بديعة مصابني ، شغف الحياة والفن


بديعة مصابني ، شغف الحياة والفن

كانت بديعة مصابني حدثا فنيا خارقا ، على المستوى العربي خلال النصف الأول من القرن العشرين ، شمل نشاطها الفني مساحة واسعة . من دمشق لحلب لبيروت لمريكا اللاتينية ثم مصر . فلبنان مجددا . "كانت وديعة من أسرة ميسورة الحال والدها كان يمتلك مصنعا للصابون في سوريا.. وكانت فتاة شديدة الجمال والرقة.. لدرجة جعلت الجميع يطلق عليها “بديعة” بدلا من وديعة.. فهي خليط لبناني على سوري. والدتها سورية ، جميلة الشاغوري . احترق المصنع ومات الأب كمدا وفي العزاء سرقت مجوهرات أمها لتعيش العائلة بدون سند مادي أو معنوي. والمأساة الحقيقية في قصة حياة بديعة مصابني هي تعرضها لـ حادث اغتصاب وهي في السابعة من عمرها وكانت وقتها ذاهبة إلى الخمارة التي اضطرت الظروف أخاها توفيق العمل بها وإذا بصاحب الخمارة يهجم عليها بمجرد أن رآها ويغتصبها لتتحول حياتها إلى جحيم خاصة وأن والدتها آنذاك أصرت على مقاضاته.. ولم ينصفها الحكم الذي حصلت عليه بسجن صاحب الخمارة سنة وتغريمه.

ظلت بديعة مصابني تعيش مع أمها وأختها التي تكبرها “نظلة” إلى أن قررت العائلة الهجرة إلى امريكا الجنوبية للهروب من الناس وكلامهم.

ودخلت بديعة مصابني مدرسة تعلمت فيها الاسبانية وأيضا التمثيل حيث اكتشفت الراهبات هناك موهبتها في الغناء والتمثيل والرقص ولكن سرعان ما قررت والدتها إخراجها من المدرسة لتساعدها في مهنة الخياطة التي كانت الأم تعمل بها والتي كانت تدر عليهم ربحا ضعيفا.

فكرت بديعة مصابني في التخلص من حياة الفقر بأي وسيلة وتذكرت كيف كان يصفق لها أولياء أمور زملائها عندما كانت تقف على خشبة مسرح مدرسة الراهبات في أمريكا اللاتينية وقررت ترك لبنان والمجيء ووالدتها إلى القاهرة عاصمة الفن والأدب وكان هذا بالتحديد عام 1910 أي وعمرها 19 عاما وبمجرد وصولها طافت شوارع القاهرة إلى أن وصلت إلى حديقة الأزبكية وجلست في الحديقة تفكر ماذا تفعل.. ولم تدم الحيرة طويلا لأنها علمت أن بلدياتها جورج أبيض قد شغفه حب المسرح وكون فرقة مسرحية.. وبالفعل ذهبت إليه وقدمت معه بعض الأدوار ثم انضمت بعد ذلك إلى فرقة أحمد الشامي وكان فنانا مصريا كون فرقة مسرحية تجوب محافظات ومراكز مصر ليقدم مسرحياته الاستعراضية الغنائية المبهرة والتي وصلت فيها بديعة بسرعة الصاروخ لتصبح بطلة الفرقة برقصها وغنائها وتمثيلها المتميز.

نجاح بديعة مصابني جعلها تفكر في العودة لبلدها لبنان أرادت بديعة أن تقول لمن تلفظ عليها بأي كلمة أنا هنا صنعت مجدي بنفسي وأصبح الجميع يتصارعون ليظهرون توددهم لي.. وبالفعل أصبح لها اسم ساطع يتلألأ في سماء الفن.. إلا أنها سرعان ما قررت العودة إلى القاهرة بعد تحقيق هدفها في لبنان. فس هذه الفترة تعرفت وعملت مع النجم السينمائي الكبير . نجيب الريحاني ، وقد تطورت علاقتهما حتى صارت علاقة حب فزواج . الذي لم يستمر طويلا . والسبب يرجع إلى طموح بديعة مصابني غير المتناهي والذي لا يمكن أن يسايره نجيب الريحاني الذي وصفته آنذاك بالكسول في طموحه وحياته العملية أيضا لدرجة أنها قالت عنه إنه كان يحب النوم مثل عينيه وأنه من الممكن أن يصل الليل بالنهار نوما.

بعد الطلاق قررت بديعة مصابني عدم العودة للتمثيل وافتتحت صالة في عماد الدين تغني وترقص فيها وكان هذا عام 1925 فكونت فرقة غنائية راقصة ولدت عملاقة ضمت أشهر مطربي ذلك الزمن ومنهم فاطمة سري وكانت تقدم أغنية “رنة خلخالى يما” ونجاة على والشيخ سيد الصفتي ومطربة القطرين فتحية أحمد وماري جبران كما ضمت الفرقة العديد من الراقصات وعلى رأسهم الراقصة اللبنانية ببا عز الدين واختها شوشو عز الدين وبمجرد أن بدأت الفرقة إحياء ليالى عماد الدين بدأ النجوم يتهافتون عليها فتركت تحية كاريوكا صالة سعاد محاسن من أجل بديعة وترك فريد الأطرش واسمهان ماري منصور من أجلها وهجرت زينات صدقي صلات الإسكندرية وانضمت إلى بديعة وتزاحمت الصالة بالعديد من المطربين منهم محمد فوزي وإبراهيم حمودة ومحمود الشريف الذي كان يلحن ويغني في ذلك الوقت ومطرب الموشحات أحمد عبدالقادر وإسماعيل ياسين وثريا حلمي حيث سطع نجم كل هؤلاء من صالة بديعة مصابني مدرسة الفن وصاحبة الشخصية القوية و القرار الصارم والإدارة الحكيمة.

في عام 1949 طلبت مصلحة الضرائب من بديعة الضرائب على مكاسبها طوال فترة عملها بمصر وقررت وقتها الهروب بممتلكاتها إلى بلدها لبنان من خلال صديقها الإنجليزي الذي اصطحبها على طائرة خاصة إلى لبنان.

"كازينو بديعة" في شارع عماد الدين، احتل مكانة كبيرة آنذاك، فكان زبائنها من جنود الجيش البريطاني في أثناء الحرب العالمية الثانية، ورجال السياسة، شأن صالات وكباريهات شارع الهرم. قامت بديعة مصابني - في لبنان - بإنشاء مزرعة كبيرة أدارتها بنفسها، وتزوجت الشاعر إلياس خليل زخريا بعد أن قررت اعتزال الفن.إلا أنها في عام 1974، كان لها عودة وحيدة إلى الفن، عندما عرض عليها الفنان شوشوأن تشاركه في إحدى مسرحياته. فأطلت إطلالة خاطفة في مسرحية «كافيار وعدس»، مثلت فيها دور عضو في جمعية خيرية. توفيت بديعة مصابني بعد حياة مليئة بالمرارة والترف والكفاح والفن".







مواقع صديقة

 

آفاق سينمائية

مجلة إلكترونية أسبوعية