مسرَّاتي كسينمائي

الإصدار: العدد مائة وثلاث و ثلاثون

مسرَّاتي كسينمائي

 

تأليف: مارتن سكروسيزي ترجمة: فجر يعقوب

منشورات وزارة الثقافة – المؤسسة العامة للسينما (124) اكتشفت السينما وأنا طفل، ولدت في عام 1942، وصادف أنني شاهدت أفلام الأربعينيات والخمسينيات مع أقاربي، وأعتقد أن أفلاماً مثل (صراع تحت الشمس) و (قوة الشر) ساعدت في بناء تصوراتي عن السينما، وإلى حد ما عن الحياة نفسها. وهكذا، فإن شباباً كانوا أكبر مني بقليل اكتشفوا السينما الأميركية على طريقتهم: غودار، تروفو، ريفيت، شابرول، نقاد المستقبل، لكن الغالبية العظمى لم تحظ بمشاهدته في زمن الاحتلال، واليوم يبدو صعباً هذا الهبوب الفيلمي الأمريكي، فإذا لم أخطئ، فإن (المواطن كين) عرض في باريس عام 1946، وهذا وقت متأخر نسبياً. وقد بدأ سينمائيو المستقبل من الموجه الجديدة بالكتابة عن السينما بغية التعرف عليها، وكانت هذه الكتابات بمثابة إشارات عن تمكنهم من هذه المهنة بوصفهم مخرجين بالدرجة الأولى، لأن الكتابات بحد ذاتها كان يرشح منها ذلك الإحساس الكبير بالارتعاشات التي اكتشفناها لاحقاً في أفلامهم، بالطبع أنا لم أقرأ مجلة "cagier du cinema" في ذلك الوقت، ولكن تأثيرها بدأ يتعاظم في الولايات المتحدة في وقت لاحق بواسطة أندرو ساريس، الذي تبنى "سياسة المؤلف" بصياغتها في "نظرية المؤلف"، وهو قد قام في الستينيات بنشر بعض أعداد هذه المجلة، ولكن الانفجار الحقيقي بدأ مع أفلام من طراز (400 ضربة) – 1959، و (حتى أخر نفس) و (جول وجيم) – 1961. وأنا شخصياً عندما كنت أتلقى دروساً في الإخراج السينمائي في ستينيات القرن الفائت، كانت أفلام الموجة الجديدة قد أصبحت من الظواهر غير العادية التي انتشرت في جميع أنحاء العالم، جون كاسافيتس وشرلي كلارك في أميركا. ناغيزا أوشيما وشوهي ايمامورا في اليابان. رواد السينما الإيطالية الكبار، وبعض مخرجي السينما الإنكليزية الشبان، معلمنا هايك مانوجيا لم ينس أن يكرر دوماً على مسامعنا وصفته الشهيرة: "صوروا ما تعرفونه". ما زلت أنحني أمام بيرتولوتشي، وأنا أفعل ذلك منذ أول فيلم له – (قبل الثورة)، وقد أخرجه عام 1964. ولطالما رغبت بعمل مثل هذا الفيلم. وهكذا، فقد صورت في عام 1969 فيلم (من يقرع بابي)، وهو لا يمكن أن يقارن بفيلم بيرتولوتشي بأي حال من الأحوال، فأنا دائماً قبلت بهذا المخرج بوصفه جزءاً من التراث الكبير للفن الإيطالي وقد فهمت في أكثر من مناسبة بأنني لن أنجح أبداً في أي مقارنة معه، ولا في الوصول إلى ما يقوم به هو، لأنه ينحدر من ثقافة أخرى، فأبوه شاعر، وهو نفسه كتب الشعر ونشر الكثير منه. بيرتولوتشي تربى على وعي سياسي لم أحصل عليه أنا في حالتي، ففي البيت الذي ترعرت فيه لم يكن هناك كتاب واحد. وفي عائلتي لم يتحدث أحد بالسياسة، ولم يكن معروفاً لنا فكر اليسار أو فكر اليمين، حتى أن أحداً لم يأخذ هذه الأفكار على محمل الجد. شيء من هذا القبيل لم يلهب طفولتي، والشيء الوحيد الذي