من السنوات الماوية حتى أعوام الثمانينيات (الجزء الثاني) ترجمة: عبد الله عويشق منشورات وزارة الثقافة – المؤسسة العامة للسينما (127) تنطلق أفلام أيار من وجهة نظر أخرى غير التي تنطلق منها الأفلام التجارية. فهي جزء من العمل السياسي الذي يمارسه الفرد. ورؤية هذه الأفلام ليست مشهداً للناظر إليها، فلا يمكن بالتالي الحكم عليها بصفتها مشهداً، على الرغم من أن أفلام أيار تلك يجب أن تكون على النحو الأفضل. إلا أن ذلك الأفضل مازال مجهولاً، إنما سينكشف تدريجياً وباطراد. كان ثمة عمل إعلامي لابد من القيام به، وهو: عرض صور وإسماع كلام لم يجر عرضها وإسماعها. وعمل ذلك هو جزء من نشاط مقاومة في وجه الإعلام الديغولي. يظل أمراً صعباً عمل أفلام بعد ستة أشهر أو تسعة أشهر عقب أيار. وراهناً، لم يفعل إلا أفلاماً عن أيار نفسه. وهي مثيرة للاهتمام مثل الاهتمام الذي يثيره، بعد انقضاء عشر سنوات، فيلم عن كاسترو في سييرا ما بيسترا. السينما – مناشير، هي فكرة كريس ماركر. شريط التسجيل التليفزيوني وكل هذه الأفلام الصغيرة، كان ذلك وسيلة زهيدة الكلفة لعمل سينما سياسية بالنسبة لشعبة في مشروع ومهمة أو لإحدى لجان النشاط، طالما أن ثمن الشريط هو خمسون فرنكاً لا أكثر لكامل الكلفة. وبخاصة أن الأهمية تكمن في عرض الفيلم بأكثر مما في إنتاجه. ثمة أهمية محلية متمثلة في العمل معاً والمناقشة. يحدث ذلك تطوراً إلى أمام، ثم أن عرض الفيلم يمكن أن يجري في الشقق السكنية و الاجتماعات. ويمكن مبادلتها مع أفلام أخرى هي عند لجان نشاط مجاورة. يتيح الأمر مراجعة وإعادة التفكير في أمر السينما على مستوى بسيط جداً وملموس مباشرة. إن هذا الإنتاج يمكن أن يدفع من يعملون أفلام سينما لأن يفهموا بأن عليهم العمل مع الناس الذين لا يعملون أفلام سينما، وبما أن عمل فيلم هو في غاية البساطة، فإن الناس الذين لا يعملون أفلاماً يفهمون من ذلك أن مشاكل السينما هي في الواقع بسيطة، وأنها ليست معقدة إلا لأن الوضع السياسي يعقدها. يجب عمل الأفلام بواسطة جماعة غير فكرة سياسية. وعلى غرار الدروس وما يجري من إعادة كتابتها بمشاركة الطلاب في المرحلة الثانوية، فأنا أعتقد أنه يجب عمل الأفلام بالتشارك مع الذين يشاهدونها. كان أحد الرسامين يقول لي أن الفن الشعبي ليس ذلك الذي في متحف ال: اللوفر، وحتى ليس: بارك، بل هو رسامو يوم الأحد، يتعين الصدور من رسامي يوم الأحد، أولئك الذي ينتجو رسماً شعبياً بخس القيمة، إنما يجب الانطلاق مجدداً من هناك. هذا عمل سياسي، يتعين الانطلاق من ألوف خلايا السينمائيين الهواة، وإقامة الارتباط بينهم وبين لجان النشاط. اليوم، الفرصة متوفرة لنا في الحصول على صور بشكل أسهل، وأقل تكلفة مما من قبل، وذلك أن الرأسمالية، وبقصد ربح المزيد أيضاً من المال، احتاجت لأن تخترع سينما الهواة، فالمحترفون ما عادوا يحققون لهم القدر الكافي من المال. لكن يسود تردد أيضاً إزاء الأمر لأنهم