علي أبو شادي منشورات وزارة الثقافة – المؤسسة العامة للسينما (114) السينما بحر واسع لم يتخلق شاطئه الثاني بعد، فهي من الفنون الحديثة نسبياً وإذا كان فن المسرح يمتد في عمق التاريخ لقرون طويلة، فإن السينما لم تزل في بداية القرن الثاني من عمرها حتى الآن حيث بدأ تاريخها الفعلي مع العرض السينمائي العالم الذي تم في الثامن والعشرين من ديسمبر سنة 1895 وأقامه لوميير في قهوة جراند كافيه بباريس وفي نوفمبر من العام التالي – 1896 – تم العرض السينمائي الأول في مصر بمدينة الإسكندرية. ورغم أن السينما تعد حالياً، الفن السابع، بعد الفنون الستة السابقة – العمارة والموسيقى والرسم والنحت والشعر والرقص – وهو الإسم الذي أطلقه عليها الناقد السينمائي الفرنسي الإيطالي الأصل ريتشيو كانودو (1879- 1923) ورغم أنه أطلق ذلك الوصف عليها في العشرينات إلا أن السينما نفسها لم تحظ بالاحترام والاعتراف بها كشكل فني إلا بعد فترة طويلة بعد أن استقرت أصولها وقواعدها نتيجة لمساهمات عديدة من فنانين ونقاد حاولوا وضع الأسس النظرية لفن الفيلم. السينما مصطلح واسع شديد العمومية وهو يضم تحت عباءته كل ما لا علاقة بفن الفيلم من تاريخ واتجاهات ونظريات وحرفيات ونقد ويضم كذلك أنواعها: روائية أو تسجيلية أو أفلام تحريك وغير ذلك مما يتعلق بهذا الفن الجميل. ولأنه لم يكن من الممكن بالطبع أن يضم هذا الكتاب بين دفتيه كل ما يتعلق بالسينما فقد كان من الضروري تحديد هدفه المبدئي وهو تقديم فكرة متكاملة عن كيف يصنع الفيلم السينمائي وتفاصيل الحرفة والأصول الجمالية والفنية لهذه الحرفة وذلك بأسلوب يساهم في تقديم هذا الفن لغير المحترفين ولغير المتخصصين وبحيث يساهم في أن يخلق لدى المتلقي متعة المشاهدة وأن يجعله يتعرف على العناصر الأساسية في عملية خلق الفيلم ويساعده على الفهم والتذوق بشكل أفضل ويعمل على تدريب حاسته النقدية وأن يعينه على التمييز بين الجيد والرديء من خلال ما يراه على الشاشة من صورة وصوت إلى أن تأتي فرصة أخرى لكتاب أخر يناقش مسألة "لماذا تم صنع هذا الفيلم" أو ذاك، أي أصول ممارسة العملية النقدية ذاتها. ويهمنا في هذا الصدد أن ننبه إلى أن النقد فن وعلم في ذات الوقت والأساس الذي يقوم عليه علم النقد هو تحليله لأفضل الأعمال في أي فن وهي تلك الأعمال التي تخضع لبعض القواعد المتعارف عليها والتي يمكن تحديدها ثم تطبيقها على الأعمال المختلفة عند تحليل التأثير النهائي الذي نتركه هذه الأعمال في نفوسنا. وهذه القواعد ليست ثابتة بالضرورة و لا يصلح تطبيقها بطريقة ميكانيكية على الأعمال الفنية ذلك أنه أذا كان من مهام النقد محاولة صياغة النظريات والقواعد التي تحكم العمل الفني إلا أن الفنانين هم الذين يصنعون هذه الأعمال أصل ذلك القواعد ومن حقهم أن يحطموها ليصيغوا قواعد جديدة مكانها وبذلك يتقدم الفن عبر التاريخ. ومن هنا كان على الناقد أو المتذوق أيضاً أن يطبق تلك القواعد ويحاول أن يحكم من خلالها إلا أنه لا يجوز له أن يقلل من شأن أي عمل فني لمجرد مخالفته لهذه القواعد بل أن مهمته الحقيقية تكمن في قدرته على تلمس نقاط الاختلاف والجدة والمقارنة بينهما وبين الحقائق التي يلم بها من خلال تجاربه وثقافته ووعيه بالتقاليد الفنية وأن يحاول استكشاف