يمثل اسم المخرج السينمائي الإيطالي الكبير فريديكو فيليني حدثا مهما في تاريخ السينما الإيطالية والعالمية، للمكانة الرفيعة التي يمتلكها هذا المبدع والتي باتت أفكاره السينمائية نظريات علمية تدرس في معاهد وأكاديميات العلوم السينمائية. ولد فيليني عام 1920 في مدينة ريميني في ايطاليا، عاش حياة الفقر والعوز، شغف منذ الطفولة بالرسم وكان محبا لقراءة أدب الأطفال، فقرأ سلسلة نيمو الصغير التي كانت تعنى بأحلام الأطفال. هذه السلسلة كان لها دور كبير في حياة فيليني الإبداعية كما سيظهر ذلك لاحقا من خلال اهتمامه الكبير بالأحلام. عمل منذ الصغر، فساهم بأعمال فرقة سيرك جوال في منطقته، وتعرف هناك على عالم المهرجين، ثم رحل إلى روما وهو في سن السابعة عشرة، وعمل هناك في الصحافة ورسم الكاريكاتير. بعد عدة سنوات وتحديدا في عام 1940 طلب منه سينمائي كبير كتابة سيناريو فيلم، وكان أول عمل له في المجال السينمائي. في العام 1945 كتب مجددا فيلم /مدينة مفتوحة/ وكان من أهم أعمال الواقعية الإيطالية التي لم يهتم فيليني يوما أن يكون من تيارها. كان لفيليني وجهة نظر خاصة به ومتفردة في صناعة أفلامه، خاصة على المستوى الفكري ، ففي زمن ظهرت في بلده ظاهرة سينما الواقعية الجديدة، التي كانت تتحدث عن الإنسان بكونه مضهدا وفقيرا ومحطما سياسيا واقتصاديا، بعد الحرب العالمية الثانية، فإن فيليني لم يشأ أن يساير هذا النمط فظل يعمل على منحى آخر، فهو لايهتم بمعالجة موضوعات عريضة تهم شريحة إنسانية كبرى، بقدر ما يهتم بنموذج إنساني محدد، يدخل في عوالمه الداخلية باحثا عن أحلامه وهواجسه وآلامه، فيبرز هذه المتضادات والصراعات، بما تصنعه هذه الشخصيات من أفعال وردود أفعال. ففي فيلم (الطريق) يعالج موضوع المهرج العصابي النكد، بتحولات مسار حياته وتداعياتها، في فيلم (المحتالون) يرصد حياة مجموعة من المحتالين القرويين مبرزا لأدق تفاصيل حياتهم. كذلك في فيلمه الأشهر (8.5) الذي يتصدى لموضوعة مهمة يتعرض لها الكثير من المبدعين وهي الخواء الإبداعي. فالفيلم يحكي عن مخرج سينمائي مهم لم يعد يمتلك فكرة ليعمل على إخراجها في الوقت الذي ينتظر الجميع منه عملا جديدا. هذا الأمر جعله سابحا ضد التيار، فكان يكتب أفلامه عن سير ذاتية تمثل المجال القريب المحيط به. لذلك اتهمه كثير من نقاد تلك المرحلة بأن أفلامه ليست ذاتية بل شديدة الشخصية بحيث صارت في منتهى الغموض. وعلى هذا كان يرد (تعرضت للنقد لأنني لا أصنع أفلاما إلا إرضاء لنفسي، ولكن الأمر أن هذه الطريقة هي الوحيدة التي أعرفها في العمل) . كان فيليني أول من أطلق بسببه مصطلح سينما المؤلف، بعدأن أطلقها عليه الناقد الفرنسي أندريه بازان عام 1960 بعد فيلم ليالي كابيريا. أخرج فيليني في عام 1950 فيلم أضواء فاريتي والشبح الأبيض و الحب في المدينة عام 52 أما فيلم لذة الحياة ففي عام 56، في عام 1960 بدأت المرحلة الأكثر أهمية في حياة فيليني فأخرج فيها أفلاما مهمة. جولييت والأشباح عام 1965 روما فيليني 1972 وفي عام 1990 أخرج آخر أفلامه أضواء القمر. أثار فيلم الحياة حلوة عليه الكثير من المتاعب، خاصة من قبل المؤسسة الدينية في إيطاليا، واصطدم مع الفاتيكان بسبب الفيلم، وهو الذي قالت بسببه صحفية في الفاتيكان (لنصل من أجل خلاص روح فريدريكو فليني الخاطئة). كان مولعا بالأحلام، فبدأ منذ العام 1960 بكتابة أحلامه، وظل مدة ثلاثين عاما يجمعها في كتاب إلى أن صدر في كتاب خاص من تأليفه باسم /كتاب الأحلام/ وقد شارك هذا الكتاب في الكثير من المعارض المختصة التي كرمته. قال فيليني في الأحلام: (الحديث عن الأحلام هو أشبه بالكلام عن الأفلام، لأن السينما تستخدم لغة الأحلام، إنها لغة مؤلفة من صور وفي السينما الحقيقية لكل شيء معنى كما في الحلم). قال عنه الأديب العالمي ألبرتو مورافيا: (إنه يصور أحلامه) . رشحت أفلامه اثنتي عشرة مرة للأوسكار، ونالت أفلامه الكثير من الجوائز، وهو صاحب إنجاز متفرد في الأوسكار حيث نال جائزة أفضل فيلم أجنبي فيها أربع مرات. نشرت إحدى المجلات البريطانية المتخصصة استبيانا للرأي في عام 1992 كان فيه برأي معظم مخرجي العالم صاحب المرتبة الأولى على صعيد العالم، وكذلك ذهب النقاد إلى نفس الرأي نفسه. كرمته أكاديمية السينما في ايطاليا عام 1993 وبعدها بعدة أشهر توفي فيليني بعد مسيرة فنية غنية وحافلة كرسته كأحد عمالقة الفن في تاريخ السينما.