أنا قبلك


أنا قبلك

د. رياض عصمت

هذا فيلم الرومانسية بامتياز للعام 2016، بل ربما لعدة أعوام. إنه فيلم بريطاني مضحك ومبكٍ معاً، نتوقع أن يخوض المسابقات الدولية ويحظى بالجوائز. "أنا قبلك" (2016) هو الفيلم الأول من إخراج المخرجة المسرحية ثيا شاروك، التي اشتهرت بإخراجها مسرحية وليم شكسبير "كما تهوى" لصالح مسرح "غلوب" الشهير في لندن. سيناريو الفيلم مقتبس من قبل الروائية نفسها، جوجو مويس، بحيث ارتفع تصنيف روايتها بين الأكثر روايات مبيعاً في الولايات المتحدة الأمريكية من رقم 141 إلى رقم 3. كم يذكر هذا الفيلم بأفلام من "قصة حب" (1970)، إلى فيلمي "الخلل في نجمينا" (2014) و"نظرية كل شيء" (2014). في مطلع فيلم "أنا قبلك" (2016)، نرى شاباً وسيماً في غرفة نوم فاخرة، ينهض من جوار فتاة شقراء جميلة في السرير، يرتدي ثيابه ويخرج تحت المطر، فإذا بموتوسيكل يصدمه. ما يلبث الفيلم أن ينتقل بنا لنتعرف إلى ليزا كلارك، الصبية طيبة القلب، التي تعمل نادلة في مقهى بسيط لتعيل والديها وأخوتها، لكن مساعدتها للناس البسطاء تجعل صاحب المقهى يطردها من عملها. تبحث ليزا، (لعبت دورها بتفوق النجمة الشابة إميليا كلارك،) عن عمل آخر تعيل به أسرتها، فتجد بالصدفة وظيفة كل مهمتها فيها هي العناية بالشاب بالغ الثراء الذي أصيب بشلل نصفي تام نتيجة حادث أليم. لا يبدو الشاب ويل، (لعب دوره باقتدار سام غلافلين،) سهلاً، بل شديد الانعزال والكآبة والغضب والسخرية، بحيث يرفض كل محاولة من الصبية ليزا للتقرب منه، بل يصدها إلى حد الإهانة، فتقضي الساعات وحيدة في غرفة ملحقة بغرفته، تقرأ دون أن تكلم سوى ممرضه. يستحوذ وضع الشاب الإنساني خيال ليزا، فتدرس حالته، وتفعل كل ما في وسعها لإرضائه وإسعاده، وسط دهشة والدته ووالده، اللذين يعلمان أنه يود إنهاء حياته برغبته في مصح بسويسرا بعد أن عجز الطب عن شفائه. تدريجياً، تنجح ليزا في كسر الجليد بينها وبين الشاب، وتفتنه بحيويتها وبراءتها وخفة دمها، بينما تتغلغل روحه السامية فيها بحيث تشعر بالحب تجاهه. تتمكن ليزا من إقناع ويل بأن يخرج من عزلته، فتأخذه تارة إلى سباق الخيل، وتارة يأخذها إلى حفل موسيقي. ذات مرةً، يحكي لها عن ذكرياته الجميلة في باريس. ومرة أخرى، تحكي له عن أحلامها بالاستقرار مع أي زوج كان في لندن، وتصل صداقتهما إلى ذروتها حين تصحبه إلى حفل زفاف حبيبته السابقة، فترقص ليزا معه جالسة في حضنه على كرسي العجلات أمام أعين جميع الناس، ويقضي الاثنان الليل في غرفة بفندق دون أن يكون في قدرة ويل ممارسة الحب. في عيد ميلادها البسيط، ينضم ويل بكرسي العجلات إلى حفل العشاء في بيت ليزا، يتعرف إلى أسرتها، ويهديها جوارب طويلة حكت له عن شغفها بها في الطفولة، وما يلبث أن يجد وظيفة لأبيها في قلعة أثرية تملكها أسرته الغنية. عندما تعلم ليزا بهوس ويل في الموت الرحيم، تحاول أن تثنيه عن عزمه بأن تقنعه بالذهاب معها ومع ممرضه إلى شرقي آسيا في رحلة أسطورية، علَّها تبعث فيه رغبة الحياة من جديد. يكون مشروع تلك الرحلة القشة التي تقصم ظهر علاقتها بصديقها المدرب الرياضي الساذج، لكنها تختار ألا تتخلى عن ويل الكسيح الذي صارت تربطها به علاقة روحية