عناصر البناء الفني ومنطق العمل ذاته وهنا يتحول النقد إلى فن أيضاً وليس علماً فقط. وإذا كان الفن عموماً هو موقف أو وجهة نظر تجاه المجتمع والحياة والكون وإذا كانت وظيفة الفن هي تزويدنا بالمعرفة والمتعة فإن ذلك ينطبق على الفيلم أيضاً ومن ثم تتحدد قيمته باعتباره تعبيراً عن موقف ما وتبقى الحرفة السينمائية هي وسيلة الفنان لتحقيق رؤيته وتوضيح موقفه شأنها شأن اللغة التي يستخدمها الكاتب وفق القواعد والأساليب البلاغية والنحوية واللغة بالطبع ليست مستهدفة لذاتها بل لما تساهم في توصيله إلى القارئ. ولهذا فإن هذا الكتاب وهو يتعامل مع وسائل الفنان السينمائي وليس مع أهدافه يدرك أن الأهمية الحقيقية هي للقيم الإنسانية التي يعبر عنها الفنان وليس لإبتكار زاوية جديدة للتصوير أو تركيب الفيلم أو خلق إيقاع يتسم بالحساسية والذكاء بل إنه ينبه إلى خطورة البراعة في استخدام هذه الأدوات وقدرتها على الاقناع حين تستخدمها أيد غير أمينة تساهم في تضليل المشاهد وتزييف وعيه وتعمل على تكريس واقعه في مجتمع قد يكون خلاصه الوحيد هو التغيير. ومنهج الكتاب يقوم على توضيح طبيعة العملية السينمائية بشكل متكامل في الفصل الأول حتى يمكن للقارئ أن يلم بشكل مبدئي بتسلسل هذه العملية منذ كانت فكرة إلى أن تتحول إلى إشعاعات تخترق صالة العرض لتخلق صوراً متحركة على الشاشة ثم تتوالى فصول الكتاب توضح وتفسر عمليات صنع الفيلم واحدة وراء الأخرى، وقد كان طبيعياً أن ينتهي الكتاب بفضل الإخراج باعتبار أن المخرج هو سيد العمل الفني وصاحبه وصانعه، إلا أننا رأينا أن يتبعه فصلان أخران أحدهما عن الملابس والديكور والماكياج وهو فصل ضروري لم يكن من الممكن وضعه داخل السياق العام للعمليات الكبرى وكذلك الفصل الأخير عن الإنتاج وهو عصب العملية السينمائية كلها وعمودها الفقري ذلك أن عملية الإنتاج تبدأ من اللحظة الأولى وحتى لحظة العرض واللحظة الأخيرة لحظة العرض تالية بالطبع لجميع العمليات السينمائية ولهذا ولأن طبيعة العملية الإنتاجية تظل ممتدة بعد إنتهاء دور العاملين بالفيلم من فنانين وفنيين لذا كان حرياً أن يكون فصل الكتاب التي كانت مصادر لإعداد هذا الكتاب سواء ماتم ترجمة أجزاء منه أو حتى الاستعانة بكلمة أو صورة وحتى يمكن لمن يريد مزيداً من التفاصيل أن يرجع إلى هذه الكتب في أصولها. السينما تجارة مربحة، وهي أيضاً زاد ثقافي، وترفيهي، لجماهير عريضة على مستوى العالم كله، وهي بحكم كونها فناً سمعياً بصرياً تصل إلى كافة المستويات، الثقافية، والاجتماعية، لذا فهي أيضاً أداة هامة من أدوات التغيير الاجتماعي وتنمية الوعي الثقافي، أو العكس طبعاً، فيمكن استخدامها كسلاح مدمر وأداة طبعة في يد الأعلام غير الصادق وتصبح قوة خطيرة ومضللة، تعمل على غرس مشاعر ومعايير سلوكية تحارب الجهود الرامية إلى التخلص من النواقص الاجتماعية وإرساء القيم الإنسانية النبيلة. ويستغرق تصوير الفيلم من ست إلى ثمانية أسابيع في الأحوال العادية وأن كانت بعض الأفلام تستلزم وقتاً أطول لأن التصوير يتم في أماكن خارج الاستوديو. قبل التصوير، يقوم المخرج بشرح الجو النفسي للمشهد وعلاقته بالمشاهد الأخرى، ثم يتم الإضاءة المطلوبة للمشهد، وترتيب مناظره، وعمل البروفات اللازمة مع الممثلين