د. رياض عصمت
منذ انطلقت السلسلة السينمائية "حرب النجوم" في عام 1977 عبر ثلاثية شهيرة، مروراً بالثلاثية التالية بدءاً من العام 1999 والتي لقيت نجاحاً أقل نسبياً، ثم وصولاً إلى الفيلم الجديد السابع في السلسلة مع نهاية 2015، لا شك أن هذه الأفلام الملحمية عن صراع فضائي عنيف بين قوى الخير والشر حمل أبعاداً سياسية ودرامية متنوعة استهوت عشاق السينما وأصبحت خالدة في وجدانهم. من المعروف أن أفلام "حرب النجوم" ارتبطت باسم المنتج والمخرج المعروف جورج لوكاس، فهو مبدع شخصيات السلسلة الأساسية وصانع عوالمها الأخاذة. لكن فيلم "حرب النجوم: القوة تستيقظ" (2015) هو بداية لثلاثية جديدة تطمح لأن تعيد أمجاد البدايات، وتحيي أبطالها الأسطوريين. لذا، فبالرغم من تصدي المخرج اللامع ج. ج. آبرامز من الجيل الجديد نسبياً لمهمة الإخراج، فإن الفيلم استحضر بعد 32 عاماً الشخصيات نفسها التي جسدها كل من هاريسون فورد (هان سولو،) وكاري فيشر (الأميرة ليا،) مع ظهور مارك هاميل الواعد قبيل النهاية (لوك سكايووكر،) وقد بدا تقدم السنين جلياً على الثلاثة، فضلاً عن ظهور بعض شخصيات مألوفة أخرى، مثل (شوباكا) و(بي. بي. 8) و(سي. 3 بي. او.) بالمقابل، تمكن كتاب سيناريو الفيلم السابع الجديد (لورنس كاسدن، مايكل آرندت وج. ج. آبرامز نفسه،) أن يخلقوا حبكة مشوقة وشخصيات نضرة حازوا بها اهتمام الجمهور وتعاطفه، بحيث ضربوا عصفورين بحجر واحد. كما سعى المخرج آبرامز ما أمكنه ذلك إلى استعادة أجواء فيلم 1977 الكلاسيكي عبر استخدام ديكورات حقيقية، بدلاً من الاعتماد كلياً على تقنيات الصور المولدة كومبيوترياً، مما رفع ميزانية إنتاج الفيلم إلى 200 مليون دولار. قد يبدو هذا الرقم للوهلة الأولى خيالياً، إنما جاء نجاح الفيلم ليستعيده ويجني بعد ذلك أرباحاً خيالية.
ما هو العنصر الجديد الذي جعل فيلم "حرب النجوم: القوة تستيقظ" (2015) يكتسح شباك التذاكر بهذه الصورة التي عجزت عنها عدة أفلام سابقة من السلسلة رغم بريق نجومها؟ إنها قوة الإمبرطورية التي تستيقظ لتهيمن على الكون من جديد عبر استغلال ابن هان سولو والأميرة الشاب، وجعله يتمتع بقدرات ساحر للبطش بأعداء سيده الشرير، ويحاول المستحيل لاستعادة قطعة من خارطة قد توصل الأشرار إلى مكان البطل (لوك سكايووكر،) الذي ينتمي إلى نوع "جيداي" ذي الطاقات الخارقة، والمؤهل لقيادة المعركة ضد إمبرطورية القوة الشريرة. إذن، نحن أمام موضوع درامي فريد: أب يكافح للوصول إلى ولده وإقناعه بأن الطريق الذي يسلكه خاطئ، وأنه أصله النبيل يحتم عليه الانتماء إلى الخير. أما الحبكة القوية الأخرى فموضوعها تلك الصداقة التي تنشأ بين الطيار الماهر (بو داميرون) وبين عامل صحية أسود يدعى (فين)، تؤدي لمساعدة الثاني للأول على الفرار من أسر الأشرار برفقة إنسان آلي طريف يحمل القطعة السرية عن مكان البطل المجهول. ما تلبث الحبكة أن تتطور عقب اعتقاد (فين) أن صديقه الطيار قتل في حادث تحطم الطائرة، فتنشأ علاقة محبة وتعاضد بين (فين) الأسود الشهم، وبين (راي) الصبية المحاربة الجريئة من أجل الحق. هكذا، تمتزج الحبكتان في مغامرة فضائية تحبس مشاهدها الأنفاس. قبيل النهاية، يعود الطيار للظهور (لعب دوره باقتدار أوسكار إسحاق،) بينما تتألق المحاربة الشابة (لعبت دورها الممثلة الموهوبة الجديدة ديزي ريدلي،) ورفيق دربها الأسود (لعب دوره جون بويوغا،) وهما يتصديان للأشرار، ويتابعان مهمة الجيل القديم النبيلة. أما الابن الشرير، مسلوب العقل والإرادة والضمير، فيطعن والده ويسقطه في هاوية بلا قرار، تاركاً والدته الأميرة ليا مفجوعة بمصير حبيبها القديم، في حين يشتبك الأسود أولاً معه في قتال ضارٍ مع الابن الشرير يتعرض للهزيمة فيها ويقع بين الموت والحياة، فتأخذ مكانه الصبية المحاربة (راي) بقدرات سحرية متصاعدة تضاف إلى شجاعتها ومهارتها القتالية وإيمانها العميق، فتنتقم منه وتصيبه بجرح غائر. بالتالي، أفسحت نهاية الفيلم الحالي المجال للجزء القادم من السلسلة الجديدة، فأبقت على مصائر بعض الأشرار أو الأخيار من الشخصيات الرئيسية، بل مهدت لأدوار مستمرة لهم في المعركة القادمة من "حرب النجوم".
لا شك أن جودة الأداء التمثيلي كان إضافة هامة لفيلم 2015، بل تفوق الشباب الجدد على القدامى المخضرمين أحياناً. اللافت أن المخرج استعان بممثلين وممثلات يتمتعون بسمعة طيبة حتى في الأدوار التي لا يميز الجمهور ملامحهم فيها على الإطلاق بسبب أدائهم لأدوار إنسان آلي أو صاحب قناع أو شخصية مخلوق ثلجي عملاق. هكذا، شارك في الفيلم كل من آندي سركيس، لوبيتا نويونغو، غويندولين كريستي، إضافة لظهور ماكس فون سيدو كضيف شرف في أوائل الفيلم قبل مصرعه المبكر. جدير بالذكر، قام بتصوير "حرب النجوم: القوة تستيقظ" (2015) دانيال مينديل، بينما شاركت بمونتاجه كل من ماريان براندون وماري جو ماركي. أما الموسيقا الرائعة فوضعها ملحنه الكبير المبدع جون وليامز، المشهور بموسيقا سلسلة "حرب النجوم" منذ أن بدأت. نال الفيلم 8.7 درجة ليضارع الفيلم الأول، ويعيد للأذهان ذكراه العطرة.