على وعي من أنهم أذا ما صنعوا مثلاً آلة تصوير صغيرة جداً، فإن ذلك الشخص الذي يعمل في موقع من سلسلة الإنتاج يمكنه في هذه الحال أن يصور لقطة عن عمله وأن يعرضها مساء عنده في البيت. والبرهان على ذلك أن الهواة لا حق لهم أنهم بآلات تصور بالأبيض والأسود. والآلات التي تصور أفلاماً قياس 8 مم هي جميعها، وحصراً، بالألوان. لأن من يقول: أبيض وأسود، إنما يقول: فيلم أكثر حساسية، وبالتالي القدرة على القيام بالتصوير في منزل المرء. في حين أن كل ما بالمستطاع تصويره بالألوان إنما يتوفر عندما يكونون عند شاطئ البحر في يوم مشمس. غير أن المحترفين من ناحيتهم، والذين هم على تواطؤ مع الدولة وتراقبهم الدولة، يملك هؤلاء الحق في الذهاب إلى أنفاق القطارات مزودين بأذون التصوير سارية المفعول. إن ال: ميني – كاسيت، قد يمكن أنها لا تكلف كثيراً، فهي تباع ب" 20000 فرنك، وإن كانت مزودة بتسجيل للصوت، ب: 46000 فرنك. في حين أن شخصاً يكسب ثمانين ألف فرنك، سيواجه عسراً إزاء ذلك. وهنا دعاة التعديلية يتفقون مع الإمبريالية في الحيلولة دون ممارسة الإعلام صادراً من عند القاعدة الشعبية. من أجل عمل فيلم يكون من الناحية السياسية صائباً، ينبغي الارتباط مع الأشخاص الذين نرى فيهم أنهم يتمتعون سياسياً بالموقف الصائب. والمقصود: أولئك الذين يعانون الاضطهاد، ويخضعون للضغط، ويكافحون هذا القمع، فيضع المرء نفسه في خدمتهم. التعلم منهم وتعليمهم في الوقت ذاته. والتخلي عن عمل أفلام. التخلي عن مفهوم المؤلف طبقاً لما كان هذا المفهوم عليه، فالخيانة إنما نراها هذا بالضبط والتحريضية كاملة وبالمعنى الأصلي لها، إن مفهوم المؤلف فيها، أي السينمائي: "أنا، أريد أن أكون رب العمل لأنني الشاعر ولأنني أعرف"، الأمر عندئذ رجعي كلياً، في الجنة الاشتراكية، ذلك المرء الذي يريد أن يصبح سينمائياً، لن يبلغ ذلك بالضرورة. سيصبح سينمائياً إذا كان الأمر في صالح الجميع، أنا قد لا يعنيني ذلك في شيء. المشكلة الحقيقية التي طرحها منع مسرحية غاتي Gatti هو أن المشاكل الثقافية، بالضبط كما في آفينيون، لا تثير الاهتمام إذا ما انغلق الناس على ثقافتهم. والعمل الوحيد الي وجب القيام به لصالح غاتي كان القيام بإضرار نشط ووقف العروض. لكن لم يفعل لا سارتر ولا مرغريت دوراس ذلك ولم يفكرا، حتى في حينها، أن تلك كانت الوسيلة الوحيدة لفعل شيء ما. وقف المسرحية، وعقد اجتماعات في كل مساء. وبما أن العمال كانوا يقولون أنهم لا يريدون إعلان إضراب، لأنه لا يحدث أبداً أن يستشيرهم أحد عند اختيار إحدى المسرحيات، فإنه يمكن أن يقال ل: ويلسون: " ولماذا لا تستشيرهم قط"، وفي الشهر التالي سيقع على ويلسون أن يشغل المنصة ويتولى عمل كل ما كان ينفذه العمال، بينما عمال المسرح الوطني الشعبي يختارون هم المسرحية ويقدمونها. وسيقع على تيرزييف أن تولى وظيفة أمين السر. تبدأ التجربة على هذا النحو، وعندئذ سيرى عمال تركيب المناظر