عرفته: الاحترام... إشارات المرور... والدين، وهكذا، وجدت نفسي وحيداً وأنا أغذ الخطى في طريقي. بيرتولوتشي وكوبريك، مخرجان، يساعدانني بأفلامهما، ويجعلاني أتماسك، وأحياناً أشاهد أفلامهما من دون صوت، وأعيش في رعب، وأعرف أنني لن أصل أبداً إلى الشيء الذي يقومان به: الكادرات، اللقطات، حركة الكاميرا في (القرن العشرون) مع أنني أفضل (التانغو الأخير في باريس) و (المنتظم) و (استراتيجية العنكبوت). في (قبل الثورة) هناك شعر حقيقي في الحلول البصرية والموسيقا، والحوار رائع جداً، وأنا لا أمل أبداً من مشاهدة هذه الأفلام... كذلك هو الحال أيضاً بالنسبة لأفلام كوبريك. كنت في الثانية عشرة من عمري عندما شاهدت فيلم "dial m for murder" للمرة الأولى، فيلم رائع للمشاهدة، وقد أعجبني كثيراً في حالته هذه، مع أن أجواءه مسرحية للغاية، مشهد الإثارة من حول الزوج، وهل سيدفعونه باتجاه الحائط أم لا؟ وأكثر شيء لفت انتباهي هو استخدام اللون، والقصة. ولقد أدهشني روبرت كامينغر وري ميلاند، وإطلاقاً لم أكن مقتنعاً بأن غريس كيلي ممثلة كبيرة، فقد كنت أفضل بربارة ستانويك، ولم أفهم هوس هيتشكوك بالشقراوات وعيونهن الزرق أعترف بأنني أعجبت كثيراً بغريس كيلي في (نافذة على القصر) يسحرني الأن نفس الطريقة... انظروا إلى هيتشكوك وكيف يبدل الزاوية عندما يوضح ري ميلان للقاتل الطريقة التي يريد فيها قتل زوجته؟ ودققوا بالتفاصيل في الكادرات التي تمور بالحوارات، واللحظة التي يقرر فيها تبديل هذه التفاصيل وجعلها دقيقة للغاية، وهو لا يستعمل لقطة تفصيلية على كامل الشاشة بشكل فجائي، فهو بالكاد يقوم بتحريك الكاميرا، وهذا الشيء ينطبق أيضاً على الجزء الأول من (الطيور) الذي يظل بحسب قناعتي أكثر تماسكاً من الجزء الثاني، (شيميت) و (الطيور) من بين أفلام هيتشكوك التي أشاهدها باستمرار مع الصوت أو من دونه، وبالنسبة لي فإنها تظل مثل الموسيقا، تماماً كما هي أفلام بيرتولوتشي وكوبريك. (باري ليندون)، (لوليتا)، ومن دون أن أنسى بالطبع (2001- أوذيسة الفضاء). لقد تعلمت كثيراً من تكرار مشاهدة (dial m for muder) الذي ترك أثراً كبيراً على (كازينو)، وخاصة في مشاهد ل. ك جونسن وهو يسأل زوجته: ماذا تناولت على الغذاء؟ - سلطة – أوووو سلطة؟! وماذا تناولت جينفر؟ أريدك أن تتصلي بها، وأنا سأسترق السمع على السماعة الثانية؟ ويسود صمت قاتل. الكاميرا لا تتحرك، لأنه ما من معنى. لقد أردت من البداية أن أصور كل شيء مع الممثلين في لقطات أميركية، ولكن كان لدي مشاكل مع القياس 2:35، وليس مع 1:85 ولا حتى 1:33، لم ننجح بالوصول إلى التويتر المطلوب، وقمت عندئذ بعمل كادر مثير في هذا المشهد مع دي نيرو عندما يضبط الوضوح البؤري فوقه، فيما هو يملأ الشاشة بظهره. جان رينوار: في الوقت الذي اكتشفت فيه أفلامه لم أكن أعرف من هو ولا من أين جاء. أعجبني (دفتر يوميات شغالة) مع بوليت غودار ويرجيز ميرديت، أما فيلم (النهر) فالفضل في مشاهدته يعود لأبي، وقد سمح لي هذا