السينما العربية وآفـــاق المســتقـبل


السينما العربية وآفـــاق المســتقـبل

جان الكسان

منشورات وزارة الثقافة – المؤسسة العامة للسينما (119) جان الكسان كاتب وإعلامي وباحث سوري وعضو مؤسس في اتحاد الكتاب العرب وعضو مؤسس في اتحاد الصحفيين العرب، له في المكتبة العربية خمسة وخمسين كتاباً من تأليفه له عشرة كتب في موضوع السينما. في العام اثنين وثمانين وتسعمائة وألف، صدر لي ضمن سلسلة "عالم المعرفة" كتاب بعنوان (السينما في الوطن العربي) كان أول محاولة من نوعها لتقديم دراسة لها طابع الشمول عن السينما العربية، رغم مرور أكثر من نصف قرن آنذاك على إنتاج فيلم عربي روائي طويل، وأن السينما العربية كانت قد أنتجت خلال تلك الفترة أكثر من ألف وخمسمائة فيلم روائي. واليوم، وبعد أكثر من عشرين سنة، وبعد دخول العالم القرن الجديد من الألفية الثالثة، أحاول في هذا الكتاب استعراض واقع وإيعاد السينما العربية بعد أن احتفل العالم بمئوية الفن السابع، واستطلاع آفاقها المستقبلية مع القرن الجديد على الرغم من أن الناقد أو الباحث، يجد نفسه أمام واقع السينما العربية في مهمة صعبة عندما يحاول تقويم هذه السينما من خلال ملامح مشتركة للإنتاج السينمائي العربي، مما جعل هذا الفن – بشكل أو بأخر – انعكاساً للوضع الاجتماعي والسياسي والاقتصادي المتباين بنسب متفاوتة بين هذه الأقطار، ومهما يكن هناك من قيمة وشأن لمختلف التعريفات التي تعطى لصيغة (السينما العربية) والقضايا التي تستدعيها، فإننا نرى أن هذا المفهوم ما يزال منفلتاً من التحديد طالما أن تعريف السينما لا يمكن إرجاعه فقط إلى اللغة التي تنطق بها، أو إلى المكان الذي تنتج فيه، أو إلى الرغبة التي تحرك المهتمين بها، بل إن المرء لا يمكن أن يغامر في تحديد هوية السينما إلا إذا توفرت لديه المقومات العضوية لوجودها من إنتاج وتوزيع واستغلال وتداول فعلي ضمن سوق محددة أو مفتوحة. ولعل الحالات المتباينة للسينما العربية، وليس المدارس الفنية، والتي خلقتها الصراعات التي قامت لسنين بين توجهات كل من القطاع العام، والقطاع الخاص. كان لها دور كبير في الخلل البادي، وفي التأرجح والاختلاف في الرأي والاجتهاد بين كون السينما فناً يجب أن يعتبر جزءاً من التوجيه الملتزم العام كالإذاعة والتلفزيون والصحافة وبقية أجهزة الثقافة والتربية والتوعية والإعلام، وبين أن تظل، أو يظل قسم منها، سلعة للربح والتجارة مثل بقية السلع العصرية المتداولة في سوق العرض والطلب، إضافة إلى التعاون المشترك المفقود بين السينمائيين العرب الذين يربط فيما بينهم اتحاد شكلي، وكذلك اختلاف النظر لهذا الفن واختلاف بنود الرقابة عليه بين قطر وآخر... وسأعترف بأن المصادر التي توفرت لي من أجل إعداد هذا الكتاب كانت كثيرة لدرجة مفزعة.... فهناك أكثر من مئة كتاب عن السينما العربية، وهناك مئات بل آلاف الدراسات المنشورة في الصحف والمجلات والدوريات عن هذه السينما، وهناك كراريس ومطبوعات المناسبة السينمائية كالمهرجانات واللقاءات وأسابيع العروض... وهناك المصادر الأجنبية والمترجم منها... وبرامج معاهد السينما. مما يدخل الباحث في متاهة الفرز والاختيار والتلخيص، يكفي أن أذكر أن ما جمعته عن السينما في مصر وصل إلى حوالي ثمانمئة مصدر بين كتاب وكراس ومقالة ودراسة وتعليق وتحقيق ورأي وتحليل... وما