وبقية مستلزمات العرض أنه ليس من السهل اختيار مسرحية وتقديمها. يجري التقدم على هذا النحو. وإذا كان هناك من يريد عمل ذلك الأمر ممكن. ولن يتعرضوا لطردهم من العمل. إذ إن لهم وضعاً قانونياً يحميهم. وبقيام ويلسون بذلك، فإنه يخاطر بأقل من الخطر الذي يتعرض له عامل في مصانع سيتروين يضرب عن العمل، ألا أنهم لا يريدون تغيير طريقتهم، ولا مناهج عيشهم. يفضلون أن يذهبوا لتوسل رب عمل كي يمنحهم مالا من أجل أن يعملوا تحفتهم إياها. ردود فعلهم هي ردود فعل موظفين. ليس العلم حيادياً، والسينما كذلك، والأعمال الناتجة إنما هي لحظة من الإنتاج، والسيارة هي لحظة من سلسلة الإنتاج. إن الفيلم هو لحظة من سلسلة العمل الإنتاجي الفكري، فلتتخلص من هذه السلاسل، ولنستول على الإنتاج بغية أن نجعل لحظات الإنتاج هذه لحظة من الإنتاج الذي استولينا عليه. يمكن للسينما، باستخدامها بطريقة علمية أن تكون سلاحاً، ولكن السينما ليست وحدها في ذلك. هنالك التليفزيون، وأشياء أخرى كثيرة. هنالك وسائل وأساليب من السينمائيين الذين تعرضوا لتنغيص حياتهم من زملائهم ويحاولون أن يجبروا لحسابهم سينما الهواة، هنالك إذن أشياء كثيرة، وعلى أطوار مختلفة. إذا حدث على سبيل المثال في إحدى خلايا المشروع الإنتاجي أن كان لدى العمال جهاز تصوير فيديو، فإن المندوب النقابي حين يذهب ليناقش رب العمل سيتمكن من تصويره نفسه، وفي المساء سيتمكن الناس من رؤية المناقشة التي كانت له مع رب العمل. غير أنه لا يوجد الكثيرون ممن يقبلون ذلك. عندما سيغي ليتناقش مع شومان، فهو يأبى أن يجري تصويره في فيلم، لأنه لا يريد أن يعرف العامل المهاجر ما قاله سيغي لشومان بواسطة شريط الفيديو، يستطيع الناس تلقي الإعلام من المصدر. اليسار الحقيقي ليس وفيرا في أوروبا. اليسار الحقيقي مؤلف من جميع المضطهدين: ال: sds في إلمانيا، والزمر الصغيرة هنا، أما الآخرون فهم "مؤلفون" وحتى ال psu الحزب الاشتراكي المتحد، فإن لديهم مفهوم المؤلف، للدروس واجبة الإعطاء أنه لا مجال للعمل على الأمر مع الآخرين، وأنهم يعرفون كل شيء. اليسار الحقيقي، إنه ذلك الذي يحاول أن يكف عن أن يكون "مؤلفاً". الفكرة المكرورة المتفق عليها إنما هي المرض الأوسع انتشاراً، وتلك بنية براجوازية. من المهم إمعان النظر في الأمر وتأمله بغرض تجاوزه.
فهرس - بيان... - النضال على جبهتين... - ساعتان مع جان – لوك غودار... - أصوات إنكليزية أولى.... - برافدا... - غودار عند الفدائيين.... - جماعة دزيغا – فيرتوف.... - تحقيق حول صورة.... - في سبيل إصغاء للآخرين أفضل.... - لماذا: كل شيء على ما يرام.... - سنوات التليفزيون.... - رقم اثنان، فيلم مختلف.... - التفكير بالبيت بمعايير التفكير بمصنع... - عمل الأفلام الممكنة حيث يكون المرء.... - فرنسا دورة وانعطافة طفلين... - أن يحيا المرء ذاته وأن يرى نفسه.... - فرصة الرحيل مجدداً للقيام بدورة.... - ألفريد هيتشكوك مات....