د. رياض عصمت
تابع المخرج وكاتب السيناريو ديفيد و. راسل في فيلم "جوي" (2015) مسيرته المظفرة في فيلمي "السعادة علاجاً" (2012) و"خداع أمريكي" (2013)، جامعاً للمرة الثالثة بطليه جنيفر لورنس وبرادلي كوبر، وللمرة الثانية معهما الممثل المخضرم روبرت دو نيرو، إذ يبدو أن طاقم التمثيل هو جزء مهم من الوصفة السحرية للنجاح لدى هذا المخرج، الذي رشح فيلماه لعديد من جوائز "الأوسكار" و"غولدن غلوب"، ونال بعض من عمل معه عدداً منها بجدارة. لا شك أن موضوع فيلم "جوي" أقل تعقيداً من الفيلمين السابقين، فهو فيلم بسيط يروي كفاح امرأة عبر ظروف صعبة، وتوصلها إلى النجاح بفضل إصرارها وعزيمتها وذكائها. القصة مستوحاة من سيرة شخصية حقيقية، هي المهاجرة الإيطالية جوي مانغانو، إنما بقدر من التصرف قام به كاتبا السيناريو ديفيد و. راسل مع آني مامولو.
أتى فيلم "جوي" مناسباً لفترة الأعياد في نهاية عام 2015، فهو فيلم مبهج كعنوانه واسم شخصيته المحورية. يبدأ الفيلم من طفلة موهوبة بابتكار أشكال من الورق، لكن الشجارات الحادة بين أبيها وأمها تحبطها وتتلف مبتكرات عالمها الخيالي. ثم نرى (جوي) صبية محبطة بسبب زواج غير ناجح مع مغنٍ شاب وسيم عاطل عن العمل لا يجلب دخلاً يعيل به زوجته وابنته وابنه الصغيرين، فضلاً عن أمها وجدتها. الأم تعيش في غرفة نومها كأنها على كوكب آخر، متابعة المسلسلات التلفزيونية المستمرة منذ أيام الأسود والأبيض، ولا يخرجها من عزلتها سوى مجيء سباك أسود لإصلاح تسرب في أنبوب مياه. هكذا، بعد نفور ورفض، تجد فيه رفيقاً وصديقاً. باختصار، تجد جوي نفسها المطالبة بأن تعيل الأسرة الكبيرة، بمن فيها زوجها الذي يقيم رغم انفصالهما في قبو البيت حالماً بالنجاح الموسيقي، وأبيها الذي جلبته أختها من أم أخرى ليصبح عبئاً جديدأً على كاهلها مع ورشة تصليح السيارات الفاشلة، التي تجد فيها جوي موقعاً مناسباً لمشروع طموح يداعب خيالها الخصب. تعرض جوي على صديقة أبيها الجديدة، الوارثة الإيطالية الثرية لزوجها الراحل، أن تموِّل مشروع ابتكارها ممسحة عملية للأرض، تعتقد أنها ستضمن ربحاً طيباً بسبب فائدتها الجمة لربات البيوت، فتسعى لتسويقها هي وصديقتها المقربة جاكي، دون أن تحصدا سوى المشاكل والإحباط ووجع الرأس. تلجأ (جوي) بمساعدة طليقها إلى شركة تلفزيون تسوق المنتجات إعلانياً، وتتعرف إلى مديرها التنفيذي (نيل)، الذي يكن لها إعجاباً خفياً ويؤمن بها من أول نظرة، فيحاول مساعدتها مرة تلو أخرى بسبب إلحاحها ومثابرتها. تتمكن جوي أخيراً بعد أكثر من عثرة من استقطاب اهتمام عشرات الألوف من الزبائن، وتسوق كميات ضخمة من ممسحتها المبتكرة بسبب ظهورها على الشاشة الصغيرة في زي عادي مثل أية ربة منزل أمريكية، وبسبب مساعدة صديقتها المقربة باتصالها بها هاتفياً لتطلق لسانها أمام عدسات الكاميرات كي تشيد بطلاقة وإقناع بميزات ممسحتها العجيبة. لكن جوي، التي تصنع ألياف الممسحة بأيدي نساء مكسيكيات في ورشة والدها، ما تلبث أن تقع في فخ شركة في كاليفورنيا تتعهد صنع عصا الممسحة من البلاستيك، وتتفاقم المشكلة مادياً بسبب سوء تصرف أختها، فتذهب لتكتشف أن تلك الشركة النصابة استولت على حقوق اختراعها مما يكاد يجعل جوي تعلن إفلاسها، لكنها تذهب إلى تكساس لتقابل مالك تلك الشركة وشركات عديدة أخرى، وتهدده بالملاحقة القضائية إذا لم يتراجع موظفو فرع كاليفورنيا عن سلبها لحقوقها، فيخضع للتهديد ويعوضها بشكل مناسب. يمر الزمن، وتصبح نجاح جوي ومبتكراتها الصناعية مضرب المثل لنجاح امرأة أمريكية من عائلة متوسطة أو أقل في مواجهة ظروف تنافس السوق.
"جوي" (2015) فيلم اجتماعي ناجح بكل المعايير. لا يوجد في إخراجه استعراض عضلات، ولا يستخدم تقنيات حديثة عالية ومبهرة، بل يقود المخرج طاقمي التمثيل والتقنيات ليحقق واقعية مقنعة في تقديم قصة إنسانية حافلة بمزيج من الطرافة الكوميدية والمأساة. تروي حكاية "جوي" الجدة العجوز، وهذا عنصر سردي لطيف في الفيلم، وإن كان من غير المفهوم أو المبرر كيف تستمر رواية القصة والجدة تتوفى قبيل نهاية الفيلم! كما أن شخصية الأب، التي أداها روبرت دو نيرو بمهارة مألوفة، فتبدأ محورية، ثم يتلاشى دورها لتقبع في الظل نسبياً، لأنه لا يعود مؤثراً على سير الأحداث، بل مجرد متابع لها. كذلك، يترقب المشاهد نمو علاقة ما بين نيل، (الذي لعب دوره برادلي كوبر،) وبين جوي، (التي أدت دورها جنيفر لورنس،) إلا أن نهاية الفيلم جاءت مخيبة للتوقعات، فكل منهما يسير في طريق مختلفة بالرغم من استلطافهما لبعضهما. أما (ترودي)، صديقة الأب الإيطالية التي أدت دورها إيزابيللا روسوليني، فهي تحضر أيضاً بقوة، ثم تهمش تدريجياً. كل هذا على حساب ظهور جوي (جنيفر لورنس) المكثف، بحيث يتمحور الفيلم كله حولها.
أغنى الفيلم دون شك مونتاج بارع للمحات من طفولة (جوي) حين كانت تصنع من الورق عالماً خيالياً كاملاً من الحيوانات والطيور والحظائر والأسوار. قام بمونتاج الفيلم – لوجه الغرابة - أربعة أشخاص معاً، هم: آلان بومغارتن، جاي كاسيدي، توم كروس وكريستوفر تليفسين. أما التصوير فكان مسؤولية لينوس ساندغرين، بينما ألف الموسيقا مؤلفان هما ديفيد كامبيل ووست ديلان ثوردسن. يبقى الجهد الأكبر في صنع الفيلم هو الإدارة البارعة للمخرج ديفيد و. راسل، الذي أثبت مرة أخرى أنه قائد أوركسترا متمكن، خاصة في هذا الطراز من السينما الاجتماعية/الإنسانية/الكوميدية والمؤثرة معاً.