اشارتي إلى ضخامة مصادر السينما العربية إلا للتأكيد على أن الاهتمام بهذا الفن، الذي بدا لدى اختراعه مجرد تقنية هو فن العصر، اهتمام واسع ودؤوب على عكس بعض الآراء التي تقول أن السينما فن يعيش على هامش الحياة العربية. مع بداية اختفال العالم عام 1995 بمئوية السينما، ظهرت بعض الآراء التي يستغرب أصحابها احتفال العرب بهذه المناسبة مستبعدين علاقة العرب المبكرة بهذا الفن كريادة في الزمن وكصناعة وانتشار... ويطالب أصحاب هذه الآراء بأن يقتصر الاحتفال على الدول الرائدة في اختراع وصناعة وتسويق هذا الفن... أما الوقائع فتؤكد العلاقة المبكرة للعرب بالسينما، بل وريادة في مجال الإخراج السينمائي النسائي، أذ سجلت المرأة العربية أنها كانت أول مخرجة في العالم... وقد عرف العرب فن السينما كعروض منذ عام 1896، وكإنتاج روائي منذ عام 1927 وهذا التاريخ متقدم في الزمن على كثير من أمم العالم وشعوبه، حتى بالنسبة لبعض المجتمعات الغربية التي شهدت الإرهاصات الأولى لنشوء هذا الفن الذي عرف باسم "الفن السابع". وكانت مصر التي لها دور الريادة في ميدان السينما العربية، الدولة الثانية في العالم التي تشهد عرضاً تجارياً لهذا الفن بعد أول عرض تجاري سينمائي في العالم، الذي كان يوم 28 ديسمبر – كانون الأول – من عام 1895 في الصالون الهندي بـ "المقهى الكبير" في شارع كابوسين بباريس، كان أول عرض سينمائي في مصر، بعد العرض الفرنسي بأيام في أوائل يناير – كانون الثاني – من عام 1896 في مقهى روائي بالإسكندرية تبعه عرض في القاهرة يوم 28 يناير – كانون الثاني – 1896 في سينما سانتي بالقرب من فندق شبيرد القديم. وعن طريق السينما الغربية تسربت إلى المجتمع العربي أفكار متضاربة وإيديولوجيات متناقضة، ساهمت من جهة في إطالة أمد السيطرة الفكرية الأجنبية، ومن جهة ثانية في تأخير الوعي فدفعت أبناء المدن بصورة خاصة إلى محاولة التماثل مع الإنسان العصري المتفوق، الأنيق، زير النساء القوي الذي لا يقهر يصرع العشرات من الهنود الحمر مثلاً في معركة واحدة، مما جعل أيديولوجية محددة تسيطر على أفكار الطبقات الوسطى من المجتمع العربي، وبصورة خاصة بعد نزوح السكان الريفيين إلى المدن وإنشاء المدارس الابتدائية، وبعدها الإعدادية والثانوية التي كانت تهيئ معظم النازحين من الأيارف للانصباب في سوق العمل أي إكساب سكان المدن الجدد إرهاصات تعليمية تسهم في السعي لمتابعة السينما كإحدى أدوات الترفيه والمعرفة والإنفاق التفاخري ثم الانتقال بعد ذلك من مرحلة التلقي إلى مرحلة التصنيع والتصدير بتحقيق أفلام محلية أنتج معظمها على نمط وقياس البضاعة المستوردة، بل إن هذه الصناعة ازدهرت من حيث الكم في بعض الأقطار العربة ومنها مصر بصورة مذهلة وكان عدد الأفلام التي أنتجت في مصر حوالي 4000 فيلم حتى نهاية القرن العشرين. ولم تكن هذه الأفلام في قسم كبير منها لتنتمي إلى أصالة البلدان التي تصنعها ولا تمت إلى مشاكلها الحقيقية بصلات متينة كما أنها لم تحمل الوعي السياسي أو الاجتماعي المتوخى إلا في مرحلة لاحقة (أواسط الخمسينات وبداية الستينات) حيث بدأ المتفرج العربي يتعرف إلى تيارات سينمائية وطنية أو قومية، وكانت المدخل لمحاولة تحقيق سينما متقدمة ومتطورة ذلك لأن الاتجاهات الحديثة والتجديدية في السينما لم تظهر – كما في جميع المجتمعات