حدث ذات مرة في أمريكا ، منافس فيلم العراب الأهم


حدث ذات مرة في أمريكا ، منافس فيلم العراب الأهم

إنه الفيلم الذي ينافس فيلم العراب الشهير لفرانسيس فورد كوبولا ، الذي أنتج عام 1972، بهذا المفهوم تكرس عديد من قامات السينما في العالم فيلم حدث ذات مرة في أمريكا . الذي أخرجه سيرجيو ليوني عام 1984. استغرق العمل على هذا الفيلم ما يقارب الإثني عشرة عاما ، ولعب بطولته النجم العالمي روبرت دي نيرو . ليوني ، يعتبر أحد أهم مخرجي السينما في العالم وأمريكا تحديدا ، وهو الذي شكل ثنائية فنية مع الممثل والمخرج الشهير كلينت إيستوود ، في الثلاثية الشهيرة التي تتحدث عن عوالم الكاوبوي الأمريكي وهي ما عرفت بمسمى سينما الغرب الأمريكي . والأفلام هي ( من أجل حفنة من الدولارات ، الطيب والقبيح والشرير ، ثم حدث ذات مرة في الغرب ) . في هذا الفيلم ، يقدم المخرج ليوني ، تاريخا طويلا لجزء من مدينة نيويورك ، يبدأ من عشرينيات القرن العشرين ، وصولا لمرحلة الثمانينيات ، عبر رصد حياة مجموعة من الفتيان المشردين في شوارع عصابات نيويورك ، والذين يشكلون جماعية إجرامية سرعان ما تنخرط بالعمل الإجرامي في المدينة . مبينا مآلات حياتهم والتغيرات الجذرية التي وقعت عليها خلال ما يقارب الخمسين عاما . استحدث مهرجان كان السينمائي قسما جديدا سماه كلاسيكيات كان . يرمم فيها أحد أهم أفلام السينما في العالم ويقدمها للجمهور ، وقد رمم في دورة عام 2004 نسخة عن الفيلم بإشراف المخرج العالمي مارتن سكوسيزي . حاز الفيلم على 13 جائزة سينمائية عالمية و 7 ترشيحات . في جوائز الأوسكار والبافتا و اليابان و أكاديمية السينما الإيطالية . وغيرها .

يكتب ناقد عن الفيلم : " تبدأ قصته هذه من منتصفها عام 1933 عندما نلتقي نودلز الشاب لأول مرة في وكر لمدخني الحشيش في المسرح الصيني .. اللقاء الأول يبدو مثيراً للتساؤلات : ماالذي يجعل رجلاً يشارف الثلاثين من عمره تقريباً يحمل كل هذا القلق .. وكل هذا الخوف ؟ .. وماسبب هذا الإنهيار النفسي؟ .. وبدلاً من الإجابة يفضل ليوني الإنزلاق بنا إلى المستقبل لنقابل نودلز العجوز يعود إلى الحي الذي شهد أحلى لحظات حياته وأمرها قبل قرابة خمسين عاماً .. قبل أن يقفز بنا إلى الماضي البعيد ليقص علينا الحكاية كلها كما بدأت قبل نصف قرن ،، رحلتنا مع نودلز لا تقودنا مثلاً إلى والديه .. إلى رجال الحي .. إلى مشاكل الحي .. إلى الأزمات التي ولدت الانحراف لدى هؤلاء الصبية .. المهم لدينا هو أننا سنكون شاهدين على حياة خمسة صبية وجدوا الإنحراف طريقاً لحياتهم .. لا يصعب علينا لاحقاً – من خلال رنين هاتف متواصل تجعله سلسلة مونتاجية ذكية شلالاً من الذكريات القريبة – إدراك أن الرجل لا يختبيء من مطارديه فحسب .. بل هو يختبيء من حياته كلها .. من العفن الذي كان يعيش فيه .. ضائعاً بين الوضاعة والعدم ..

مع مرور الوقت يظهر ( ماكس ) .. الفتى القادم من برونكس .. ظهوره الأول في الحي وإن حمل وقعاً سيئاً لـ (نودلز) بسبب إنقاذه للثمل .. لكننا لا نستطيع تجاهل نظرات الإعجاب التي تملأ عيني ( نودلز ) الممتعض من تصرف ( ماكس ) الذكي .. ومع قراءة أكثر في جوانب شخصيتيهما نكتشف أن الشخصيتين لا تنتميان لبعضهما مطلقاً .. وهنا ربما يكمن سر الإنجذاب من اللقاء الأول .. ماكس في الواقع لم يكن يشبه نودلز في شيء لكنه في الحقيقة كان ( يكمله ) : جريء .. شجاع .. طموح للغاية .. يقف بتعقل إلى جوار أصدقاءه .. كما أنه ذكي ولا يغلب عاطفته .. هنا تندلع شرارة العلاقة التي ستستمر لقرابة خمسين عاماً .. محملة بلحظات النصر وخيبات الهزيمة وإختلاف الآراء وتناقض المصالح .. فكان قرارهما الإستقلال عن ( باغسي ) زعيم الحي نقطة تعكس إلى حد بعيد طبيعة العلاقة المتشكلة .. وإسلوب الإنسجام ( التكاملي ) في أعمالهما الإجرامية

بعد تعرفنا المبدئي على شخصيات ليوني الثلاث يبدأ الإنتقال التدريجي ( غير المحسوس ) من النصف الأول المليء بالعنف والدموية وأعمال الجريمة القذرة نحو النصف الثاني الذي ينسج فيه قصيدة حزينة للغاية عن صداقة مدمرة وحب ضائع .. وما يمنح هذا العمل فعلاً مذاق الملحمة لا يكمن فقط في مدته التي تقارب الساعات الأربع ولا يكمن فقط في العناية الفائقة التي أولاها ليوني للزمان والمكان وهو يجوب بنا قرابة نصف قرن من الأحداث .. بل تكمن أيضاً في قدرته على تجسيد الإنتقالات بين العصور .. الإنتقالات التي ترسم هنا من خلال الـ Flash-Back والـ Flash-Forward وكذلك عبر التخيلات والأحلام .. ليس هذا فحسب بل أنه يدغدغ أسماعنا مع كل مرحلة ننتقلها ومع كل جديد نصادفه في رحلتنا مع شخصياته .. ربما كان من الصعب تقديم سيرة كهذه مليئة بالغموض والتوتر على مدى ساعات أربع دون الوقوع في فخ الأحداث المفككة أو السيناريو التقليدي .. لكن مع إلغاء ليوني للتراتبية الزمنية في عمله هذا لم ينجح فقط في إعطائه الحيوية والديمومة اللتين تمنحانه المتعة الكافية أثناء إعادة مشاهدته .. بل نجح أيضاً في الحفاظ على ساعات من الأحداث المتوترة والإنتقالات المتوازية والغليان النفسي لشخصياته دون إحداث خلل في البنية العامة للعمل .. وما أنتجه في الواقع لم يكن مجرد ملحمة منلبث نشعر بالإرتياح بمجرد الفراغ منها .."







مواقع صديقة

 

آفاق سينمائية

مجلة إلكترونية أسبوعية