور ، لمارسيل خليفة لم يستثمر حتى نهايته ، فغدا في منطقة قلقة في فضاء الفيلم . لكن الأمر كان مستثمرا أفضل ، من خلال إستضافة المخرج السينمائي السوري الكبير محمد ملص ، الذي ظهر كذلك في عدة مفاصل في العمل ، ليقدم لنا آراءه في السينما ، وتمييزه بين الفيلم التسجيلي والوثائقي . ومن ثم آراء له في المرأة خصوصا . ظهور ملص في الفيلم ، كان تحديا ، فكريا وشكليا في الفيلم . فكان وجوده مربكا أولا ، لعدم وجود رابط فكري في سياق الفيلم ، لكنه عندما تحدث عن المرأة بعوالهما العميقة ، صارت الصورة أوضح واستقام الأمر . أما التحدي الشكلي فكان بطريقة ظهوره ، التي استثمر فيها المخرج وجود قامة فنية كبيرة معه بشكل لافت ، فأوجدها في مشهديتين ، الأولى في مقابل مرآة كبيرة ، يتحدث أمامها ملص بهدوء شديد . ثم بمشهدية ثانية غريبة . جعلت ملص على كرسي كبير . وتموضعت الكاميرا من فوق رأسه وهو ينظر إليها من تحت ، فغدا المشهد متساوقا مع فكرة أن الأفكار تأتي من مكان عميق . كذلك ، كان لقامتين ابداعيتين وجود هام في الفيلم ، أولهما الشاعر الفلسطيني الكبير محمود درويش ، الذي ظهر شعره في تيتر الفيلم الأول . فإن الموت يعشق فجأة مثلى، وإن الموت مثلى لا يحب الانتظار وكذلك حضر عبد الحليم حافظ من خلال أغنية جبار على إمتداد مراحل الفيلم ، وكانت موسيقى الأغنية خلفية للوحات راقصة للمتدربات . في خطفة زمنية للتاريخ المهني لبن خمرة ، نجد أنه لأكثر من عقدين من الزمن ، دأب على التعامل مع فن السينما من خلال منظور مختلف ، وعندما أنجز فيلمه هواجس ممثل منفرد بنفسه ، عام 2015 كانت النتيجة ، منعه من المشاركة في العديد من المهرجانات السينمائية العربية ، لكنه أصر على خطه المتميز في صناعة سينما مختلفة . الفيلم ، شارك قبل أشهر في مهرجان القاهرة السينمائي ، الدورة 38 ضمن مسابقة آفاق السينما العربية للأفلام الروائية ، وربما كان حريا مشاركته بغير هذه المسابقة ، نظرا لأن طبيعة الفيلم غير الروائية تماما تجعله بعيدا عن شكلانية هذه المشاركة . وهو بصدد المشاركة قريبا في العديد من المهرجانات السينمائية العربية والعالمية ، بعد الصدى الطيب الذي لاقاه الفيلم بعد مشاركته في القاهرة . عن رهاناته وهواجسه في العمل وعوالمه الخاصة عندما نفذ فيلمه يقول بن عمرة : في الرقص الشرقي الحزام ليس دوما حلة تتباهى بها الراقصة بل هو ما يجعل من البطن مصدر الإيقاع". الرقص الذي أصوره لا علاقة له بالكاباريه ولا بنوع من التبرج السينمائي، بل إن محور موضوع الفيلم لا يخرج عن الحب للمرأة ، التي هي الأخت ، الأم، الزوجة، الرفيقة، المعلمة وهي النجمة الغائبة عن شاشاتنا. وعن السؤال الأعمق الذي أراد الوصول إليه من خلال هذه التجربة ، قال في حوار صحفي سابق له : " متى تتحول الحركة إلى رقص ومتى تبقى مجرد حركة؟ أي أين يبدأ الإيقاع والطرب في الجسد، وهل الرقص يحتاج دوما إلى الموسيقى أم أن الموسيقى نغم سري أساسه دقات القلب؟، اقول: بأن الفيلم حول الحياة والموت والرقص فيه ليس إلا طعما للجمهور، كما أنه يتناول الأنا وعلاقة الذات بالأنانية " . في مسيرته المهنية ، يبدو بن عمرة ، صاحب تبدلات كبيرة ، فهو كان رياضيا ، أحترف الكاراتيه في وطنه الجزائر . ثم درس الفلسفة ، وأخيرا السينما في باريس ، اتجه للعمل بالسينما ، حيث قدم أول فيلم له في الجزائر عام 1981 . ثم تتالت تجاربه السينمائية ، حتى أخرج ستة أفلام روائية بين القصيرة والطويلة . وصولا إلى فيلم حزام ، الذي غرد فيه بعيدا ، فقدم موضوع المرأة ، ومن ثم الرقص الشرقي ، بمفهوم مختلف وعميق







مواقع صديقة

 

آفاق سينمائية

مجلة إلكترونية أسبوعية