وكذلك عمليات مراجعة الحوار المطلوب والاتفاق مع الممثلين الذين سيتم عمل لقطات مكبرة لهم. في نهاية اليوم يرسل الفيلم الذي تم تصويره إلى المعامل حيث يجري تحميض النيجاتيف لكل لقطة وطبع نسخة منها تسمى الإنتاج اليومي أو الاسم السائد الرشز تعرض على أعضاء الوحدة الفنية. المخرج المصور والمساعدين حتى يطمئنوا على سلامة عملهم في اليوم السابق، ولا يبدأ هدم الديكورات إلا بعد الموافقة على اللقطات التي صورت في ذلك الديكور. ويستمر المونتير في عمله لإدخال تحسينات على المونتاج المبدئي فيوجه اهتمامه لتحديد أطول اللقطات بدقة، والنقطة المعينة التي يتم فيها الانتقال من لقطة إلى اللقطة التالية لها، وقد يستدعي من أجل مزيد من التحسين، حذف بعض اللقطات، أو إعادة ترتيب اللقطات بشكل أخر. وعند الانتهاء من مونتاج الفيلم، يتولى المعمل إضافة المؤثرات البصرية المطلوبة كالمزج (مزج منظرين فوق بعض) أو الاختفاء التدريجي لأحد المناظر والظهور التدريجي لمنظر أخر، ويتم طبع نسخة كاملة من شريط الصورة ليشاهده المؤلف الموسيقي، وليضبط الموسيقى لتصبح مناسبة لطول المشاهد بالضبط. ثم يقوم مهندس الصوت بتسجيل الموسيقى وإعداد شريط المؤثرات الصوتية المختلفة وإعداد شريط الحوار، ثم يقوم بعمل مزج لهذه المجموعة من الشرائط الصوتية (عملية المكساج) ليسجلها كلها على شريط صوتي واحد. هناك مصدر ثالث لإيرادات الفيلم غير العرض في الداخل، وهو السوق الخارجي، أي سوق العرض والتوزيع خارج نطاق البلد المنتج، وتتحكم في هذا السوق شركات كبرى تشترى حق بيع الفيلم في العالم أو في أجزاء معينة منه، وحين ينتهي الفيلم من دورة العرض الأولى، يجب على قطاع التوزيع عمل دورة عرض ثانية وثالثة في دور عرض الدرجة الثانية والدرجة الثالثة حتى يغطى الفيلم تكاليفه، ويدر بعض الربح على منتجه كي يستطيع أن يعيش، فهي تجارته ومصدر رزقه، وفي نفس الوقت كي يستطيع أن يبدأ مرحلة إنتاج لفيلم أخر. المحتويات... - مقدمة... - الفصل الأول: من الفكرة إلى دار العرض - كيف تصنع فيلماً؟ - الفصل الثاني: السيناريو - كاتب السيناريو - مبادئ كتابة السيناريو - مراحل السيناريو - عناصر السيناريو - البناء الدرامي - الشخصية الدرامية - الفصل الثالث: التصوير - مدير التصوير - أدوات المصور السينمائي. - اللقطات - الزوايا - العدسات حركة الكاميرا - وسائل الإضاءة وأنواعها - الفيلم الخام - الإضاءة - توزيع الإضاءة - الألوان - التكوين - توازن التكوين - التكوين في الصورة المتحركة - الفصل الرابع: الصوت - البدايات - عناصر شريط الصوت - معدات الصوت - تسجيلات ما بعد التصوير - المؤثرات الصوتية - الموسيقى - الصمت - اللغة - الدوبلاج - الفصل الخامس: المونتاج - حرفية المونتاج - قواعد المونتاج - الزمن - الإيقاع - علاقات الصوت والصورة - أنواع المونتاج - (تطور تاريخي) - الموجة الجديدة الفرنسية - الفصل السادس: تصميم المناظر (فن الديكور) - تصميم المناظر (فن الديكور) - مكملات المناظر والملابس والماكياج - الفصل السابع: الإنتاج - المنتج الممول - المنتج المنفذ - مدير الإنتاج - الفصل الثامن: الإخراج - المخرج ومساعدوه - المخرج وتنفيذ اللقطة - المخرج والممثل - المخرج والتكوين - أسلوب الإخراج - المخرج كفنان خلاق.