المبارز ، فيلم ملحمي بتوقيع ريدلي سكوت


المبارز ، فيلم ملحمي بتوقيع ريدلي سكوت

لم تغب الفلام الملحمية عن الشاشة الهوليوودية أبدا ، وكانت دائما بضاعة سينمائية مطلوبة ، فجسدت السينما في هوليوود افلاما كثيرة عن شخصيات عالمية في روما واليونان وغيرهما . ولعل ولع المخرج البريطاني الشهير ريدلي سكوت بالتاريخ ، أعطاه ، كسب السبق على زملائه في إخراج هذه الأفلام التي تتطلب عملا شاقا وخبرة هائلة في تنفيذ العمل . المبارز ، فيلم صور في عام 2000 في المملكة المغربية ، وبعض المناطق المتوسطية الأخرى ، لعب دور البطولة فيه الممثل العالمي راسل كرو . وكان حدثا سينمائيا هائلا في تلك الفترة . الأمر الذي كرره سكوت لاحقا بفيلم ملحمي أهم هو مملكة الجنة ، الذي تحدث عن شخصية صلاح الدين الأيوبي ، والتي لعب دور البطولة فيه الفنان السوري غسان مسعود .

رشح الفيلم للفوز بجائزة الأوسكار لفئة أفضل مخرج، فقد فاز الفيلم بجائزة أفضل فيلم سينمائي للعام إضافة لجائزة الغولدن غلوب لفئة أفضل فيلم ، زيادة على فوزه بأربع جوائز أخرى للأوسكار . كثيرا ما تحدثت عنه الصحافة في العالم : "أعاد هذا الفيلم الاعتبار لأفلام الملاحم التاريخية، التي مجّدت الإمبراطورية الرومانية وحقبتها، حيث العبيد ومقابليهم الجلادين، وحيث الأباطرة العظماء، ومجلس الشيوخ العتيق، وحيث المعابد للصلاة، والمدرجات المطلة على حلبة المصارعة. قيصر روما "ماركوس أوريليوس" يلعب دوره القدير الراحل "ريتشارد هاريس" وهو على وشك الموت، ويستطيع رؤية ماكسيموس الخليفة الأمثل له ولعرشه ولمستقبل روما الذي يسعى أن تتحول لجمهورية، ولكن ماكسيموس لا يحتاج هذا المنصب بقدر أنه لا يريده، يفضل العودة لزوجته وابنه.

ولكن في الوقت الذي يبلغ فيه القيصر ولده هذا القرار ستكون نقطة التحول في الفلم، القيصر يُقتل على يد ولده الجشع الغيور.. وعدم تعاون ماكسيموس معه ورفضه ولاءه له ، يؤدي إلى مقتل زوجته وولده وهروبه إلى إقليم روماني يدعى "روكابار" ليعيش حياة أخرى مختلفة كلياً.. حياة عبد ذليل يستعمل لتسلية الجمهور في القتال. إن المشاهد التي يصورها ريدلي سكوت في المدرج الروماني عبارة عن متعة وإثارة بحتة، ولكنها فعلاً مصنوعة بميزان دقيق، فنحن بالكاد نستطيع أن نلتقط أنفاسنا رهبةً من وحشية وقسوة هؤلاء المقاتلين، الأجواء التي يصنعها سكوت هي كلاسيكية و عودة إلى الجاهلية الهمجية التي كان يتسلى بها أبناء ذلك العصر.

هوفيلم تاريخي ملحمي من إنتاج أمريكي بريطاني مشترك (155 دقيقة) أخرجه في عام 2000 ريدلي سكوت، ومثّله راسل كرو، خواكين فوينكس، كوني نيلسن، رالف موللر، أوليفر ريد (في آخر دور له في حياته)، دايمون هونسو، ديريك جاكوبي، جون شاربنل، وريشارد هاريس. جسّد "كرو" شخصيّة القائد الشجاع "ماكسيموس" ، وعندما بدأ عرض الفيلم في 5 ايار 2000 نجاحا كبيرا في شباك التذاكر ، واستُقبل نقديا بصورة جيدة، وكان له الفضل في إشعال الإهتمام بالملاحم التاريخية،

تدور أحداث الفيلم في سنة 180 ق . م . يحقق القائد الشجاع "ماكسيموس" انتصارا حاسما للجيش الروماني على القبائل الجرمانية بعد مسيرة حرب طويلة دامية على حدود الإمبراطورية الرومانية، محقّقاً الظفر النهائي للإمبراطور "ماركوس أوريليوس" الذي كان هرِما ويوشك على الموت، وبرغم أن لديه ابناً هو "كومودوس" فإنه يطلب من ماكسيموس أن يكون وصيّاً على العرش ، ويعيد روما إلى الجمهورية. حدّث الإمبراطور ابنه بالأمر لاحقاً ، لكن الإبن خنق أباه وانتزع العرش مدّعياً أن أباه لفظ أنفاسه في موت طبيعي.