في العالم – إلا من خلال التحولات الاجتماعية والسياسية الكبرى. أن بعض الأفلام العربية هي الأكثر جدية، حتى من دون أن تكون ممولة من قبل فرنسا، في المهرجانات أو في عروض التلفزة وأحياناً في عروض الصالات قبل أن يعرف بها عربياً ومن هنا تنبع أهمية مهرجان السينما العربية الذي يقام مرة كل عامين في رحاب معهد العالم العربي، هذا المهرجان الذي بات يبدو وكأنه مهرجان حقيقي لما يمكننا أن نسميه "السينما العربية الجديدة" الذي يحمل أصحابها أسماء قد لا تكون شديدة الشهرة في بلدانها، ولكنها بالتأكيد باتت شديدة الحضور في العالم وهي بفضل هذا الحضور باتت تدخل السينما العربية في زمن العالم الجديد مما ينعكس بالتالي بشكل إيجابي على حضور هذا النوع من الأفلام العربية في الداخل العربي نقول هذا وفي ذهننا نجاحات بعض الأفلام التونسية، وبعض ما ينتجه السينمائيون اللبنانيون والسوريون بين حين وأخر. وفي الوقت نفسه نذكر سلسلة الانزياحات التي عاشتها وتعيشها السينما العربية وبصورة خاصة منذ بداية عقد التسعينات من القرن العشرين، وهناك دراسة جادة في هذا المجال. تقول: إن الغياب الدائم للسينما العربية عن المنافسة في الساحة العالمية لا يعني سوى غياب الفكر الخلاق الذي يتمكن من المنافسة وفرض – قيمة الثقافية، فالسينما ذلك الفن المعبر عن الحضارة والتاريخ يصبح في وطننا فناً بلا ذاكرة... فقط نجحت هذه الصناعة الوليدة إلى حد ما بعد تحقق هذه السيطرة الوطنية على تقنيات الإنتاج، ومن ثم منطلقات الرؤية وتوجهات التجريب الفيلمي، إلى رافد لتعميق المشاركة في إغناء إمكانات التغير الثقافي والاجتماعي وإضفاء نوعية متجددة إلى الرصيد الجمالي والإنساني لهذا الفن عربياً وعلمياً، ولكن هذا استثناء من قاعدة عامة. ولا يمكن الكتابة عن أزمة السينما العربية، في تسعينيات القرن العشرين مثلاً من دون التوقف عند ما تعانيه السينما المصرية، لجهة المأزق الإبداعية والفنية، تماماً كعجزنا عن الكتابة عن تاريخ هذه السينما ونتاجاتها المختلفة، من دون البدء من واقع السينما المصرية أولاً، وقبل كل شيء ذلك أن مصر، على الرغم من التراجع في نوعية نتاجاتها البصرية وكميتها، لا تزال عاصمة الفن السابع العربي، ومرآة السينما العربية، كون السينما المصرية الأقدم تاريخياً والأغزر إنتاجياً.

الفهرس.... - مدخل تمهيدي... - الفصل الأول: العرب والسينما.... - الفصل الثاني: السينما في مصر.... - الفصل الثالث: السينما في سورية.... - الفصل الرابع: السينما في لبنان... - الفصل الخامس: السينما في العراق.... - الفصل السادس: السينما في تونس... - الفصل السابع: السينما في الجزائر.... - الفصل الثامن: السينما في الغرب... - الفصل التاسع: السينما في ليبيا... - الفصل العاشر: السينما في السودان... - الفصل الحادي عشر: السينما في الأردن.... - الفصل الثاني عشر: السينما في الكويت... - الفصل الثالث عشر: السينما في دول الخليج العربي... - الفصل الرابع عشر: السينما في المملكة العربية السعودية... - الفصل الخامس عشر: سينما القضية الفلسطينية... - الفصل السادس عشر: المرآة العربية في السينما... - الفصل السابع عشر: شخصيات في السينما العربية... - الفصل الثامن عشر: مهرجانات السينما العربية







مواقع صديقة

 

آفاق سينمائية

مجلة إلكترونية أسبوعية