Star Wars.. ماراثون إعادة المشاهدة مع الثلاثية الثانية (3)


Star Wars.. ماراثون إعادة المشاهدة مع الثلاثية الثانية (3)

موقع : السينما . كتبه: محمود راضي

بعد استراحة طويلة قام بها الكاتب والمخرج جورج لوكاس من Star Wars بعد عرض آخر أجزاء الثلاثية الأولى Return Of The Jedi في عام 1983، قرر لوكاس في منتصف التسعينات أن يعود مجددًا لعالمه السينمائي الأثير، لكن الأجزاء الجديدة لم تكن بأحداث لاحقة Sequals تلي أحداث الثلاثية الأولى، ولكنها جاءت بأحداث سابقة عليها Prequels بعد أن استشعر بأنه هناك المزيد مما يمكن سرده عن تلك الفترة، وهذه المرة بميزانية ضخمة تتيح له تنفيذ كل ما يحلم برؤيته على الشاشة.

ومثلما تناولنا الثلاثية الأولى بالعرض النقدي ، يأتي الدور الآن على الثلاثية الثانية التي بدأت أول أفلامها في عام 1999 لنحللها نقديًا بالمثل.

Star Wars: Episode I - The Phantom Menace/1999

حتى بعد مشاهدته مجددًا ضمن الماراثون، لا يزال هذا الجزء بالنسبة لي هو الأسوأ على الإطلاق بين سائر أفلام السلسلة منذ بدايتها.

تخيل معي - عزيزي القاريء - أنك قد شرعت للتو في قراءة كتاب جديد، وقرأت المقدمة وأنهيتها ثم استغرقت في متن الكتاب نفسه ثم فجأة يفاجئك مؤلف الكتاب في المنتصف بمقدمة آخرى لا داعي لها بما أنك عرفت سلفًا كل ما تحتاج لمعرفته عن الكتاب من المقدمة الأولى، ألن يكون ذلك شيئًا مزعجًا وبغيضًا؟

مشكلتي مع هذا الجزء بالذات ليست في عودته للوراء لسنوات طوال قبل أحداث A New Hope، وإنما في محاولة لوكاس لإعادة التعريف بالكثير من تفاصيل عالمه مرة أخرى بالرغم من كون الكثيرين من مشاهدي هذا الجزء قد شاهدوا بالفعل الثلاثية الأولى ولديهم فكرة كافية بالفعل عن عالم Star Wars فهم في غنى عن إعادة التعريف تلك، وحتى لو فرضنا أنه فعل ذلك لاجتذاب مشاهدين جدد، فإنه قد يكون جاذبًا بالفعل بما يعرضه من مؤثرات بصرية، لكن القصة لم تكن على نفس المستوى.

كما أن الفيلم مُمل للغاية، بل ربما يكون هو وجزءه التالي هما الفيلمان الأكثر إثارة للملل في السلسلة بأسرها، هناك مساحات هائلة من الوقت يتم إهدارها واستنزافها في أحداث جانبية بلا طائل، والتي يملأها باستعراضه للمؤثرات البصرية - مثل تتابع السباق - ولا أعرف الحقيقة كيف استطعت الصمود في مشاهداتي المتكررة لهذا الجزء بعد الساعة الأولى منه.

الطريقة التي تعامل بها لوكاس مع مؤثراته البصرية في هذا الفيلم كانت تشعرني بأني أمام طفل يلهو بلعبته، لم أجد هذا النضوج الذي لمسته منه في التعامل مع المؤثرات البصرية في الثلاثية الأولى حتى مع الميزانية الضئيلة التي خُصصت لـA New Hope، فهنا الأمر يتحول إلى غاية مطلوبة لذاتها، وربما تكون رغبته في إثبات أنه لا يزال قادرًا على إبهار المشاهدين قد دفعته للعودة إلى الجلوس على كرسي المخرج مجددًا بعد 22 عامًا كاملة من الانقطاع عن إخراج اﻷفلام منذ عام 1977.