قابل كومودوس ماكسيموس ، وطلب منه إعلان ولاءه له ، ولكن الأخير رفض. أمّا القائد كوينتوس، قائد الحرس الإمبراطوري، وهو صديق ماكسيموس فإنه يعلن ولاءه لكومودوس ، ويُعتقل ماكسيموس ويؤخذ إلى إحدى الغابات كي يُعدم، لكنه يستطيع الهرب ويقتل الحرّاس بمساعدة خادمه المخلص "سيليسيو" الذي يلاحق المجموعة عن بعد، وعندما يصل ماكسيموس إلى إسبانيا حيث بيته هناك يجد أن رجال كومودوس قد قتلوا زوجته وابنه الوحيد وصلبوهما ببشاعة. فينهار ويفقد الوعي. وتمر قافلة لتجارة الرقيق تأسره وتذيقه العذاب والمهانة وتنقله إلى أفريقيا الرومانية وهناك يُباع إلى رجل اسمه "بروكسيمو" يستخدمه كمبارز.

يُجبر ماكسيموس على خوض نزالات المبارزة في المباريات المحلية التي ينتصر فيها كلّها بسبب مهارته الفائقة، في روما تجري مباريات غير متكافئة ابداً بين فريق ماكسيموس الذي يقاتل أفراده شبه عراة بالسيوف والحراب ، ومقاتلين مدرّعين ومزوّدين بالسيوف والرماح ويركبون العربات الحربيّة. ولكن بقيادة ماكسيموس ومهارته ينتصر فريقه وينزل كومودوس بنفسه ليهنّيء المبارز الفائز الذي يخلع خوذته فيظهر أنه ماكسيموس الذي يخبره بأنه سوف يثأر منه في يوم من الأيام. لم يستطع كومودوس قتل ماكسيموس في المكان لأنه سيفقد تأييد الناس كما أن الجمهور كان يحيي ماكسيموس بحرارة.

يدعو كومودوس مصارعاً شهيرا كان قد نال حريته أيضا لأنه لم يُهزم أبداً هو "تايكريس". وفي الملعب يقوم الحرّاس بمحاصرة ماكسيموس بالنمور الجائعة من الخلف وهي هائجة ، في حين يهاجمه تايكريس من الأمام. وخلاف كل التوقّعات ينتصر ماكسيموس ويرفض قتل تايكريس الجريح برغم أمر كومودوس بقتله ، فيبدأ الجمهور الغفير بالهتاف: "ماكسيموس الرحيم"، وهذا يُشعل غضب كومودوس فينزل ليواجه ماكسيموس محاصرا بالحرس الإمبراطوري ، ويبدأ بإهانته هامسا بالحديث عن اغتصاب زوجته عدة مرات ولكن ماكسيموس يستدير ويبتعد عنه ويفسح له الحرس الإمبراطوري الطريق بكل احترام ، وهذ إهانة كبرى للإمبراطور.

في طريق العودة إلى مقر المصارعين، ووسط جموع الناس التي تحييه، يقترب منه خادمه الوفي ليخبره أن جيشه السابق يعسكر في إحدى المقاطعات ويحتفظ بالولاء له. ترتب "لوسيلا" شقيقة كومودوس التي تكره سلوكه، و"غراشيو" عضو مجلس الشيوخ اجتماعا سرّيا مع ماكسيموس ويتفقان معه على تهريبه من السجن ليلتحق بجيشه ، ويُسقط كومودوس بالقوة ويسلم السلطة لمجلس الشيوخ. يشك كومودوس يوجود مؤامرة ضده ويُجبر لوسيلا على الإعتراف بعد تهديدها بقتل ابنها الوحيد. يحاول الحرس الإمبراطوري إلقاء القبض على ماكسيموس ولكن بروكسيمو يتأخر في فتح الباب ليعرقلهم ويمنح ماكسيموس الوقت للهرب. وعندما يقتحم الحراس المكان يقاتلهم المبارزون لحماية ماكسيموس فينتصر الحراس ويُقتل هاغن وغيره، ويتم إعدام بروكسيمو، وعندما يصل ماكسيموس المكان المتفق عليه يجد نفسه محاصرا بالحراس الذين يلقون القبض عليه من جديد .

