وحش المال

الإصدار: العدد مائة و ثمان و ثلاثون

وحش المال

د. رياض عصمت

    يقدم فيلم "وحش المال" (2016) نموذجاً مثالياً لفيلم إثارة وتشويق يتضمن إيحاءات سياسية قوية. افتتح عرض الفيلم في مهرجان "كان" الفرنسي الشهير قبل أن يعم مختلف أرجاء الولايات المتحدة وأوربا. كيف لا ومخرجته هي النجمة ذائعة الصيت جودي فوستر، التي لمع نجمها منذ فيلم "سائق التكسي" (1976) أمام روبرت دو نيرو تحت إدارة المخرج مارتن سكورسيزي الإخراجية، ثم حازت أوسكار أفضل ممثلة عن دورها في فيلم "المتهمة" (1988) أمام كيلي ماكغيليس  وأخرجه جوناثان كابلان، وحازت ثاني أوسكار لها عن دورها في فيلم "صمت الحملان" (1991) أمام أنتوني هوبكنز وأخرجه جوناثان ديمي؟ أما جودي فوستر المخرجة، فأنجزت حتى الآن تسعة أعمال، في حين مثلت 75 دوراً. وكيف لا يستقطب "وحش المال" الاهتمام وقد تصدى لبطولته نجمان مخضرمان هما جوليا روبرتس وجورج كلوني، فضلاً عن النجم الشاب الصاعد جاك أوكونيل؟

    تبدو قصة "وحش المال" بسيطة في البداية، فالمذيع الشهير ومقدم برنامج "وحش المال" التلفزيوني لي غيتس (جورج كلوني) يدخل الاستوديو تحت إدارة مخرجة البرنامج باتي فن (جوليا روبرتس) ليقدم حلقة عن شركة استثمارات هبطت أسهمها في البورصة هبوطاً حاداً ومفاجئاً عقب ترويجه لها في حلقة سابقة، مسببة إفلاس عديد من الناس، ومعتزماً استضافة نائبة مدير الشركة ديان ليستر نظراً لأن مديرها مختف في جنيف. يفاجأ الجميع بتسلل شاب غريب إلى الاستوديو، إشهاره مسدساً يطلق منه النار مهدداً بقتل المذيع، ومجبراً إياه على ارتداء حزام ناسف يمسك وحده بزر تفجيره الذي يمكن أن يودي بحياة المصور والتقنيين داخل الاستوديو ومعهم المخرجة وبقية الطاقم الفني في بناء المحطة. خلال ذلك التوتر المثير، يكشف الشاب عن تعرضه للإفلاس التام بعد أن اشترى أسهماً لتلك الشركة في البورصة، مبدداً أموال أمه الراحلة، ومهدداً مستقبل صديقته الحامل. الثمن الذي يطلبه كتعويض من الشركة هو مائة مليون دولار، وإلا فإنه يهدد بنسف المذيع وجميع العاملين في البرنامج. تستمر الإثارة بكشف التفاصيل تدريجياً قطرة فقطرة، ونتعرف إلى صديقة الفتاة وماضيه، ثم يكتشف المذيع أن الحزام الناسف مزيف ولا يحوي أية متفجرات، في حين تكتشف نائبة مدير الشركة والمذيع معها أن مدير الشركة هو السبب الحقيقي وراء إفلاس الملايين نتيجة تلاعبه بالأسهم عبر مضاربات مشبوهة في جنوب أفريقيا بالاتفاق مع أحد زعماء المافيات، واختلاس الأرباح لجيبه الخاص. ينتهي الفيلم بمحاولة المذيع إنقاذ الشاب بإخراجه إلى الشارع ليسيرا نحو مقر الشركة ويواجها مديرها الفاسد مع المصور الذي يرافقهما ليبث الحدث على الهواء مباشرة إلى ملايين المشاهدين. يجبر المذيع مدير الشركة على ارتداء الحزام الناسف (المزيف) فيضطر للاعتراف على الملأ بأنه البرنامج المسؤول الفعلي عن الكارثة المالية التي حلت بالناس. لكن أحد الشرطة يطلق النار على صدر الشاب المسكين ظناً منه أنه يتحكم بجهاز تفجير الحزام الناسف. هكذا، ينتهي نهاية مزدوجة، فالشاب يسقط قتيلاً ويروح ضحية لفساد مدير الشركة الذي يمثل نموذجاً لرجل الأعمال غير الأخلاقي في المجتمع الرأسمالي، رغم أن القانون في المجتمع الديمقراطي يطال العابث بالقانون ليتم اعتقال مدير الشركة وإحالته إلى القضاء لينال عقاباً عادلاً.

    فيلم "وحش المال" (2016) مبني بناءاً درامياً دقيقاً، وهو مقتبس عن قصة كتبها آلان ديفيوري، وشارك في صياغتها مع كاتبي السيناريو جيمي ليندن وجيم كوف. أدارت المخرجة جودي فوستر باقة النجوم بمهارة وحرفية، سواء النجمين جورج كلوني وجوليا روبرتس، أم الشاب جاك أوكونيل، أم الممثلة المساعدة كيتريونا بالف في دور نائبة مدير الشركة ديان ليستر، أم دومينيك ويست في دور مدير الشركة الفاسد والت كامبي. طاقم تمثيل ممتاز، يسانده عديد من الممثلين المجيدين في الأدوار الثانوية. من الطرافة بمكان أن نذكر أن جوليا روبرتس نادراً ما التقت في التصوير الفعلي للفيلم بزميلها جورج كلوني بسبب ارتباطات أخرى مسبقة، بالرغم من كون مشاهدهما واحدة، هي في غرفة القيادة والتحكم في الاستوديو التلفزيوني، وهو في داخل الاستوديو، مما تطلب منها بشكل خاص جهداً إضافياً وهي تؤدي بانفعال وإيمان أمام مجرد انعاكاسات للصور فوق "الشاشة الزرقاء". إذا كان تصوير الفيلم الذي قام به ماثيو ليباتيك جيداً، وموسيقا دومينيك لويس جيدة جداً، فإن مونتاج مات تشيز جاء ممتازاً. تزداد أهمية تلك العناصر مع فيلم حاول جاهداً الإقناع بشبه المستحيل – كما علق بعض النقاد – أو حاول إقحام تسييس خارج السياق في أواخره – كما علق بعضهم الآخر. المهم من وجهة نظري أن الفيلم تحرى بنجاح معقول للغاية أسلوب "تلفزيون الواقع"، وكشف تدريجياً عبر سيناريو وحوار محكمين تفاصيل قصة إنسانية محزنة وحافلة بالتشويق والإثارة طيلة الوقت. نقيصة الفيلم الكبرى هي أنه منذ بداياته قابل للتنبؤ بمجرى الأحداث، وأن جميع استتنتاجات المشاهد خلال نصفه الأول سرعان ما تثبت صحتها، الأمر الذي أفقده عنصر المفاجأة الممتع، لأن الاكتشافات جميعاً متوقعة. لعل هذا هو السبب الأكبر لأن يحوز الفيلم تقدير 6.7 درجات فقط، رغم أنه فيلم يستحق المشاهدة والاحترام لجهود المساهمين في إنجازه.







مواقع صديقة

 

آفاق سينمائية

مجلة إلكترونية أسبوعية