لم تأت كل اختيارات الممثلين أيضًا على نفس الدرجة من التوفيق، وعلى الرغم من حسن اختيار ناتالي بورتمان لما تتمتع به من جمال هاديء وبسيط مثل كاري فيشر التي جسدت شخصية "ليا" في الثلاثية اﻷولى، والتوفيق في اختيار جيك لويد في شخصية "أناكين سكايواكر" الطفل، إلا أن اختيار إيوان ماكجريجور لكي يؤدي شخصية "أوبي وان كانوبي" كان غير مريح من وجهة نظري على اﻷقل، خاصة مع مقارنته بأداء أليك جينيس لنفس الشخصية.

ومع تضاءل المساحة المتاحة لكل من R2D2 وC-3PO في الفيلم، كانت شخصية جار جار بينكس التي تحملت مسئولية التخفيف الكوميدي في هذا الفيلم هي أسخف شخصية عرفتها السلسلة في كل أجزائها، فصوته مزعج للغاية وكان ثقيل الظل بشكل لا يحتمل وكل مواقفه مليئة باستظراف ممجوج.

Star Wars: Episode II - Attack Of The Clones/2002

هذا الجزء كان في حاجة ماسة لخيار من الاثنين التاليين: إما أن يعيد كتابة السيناريو مرة أخرى، وإما أن يعيد توليفه في غرفة المونتاج مرة أخرى.

صحيح أن هذا الجزء قد بدأ بداية مثيرة وخاطفة مع محاولة اغتيال بادمي (ناتالي بورتمان) ومطاردة أناكين سكايواكر وأوبي وان كانوبي (هايدن كريستنسن وإيوان ماكجريجور) لمن حاولت قتلها، إلا أن الفيلم لاحقًا ما يفقد إيقاعه المشدود الذي حكمه في البداية، خاصة بعد تفرق الخطوط الدرامية للفيلم كل على حدة بعد واقعة المطاردة.

وتبرز نفس المشكلة التي ظهرت في الفيلم اﻷول من جديد، وهى ظهور المساحات الهائلة المهدرة التي تسببت في ترهل السيناريو بسبب توظيفها الخاطيء وتشرذمها الشديد، ولو كان استمر الفيلم على نفس وتيرة بدايته القوية لكان قد غدى واحد من أفضل أفلام السلسلة.

من أكثر الخطوط التي لم ترق لي على اﻹطلاق في الفيلم هو خط قيام اناكين سكايواكر بزيارة والدته في موطنه اﻷصلى مع حبيبته بادمي، حيث يتصادف وصوله إلى هناك مع معرفته بوقوع والدته ضحية اختطاف وعجز زوجها والجميع عن الوصول إليها، بينما ينجح أناكين في الوصول إليها بسرعة، وتظل اﻷم صامدة كل ذلك الوقت حتى وصوله إليها ﻹنقاذها، ثم ببساطة تموت بين ذراعيه بعد وصوله مباشرة! النص يدور بشكل حلزوني على حدث كان يمكن ببساطة الاستغناء عنه، ووجوده في السيناريو كان لمجرد إظهار عقدة اناكين برغبته في إظهار تميزه بين فرسان الجيداي فقط.

كما أن طريقة تشكل العلاقة العاطفية بين أناكين سكايواكر وبادمي منذ البداية غير مشحون بالعواطف بما يكفي لكي نصدق ما يحدث بينهما خاصة مع وجود فاصل زمني شاسع بين لقائهما في الجزء الأول ولقائهما مجددًا في الجزء الثاني، وكان الأمر يحتاج إلى ما هو أكبر من مجرد حوار تقليدي وتفاصيل رومانسية عادية، إذا قارنت هذه العلاقة بعلاقة هان سولو وليا ستدرك الفرق حتمًا بين طريقة تطور العلاقتين.

باﻹضافة إلى الربع ساعة اﻷولى، أحببت تتابعات المعركة الختامية على مستوى تنفيذها خاصة في بدايتها المبكرة، كما شعرت براحة كبيرة مع تقليص مساحة جار جار بينكس في هذا الجزء، والذي لم أكن لاستطيع تحمل ثقل ظله طوال الساعتين والثلث مدة عرض الفيلم.

Star Wars: Episode III - Revenge Of The Sith/2002

بعد جزئين سيئين ومخيبين للآمال على كافة اﻷصعدة، يأتي أخيرًا ما اعتبره ليس فقط الفيلم اﻷفضل في الثلاثية الثانية، بل من أفضل أفلام السلسلة مع A New Hope وThe Empire Strikes Back.