يزور كومودوس الغاضب واليائس من الخلاص من ماكسيموس ، الأخير في السجن، ويقترح عليه المبارزة بينهما لحسم الأمر، يوافق ماكسيموس ، ولكن كومودوس يطعن ماكسيموس المقيّد في صدره قبل خروجه، بحيث أن ماكسيموس حين يصل الملعب يكون في ضعف شديد بسبب النزف. وخلال المبارزة يحاول ماكسيموس تجريد كومودوس من سلاحه وينجح في ذلك، وعندما يطلب كومودوس من الحرس الإمبراطوري الهجوم على ماكسيموس يخونه كوينتوس في هذه اللحظة ويمنع الحراس من التنفيذ. يسحب كومودوس خنجرا كان يخفيه في كمّه ويحاول طعن ماكسيموس ولكن الأخير يغرسه في نحره ويقتله.

يسقط ماكسيموس مغشيا عليه بسبب النزف من طعنة كومودوس الغادرة، ولكن قبل أن يلفظ أنفاسه يأمر بتحرير العبيد وعودة روما إلى الجمهورية. ثم تبدأ رؤى الموت حيث يشاهد نفسه ماشيا في حقول الحنطة الكثيفة وزوجته وابنه يلوّحان له. تنزل لوسيلا إلى الملعب وتحتضن جسد ماكسيموس ثم تطلب من المبارزين حمله وسط وقوف الجمهور بخشوع واحترام. في المشهد الأخير، يزور "جوبا" صديق ماكسيموس الملعب ليلاً ليدفن تمثالي زوجته وابنه المصغّرين الذين كان ماكسيموس يحملهما معه، في نفس المكان الذي مات فيه، ويعده بأنه سيلتقي به في الآخرة. خلال اسبوعين قبل التصوير اشتكى الممثلون من مشكلات مع النص، تمّ استدعاء "ويليام نيكلسون" إلى الأستوديوهات لغرض جعل شخصية ماكسيموس أكثر حساسية وتأثيرا، فطوّر صداقة جوبا معه وأدخل موضوعة النظرة إلى الآخرة قائلاً إنه لا يريد مشاهدة فيلم عن رجل يريد قتل شخص آخر.

ثم تعرض السناريو للعديد من المراجعات والإنتقادات بسبب مقترحات راسل كرو عن دوره، كان كرو يتساءل عن كل جوانب النص وعندما لا يجد جوابا يبدأ بالسير أمام الطاقم ، وحسب مسؤولي دريمووركس "حاول كرو إعادة كتابة النص بأكمله في الموقع، أنتم تعرفون العبارة الكبيرة في الشريط : في هذه الحياة أو الحياة المقبلة سوف آخذ بثأري" . في البداية رفض كرو النطق بها رفضا مطلقاً، قال نيكلسون، كاتب السيناريو الثالث والأخير، أن كرو قال له : "إنّ ما تكتبه عبارة عن نفايات، ولكنني أعظم ممثل في العالم، حتى النفايات أجعلها أشياء جيّدة". علق نيكلسون على ذلك بالقول قد يكون ما كتبته نفايات، لكنه قال ذلك بصورة مباشرة وصريحة.

حدث غير متوقع حصل خلال تصوير الفيلم وهو وفاة أوليفر ريد بسبب نوبة قلبية خلال التصوير في مالطا، قبل تصوير المشاهد الخاصة به كاملة. عملت الشركة على تصميم صورة ثلاثية الأبعاد لوجه أوليفر ريد من اللقطات السابقة وصُنع قناع لوجهه وأكملت اللقطات عن طريق الكمبيوتر، وكانت كلفة دقيقتين من اللقطات الإضافية هو (ι3) مليون دولار. المشرف الرئيسي على المؤثرات الصورية جون نيلسون قال عن هذه اللقطات الإضافية: ما قمنا به لا يُقاس بالمهمات الأخرى التي أنجزناها، كما أنه لا يُقارن بما قدّمه أوليفر ريد من أداء ملهم ورائع، كل ما قمنا به هو مساعدته على إكمال دوره" . أهدي الفيلم إلى ذكرى أوليفر ريد.