الفيلم باكتشاف الهند: الموسيقا، والناس الذين كانوا رائعين في كل أفلامه، وليس في هذا الفيلم وحسب. ومازلت أحتفظ بذكرى طيبة عن العلاقات بين أبطال (دفتر يوميات شغالة) لم أفهم كل شيء من الفيلم وقتئذ، فقد كنت في الثامنة أو في التاسعة من عمري، فيما بعد اكتشفت (امرأة الشاطئ)، و (الجنوبي)، فقد كان الثالث في ترتيبه بين أفلام رينوار التي شاهدتها، وتذكرت اسمه من التيترات، فيما بعد، وعندما حدثونا في المدرسة عن الرسام الانطباعي رينوار، هتفت في أعماقي قائلاً إنه من المؤكد أن ثمة صلة ما بينهما، وقد كان كل شيء يكتسب معنى ما، ففي العام 1959 اكتشفت النسخة المرممة من (الوهم الكبير)، وهذا الفيلم لم يغادر مخيلتي أبداً، حتى أن أبطاله سكنوا ذاكرتي تماماً، وقد فهمت فيما بعد المزيد من الأشياء عن رينوار، ودعوت أصدقائي لمشاهدة (الوهم الكبير)، حيث يكشف فيه فون شتروهايم عن روعة لا تنسى مثل جان غابان، وبيير فرينيه، ومارسيل دالتو. فكرة الفيلم ليست عادية: مجموعة من الرجال، الحرب العالمية الأولى، المعسكر، وكل شيء يملكونه، الحزن والأسى والجمال في هذه الأهزوجة. الفيلم يتحدث عن نهاية عالم وظهور أخر، وهذا يعني أنني كنت في الثامنة أو في التاسعة عندما اكتشفته. لم أعرف شيئاً عن السينما، لكن ثمة أشياء لها خصوصية عند رينوار وقد عششت في داخلي لعدة سنوات، وعندما تشاهد أفلامه من جديد، فإن حرارة إنسانية لافحة تستغرقك في كل هذا الجمال المعروض أمامك، فيما بعد رغبت بأن أعرف أشياء أكثر عن رينوار، فقرأت عنه كل ما وقعت مع الممثلين وهذا يظهر جلياً في أفلامه، وهذا لا يعني بالطبع إنك لا تستطيع أن تعتصر شيئاً من ممثل إذا ما تصرفت بطريقة أخرى، خذوا وليم وايلر (الوريثة) فالممثلون فيه جيدون، وهو لا يتوقف عن التصرف بفظاظة في مواقع التصوير، وأنا شخصياً لا أعمل في ظروف القلق والتوتر، فهذا لا يمكنني الوصول إلى شيء، وإيليا كازان هو من قال لي في أحد الأيام أن ذات الشيء يحدث معه هو أيضاً.

الفهرس

- شغف حقيقي... الفصل الأول - الحميم سكورسيزي.... - جيلنا... فرنسيس كوبولا... - ستيفن سبيلبرغ... - جورج لوكاس.... - الجيل الجديد.... - دي نيرو وأنا.... - نيويورك... نيويورك.... - الثور الهائج... - ملك الكوميديا... - شبان طيبون... - خليج الخوف.... - من دون الموسيقا كنت سأضيع...

الفصل الثاني... - عالم مسحور.. - عن السينما الإنكليزية... - مسراتي كسينمائي... - برناردو بيرتولوتشي - العائلة.... - رحلة مع مارتن سكورسيزي عبر السينما الأميركية... - تذكارات. - عايدة لوبينو... - جون كاسافيتس... - غلاوبر روشا.... - صموئيل فولر – حركة العاطفة... - روبرت ميتشوم وجيمس ستيوارت: رجلان يعرفان أكثر مما ينبغي... - سول باس: الرجل الذي يعد بالأحلام....

الفصل الثالث - سكورسيزي يعمل - كازينو... - في تظهير الشكل... - حدث ذات مرة في أميركا – "عصابات نيويورك".....







مواقع صديقة

 

آفاق سينمائية

مجلة إلكترونية أسبوعية