Victoria... عاقبة الاستسلام الكامل لإغراء اللقطة الطويلة


Victoria... عاقبة الاستسلام الكامل لإغراء اللقطة الطويلة

  محمود راضي . عن موقع السينما .

لم اقرأ حتى الآن مقالة نقدية واحدة عن فيلم Victoria الذي عرض ضمن برنامج بانوراما الفيلم الأوروبي، لكنني استطيع الرهان دون الرجوع إليها أن 90 بالمائة على الأقل من النقاد الذين كتبوا عن الفيلم خلال عرضه في مهرجان برلين وبعده قد أشادوا بالفيلم لسبب واحد ووحيد أيضًا: أن الفيلم بأكمله مصور في لقطة واحدة طويلة Long Take لمدة زمنية بلغت 134 دقيقة ليحقق بذلك رقم قياسي جديد يتفوق على لقطة التسع وتسعون دقيقة التي قدمها الروسي ألكسندر سوخروف في فيلمه الشهير Russian Ark. حسنًا، دعونا نعترف أن فكرة اللقطة الطويلة تحمل الكثير من الإغراء لجميع صناع الأفلام في العالم، وكلما ازدادت صعوبة اللقطة وعناصرها، كلما كانت أكثر إغراء وإثارة للتحدي وامتحانًا صعبًا لكل قدرات المخرج، وخلال مشاهدة الفيلم كنت أفكر كثيرًا في عشرات اللقطات الطويلة الصعبة على مدار تاريخ السينما: مشهد القتال بالأيدي في Oldboy، مشهد الهجوم على السيارة في Children Of Men، مشهد حانة المثليين في Irréversible، لكن في الوقت ذاته لا يجب أن يتحول الأمر في حد ذاته إلى غاية، وإنما أن تكون وسيلة في يد المخرج لكي يخدم بها فيلمه. وهذا بالضبط ما يضعنا أمام المعضلة الكبرى التي وقع بها المخرج الألماني سيباستيان شيبر خلال تفكيره في صنع الفيلم: إن شيبر أراد أن يكون همه الأكبر والأوحد أن يستعرض قدراته كمخرج، وأعتقد أن أول ما جال في تفكيره هو "لنصنع فيلمًا مكونًا من لقطة واحدة، ولتكن اللقطة أطول من أية لقطة طويلة نعرفها في تاريخ السينما على الإطلاق حتى مما حققها سوخروف، وكلما ازدادت صعوبة اللقطة وكثرة أماكن التصوير كلما سيعضد ذلك من وضعي أمام رفقائي السينمائيين، وسيصفق لي كل من القاعة، وسينهال التقريظ الحماسي علي من كل مكان". الرجل ببساطة وضع كل رهان الفيلم فقط، وربما يكون قد استدان أيضًا، على خانة التقديم باللقطة الطويلة فقط، وفي الغالب أنه قد راوده الظن بأن هذا الرهان منفردًا مع إهمال بقية عناصر الفيلم يكفي جدًا لكي يكون الفيلم مبهرًا، وأنه يستطيع خداع النقاد والمشاهدين بمنجزه السينمائي، وقد تكون هناك بعض الجوانب التي تستحق الامتداح حقًا، لكن هل يكفي فقط هذا الرهان لكي ندلل على عظمة منجزه السينمائي؟ لا وألف لا بالطبع. الدليل الأكبر على هشاشة بقية العناصر الفنية في الفيلم كان السيناريو بالطبع، طوال الساعتين والنصف كان سباستيان شبير يدفع بمنعطفات الأحداث يمنة ويسرى ليس لكي يطور الدراما على نحو طبيعي، بل لكي تطول اللقطة أكثر وأكثر على قدر المستطاع، ولو كان يريد أن يدفعها لتتجاوز حاجز الثلاث ساعات لفعلها، إلا أن مخزونه من الأحداث التي أراد أن يضيفها ربما يكون قد نفذ تمامًا من مخيلته الدرامية الفقيرة. أما مصيبة الفيلم الكبرى، وخاصة في نصه السينمائي هي فيكتوريا نفسها، شخصية الفيلم الرئيسية التي يقوم عليها أغلب العبء الدرامي، لماذا تم رسمها دراميًا بهذه السطحية وعدم الدراسة المدققة لها، لماذا فعلت كل ما فعلته مع عصبة الشباب الذين صادفتهم خارج الملهى الليلي الذي كانت تقضي ليلتها به؟ لماذا وافقت بكل هذه السهولة على مرافقتهم في عملية السطو المسلح التي قاموا بها، ولماذا أصرت بكل هذا الحماس غير المفهوم على المواصلة معهم حتى النهاية رغم أنها لم تصادفهم سوى منذ وقت قليل جدًا، والأهم من كل هذا، لماذا قررت فجأة أن تخاطر بوظيفتها بهذه البساطة خاصة أن وضعها في ألمانيا يبدو غير مقنن بسبب عدم امتلاكها لجواز سفر؟ كلها أسئلة ملحة يختار الفيلم ببساطة أن يقفز عليها ويتخطاها، ولو حتى أخذنا بمبدأ الارتكاز على الأحداث وليس الشخصيات، فسوف يكون ذلك مجرد عذر أقبح من ذنب، وليس بمبرر أن تكون شخصية فيكتوريا بكل هذه السطحية والخواء الدرامي. قد يغدو الفيلم بالنسبة للكثيرين فتحًا سينمائيًا وغير مسبوقًا على صعيد تصوير اللقطات الطويلة، مأخوذين في ذلك بالإغراء التقني له، لكن صدقوني فيما سأقوله، سرعان ما سينساه الغالبية العظمى من المتابعين، وسيكتشفوا أن ما فعله الفيلم ليس بكل هذا الإغراء الذي يبدو عليه، وإن العبرة في النهاية ليس بالمقدرة على استعراض العضلات، وإنما فيما ستفعله بالعضلات التي تملكها. هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه فقط

 






مواقع صديقة

 

آفاق سينمائية

مجلة إلكترونية أسبوعية