خالصة. على شاطئ البحر في آسيا، تبوح ليزا بعاطفتها لويل، وتناشده أن يقترن بها لتعيش معه بإخلاص حتى آخر العمر، لكن ويل يرفض، فهو يشعر أنها لا بد أن تندم يوماً على حياتها الضائعة لعجزه عن ممارسة الحب الجسدي. يعود الاثنان من الرحلة متخاصمين، فيذهب ويل إلى سويسرا، وتذهب ليزا إلى بيتها. بينما تثور والدتها، يتفهم والدها مأساة ابنته، فينصحها ألا تتخلى عن وداع ويل، وأن تلحق به إلى سويسرا، لأن بتصرفه هذا ضحى بعاطفته تجاهها من أجل مصلحتها. هكذا، يفاجأ ويل ووالديه بقدوم ليزا إلى سويسرا لتقضي مع من تحب أيامه الأخيرة. بعد شهور قليلة، نجد ليزا وحيدة في زيارة إلى باريس في رحلة نظم لها ويل كل تفاصيلها الدقيقة. نراها تقرأ في مقهى على الرصيف رسالة منه يصارحها فيها أنه شغف بها منذ أول لحظة وقعت عيناه عليها، بعفويتها الآسرة وطيبة قلبها وضحكتها العريضة وثيابها الطريفة، وأنه بادلها عاطفة بمثلها، ولذلك قرر أن يترك في حسابها مبلغاً كبيراً من المال لن تحتاج معه لأي شيء طيلة حياتها الباقية. نهاية حزينة لقصة حب غريبة بين صبية جذابة وشاب مقعد. لكن الفيلم – وتلك روعته – فيلم بالغ الإمتاع بمرحه، بحيث يجد المشاهد نفسه يذرف الدموع ويضحك في آن معاً دون أن يشعر بمرور الوقت. لا شك أن المخرجة المسرحية ثيا شاروك دخلت عالم السينما من بوابتها العريضة بفيلم بالغ الحساسية والجمال. يعزا جزء مهم من نجاح الفيلم إلى القصة المؤثرة والسيناريو المحكم، وبالأخص الحوار الذكي اللماح الذي يعبر عن هوية كل شخصية. إن صديق ليزا الذي يعمل مدرباً رياضيا يستخدم في لحظات إحباطه وهو يرى حبيبته تفلت من بين يديه تعبيرات مستمدة من عالمه الرياضي. وحوار ليزا كلارك يذكر بحوار ليزا دوليتل في "سيدتي الجميلة"، حيث تسحر براءتها الطفولية، المزيج بين البؤس والأحلام، والمرح الحيوي المنعش، مشاعر شخص يائس تماماً بعد فقدانه قواه ورجولته رغم كل ما يتمتع به من ثراء. تألقت النجمة البريطانية إميلي كلارك، (إحدى أبرز نجمات مسلسل "لعبة العروش" التلفزيوني الشهير، وخريجة معهد "دراما سنتر" في لندن،) في دور /ليزا/، مضفية على ملامحها تعابير حيوية طيلة الوقت، الأمر الذي سيرشحها غالباً للمنافسة على أوسكار أفضل ممثلة. بدوره، استطاع الممثل البريطاني الشاب سام غلافين تقديم شخصية الشاب الثري الكسيح بأسلوب هادئ وحساس، متقلباً في مزاجه وسلوكه، مبشراً بنجم سيصعد بقوة. بجوارهما، هناك والد الشاب الممثل المخضرم تشارلز دانس، (أيضاً من طاقم "لعبة العروش" التمثيلي،) ووالدته الممثلة القديرة جانيت ماكتري. أيضاً، هناك والد ليزا بابلو رايبولد، ووالدتها سامانثا سبيرو. طاقم تمثيلي متكامل أتقن أفراده أدوارهم وجسدوها بسلاسة وبراعة. قام بتصوير الفيلم ببراعة ريمي آديفورسن، وقام بمونتاجه جون ويلسون. أما الموسيقا التصويرية فوضعها ببراعة كريغ آرمسترونغ. تضافرت كل العناصر التقنية بغاية الانسجام والإبداع تحت إدارة المخرجة القديرة ثيا شاروك لتنتج فيلماً يعتبر تحفة نادرة بين الأفلام العاطفية الرومانسية، بحيث نال تقييماً بلغ 8 درجات عن كامل جدارة واستحقاق.







مواقع صديقة

 

آفاق سينمائية

مجلة إلكترونية أسبوعية