على الرغم من طول الفيلم (ساعتين وثلث الساعة)، إلا أن إيقاعه كان مثاليًا، فالفيلم لا يهدر دقيقة واحدة من وقته سدى على منعطفات درامية لا طائل منها مثلما فعل جورج لوكاس في الجزئين السابقين، وقصته تتطور بشكل بالغ السلاسة.

لا شك أن شخصية أناكين سكايواكر هذه المرة هى قلب الفيلم النابض، ولم لا وكان جميع متابعو السلسلة ينتظرون هذا الجزء لكي يعرفوا الكيفية التي تحول بها فارس الجيداي الواعد إلى الجانب المظلم من القوة ليصير هو "دارث فادر" ذو الطلة المهيبة وصوت التنفس الثقيل الذي عايشناه طوال الثلاثية الأولى وكنا نتخيله صخرة لا تتفتت حتى رأينا معدنه اﻷصلى الذي توارى وراء ركام ضخم في خاتمة Return Of The Jedi.

هناك فكرتان كانتا تحركان أناكين سكايواكر باستمرار وتشغلان عقله: 1- أن يثبت لمجلس الجيداي ولمعلمه أوبي وان كانوبي قدراته الفائقة، خاصة مع السياسة التي يتبعها أعضاء المجلس بسبب تفاخره الشديد وتهوره، 2- أن يحمي من يحب من الموت، فبعد أن فشل في حماية والدته من الموت، لم يبق له في الحياة من يخاف عليه أكثر من زوجته الحبلي.

يعمل السيناريو بشكل ممتاز على كل المقدمات التي دفعت بأناكين إلى الركون للجانب المظلم من القوة واختياره الطوعي بأن يكون تلميذًا لدى الكونت سيديوس في تأثر واضح بحكاية فاوست الشهيرة الذي وهب روحه للشيطان، وهو القرار الذي جاء بعد طول تردد نظرًا لاعترافه الداخلي بجميل الجيداي عليه، واستنكاره في الوقت ذاته لعدم تقديرهم لقدراته حتى بعد دخوله مجلس الجيداي، أناكين يحاول أن يعطي لنفسه ولو مبرر واحد يحاول به أن يحسم هذا القرار الصعب على نفسه، وهو ما يحققه بعد صراع الكونت مع مايس واندو، فأناكين يعرف جيدًا من معه الحق فيهم، لكنه اختار أن يكذب على نفسه لكي يستطيع ابتلاع تبعات القرار.

لوكاس يتعامل مع ثنائية الخير/الشر هذه المرة على نحو أكثر نضوجًا وأكثر تماهيًا بينهما وأكثر تعقيدًا، فعلى الرغم من كل الجرائم التي ارتكبها أناكين بعد مشاركته في قتل مايس واندو، إلا أنه يرتكبها فقط ﻷنها في منظوره تقربه من حيازة القوة التي ظل يحلم بها لكي يثبت تفوقه ويحمي زوجته في آن واحد، أي انه يرتكب الشر بنية الخير القادم، وهو ما يجعلنا سبب صرخته المدوية في النهاية بعد أن خسر كل شيء: احتراق جسده بالكامل، موت زوجته التي حاول حمايتها، دخوله في معركة طاحنة مع معلمه، استمراره مع سيديوس رغم مخالفة ذلك لطبيعته الخيرة التي اختار أن يدفنها مع أناكين الذي انتهى ليصير دارث فادر فقط الذي يحيا معه كل ما هو خبيث وفاسد وشرير.

هذا الجزء هو أكثر أفلام السلسلة سوادوية على اﻹطلاق، والفيلم الوحيد الذي لا يحمل نهاية سعيدة معه، وهى سوادوية تتوافق تمامًا مع التحول الدرامي المهول والمدروس والعميق الذي يمر به أناكين سكايواكر في رحلته بين الجيداي والسيث، وبين الخير والشر، لكنه في المقابل هو أكثرها امتاعًا ونجاحًا في وضعه النقاط فوق الحروف خاصة مع تمهيده الأنيق في ختامه ﻷحداث الثلاثية الأولى







مواقع صديقة

 

آفاق سينمائية

مجلة إلكترونية أسبوعية