قوبل فيلم المبارز بصورة جيدة من الناحية النقدية، فقد منحه 77% من نقاد موقع "الطماطم الفاسدة" تقييما إيجابيا بمعدل 7 من 10 درجات، اما موقع الـ Metacritic الذي يستخدم تقييما مئوياً فقد منحه 66/100 على أساس مراجعة 37 مقالة نقدية. اعتبرت الـ CNN معركة جرمانيا كواحدة من أفضل المعارك التي صوّرت على الشاشة، بينما اعتبرت مجلة Entertainment Weekly ماكسيموس كواحد من أفضل ست أبطال لأفلام الحركة في تاريخ السينما، بسبب أدائه الحديدي المفعم بالعاطفة، واعتبرت الفيلم كثالث أفضل أفلام الإنتقام. في كانون الثاني من عام 2000 اعتُبر الفيلم أفضل فيلم لهذا العام من قبل مشاهدي موقع "Film 2000" حاصلا على 40% من الأصوات، وفي عام 2000 وفي استفتاء أجرته القناة الرابعة الإنكليزية اعتُبر سادس أعظم فيلم في تاريخ السينما، وقال بول أشبورن ،وهو من النقاد المعروفين، إنه فيلمه المفضل في كل الأوقات، وأنه شاهده سبعين مرة، فالفيلم – كما قال – يمتاز بحبكة قوية محكمة، ومؤثرات أعادتنا إلى عصر الإمبراطورية الرومانية.

لكن لم يخلوا النقد من ساخرين ومتهكّمين، فقد انتقده "روجر إيبرت" بقسوة ووصفه بأنه "مشوّش، غامض، ومبهم"، وقد سخر من مزاعم الكتّاب بأنهم وظّفوا الكآبة بديلا عن الشخصية ، وقال إذا كانت الشخصيات متألّمة وعابسة بدرجة كافية، فنحن لم نشاهد كم هي كئيبة وثقيلة"، كما وصفه "كاميل بازليا" بانه مزعج ومصوّر بصورة رديئة ومثقل بعواطف رديئة.

حصل الفيلم على 34800000 دولار خلال الأسبوع الأول من عرضه في 2938 دار سينما أمريكية، وخلال اسبوعين تجاوزت أرباحه كلفته التي بلغت 103 مليون دولار، وقد استمر الفيلم في تحقيق الأرباح ليصبح أكثر الأفلام أرباحاً في عام 2000، وكان مجموع أرباحه خارج الولايات المتحدة هو 457,640,427 دولار أمريكي، كما حصل على 187 مليون دولار في صالات الولايات المتحدة ، و 269 مليون دولار في الأسواق خارج أمريكا. رُشّح فيلم المبارز لجوائز في 36 مهرجاناً، من ضمنها حفل الأوسكار السابع والثلاثين، ومهرجان BAFTA ، والغولدن غلوب. ومن بين 119 ترشيحاً فاز الفيلم بـ 48 جائزة. فاز الفيلم بخمس جوائز أوسكار، ورُشح لسبع أخرى من بينها أفضل سيناريو وافضل ممثل مساعد لخوكين فوينكس وأفضل مخرج لريدلي سكوت. كان الفيلم الأول الذي يفوز بجائزة أفضل فيلم دون أن يفوز بجائزتي أفضل إخراج وأفضل سيناريو منذ فيلم "الإستعراض الأعظم على الأرض - The Greatest Show on Earth" في حفل الأوسكار الخامس والعشرين عام 1953.

ناقد آخر قال إن حبكة المبارز تتلخّص في "الجنرال الذي أصبح ، عبداً ، العبد الذي أصبح مبارزاً ، والمبارز الذي هزم امبراطوراً" . وهل هناك أكثر من ذلك ؟ راسل كرو يبحث عن الإنتقام لزوجته وابنه . واو .. إنه موضوع لم يُطرق من قبل ! والشخص الذي يريد الإنتقام منه هو امبراطور روما ".







مواقع صديقة

 

آفاق سينمائية

مجلة إلكترونية أسبوعية