أسطورة طرزان

الإصدار: العدد مائة واثنان و اربعون

أسطورة طرزان

د. رياض عصمت

    راودت فكرة القيام بإنتاج فيلم جديد عن شخصية طرزان، التي ابتدعها الأديب الأمريكي إدغار رايس بوروز، عدداً من المنتجين بعد انصرام زمن طويل دام زهاء 17 عاماً، ليعيدوا لعشاق تلك الشخصية البطولية الخارقة أمجاد سيد الوحوش في إطار فني جديد ومعاصر يستفيد من تقنيات الكومبيوتر الحديثة. لعب شخصية طرزان في السينما والتلفزيون نحو 16 ممثلاً، أقدمهم هو إلمو لينكولن. لكن أشهر من جسد شخصية طرزان في 12 فيلم هو بطل السباحة الأولمبي جوني ويسملر، مضفياً لمسة إنسانية عليها من خلال علاقته بحبيبته /جين/ وقردته الطريفة /تشيتا/، ثم بابن من لحمه ودمه، منتقلاً به من غابات أفريقيا وصولاً إلى نيويورك. يعود أصل طرزان حسب الرواية إلى أسرة إنكليزية أرستقراطية نبيلة هي عائلة /غرايستوك/، ربما لأن أصل عائلة بوروز نفسها بريطاني، بغض النظر عن إقامته في ضواحي شيكاغو. لعل من الطريف أن إدغار رايس بوروز لم يزر أفريقيا قط حين ابتدع شخصية طرزان، ورغم ذلك تلا نجاحه الأدبي الأول ب 25 رواية تالية عن البطل نفسه. الحق يقال، إن عديداً ممن أدوا شخصية طرزان بعد جوني ويسملر واجهوا الفشل الذريع، باستثناء نسبي لممثلين هما ليكس باركر، (الذي أدى دور طرزان في خمسة أفلام بين عامي 1949 - 1953،) وغوردن سكوت، (الذي أدى دور طرزان في ستة أفلام بين عامي 1955 – 1960.) بدا لحقبة من الزمن أن أفلام طرزان تسير إلى أفول، فلم ينتج سوى فيلم "طرزان الرجل القرد" (1981) من بطولة نجمة الإغراء بو ديريك مع ظهور طرزان كشخصية ثانوية، ولقي الفيلم آنذاك فشلاً ذريعاً. لكن الفيلم الجاد الوحيد الذي قارب طرزان قبل فيلم 2016، وكان مقبول النتيجة هو فيلم "غرايستوك: أسطورة طرزان سيد القرود" (1984) من بطولة النجم كريستوفر لامبرت، وإخراج هيو هدسون، وكان الاقتباس الأكثر أمانة لرواية إدغار رايس بوروز الأصلية. لكن جدية الفيلم المفرطة، وواقعيته الصارمة، جعلته يفقد جاذبية المغامرة والتشويق والمرح والفكاهة، وهي عناصر مألوفة ومحبوبة في سلسلة أفلام طرزان، فلم يحقق سوى نجاحاً فوق المتوسط بقليل. جدير بالذكر أيضاً، إن شخصية طرزان ظهرت تلفزيونياً في مسلسلين متوسطي النجاح توجها إلى اليافعين، كما ظهر في عدة أفلام رسوم متحركة لقيت رواجاً لدى الأطفال، خاصة فيلم عام 1999 الشهير، الذي تميز كثيراً عن بقية أفلام الكارتون. 

شخصية طرزان، التي تبدو سهلة ظاهرياً، تتطلب جاذبية من نوع خاص، لا تتعلق بالتأرجح على حبال الغابات الليفية، مصادقة الغوريللات، مصارعة الحيوانات المفترسة في البر والماء، ومقاومة الأشرار في مجاهل القارة السوداء. إنها شخصية تجسد الإنسان الفطري البريء الكامن في كل منا، وهو هنا ينشأ برعاية أنثى غوريللا بعد مصرع والديه عقب حادثة طائرة تحطمت في أفريقيا، ويشب على قوة ومهارة فاقت أقرانه من جنس القردة، بحيث أخضع بذكائه الأفيال والنمور، وأصبح /سيد الغابات/ بصرخته الداوية الشهيرة. لكن طرزان، الرجل البدائي القوي والمهيمن، سرعان ما تروضه مشاعر الحب تجاه صبية من العالم المتحضر تزور أفريقيا مع أبيها، ويتبادل معها لغة الإشارة قبل النطق بالكلام، لتصبح /جين/ حبيبته ثم زوجته، أي نصفه الآخر الجميل عبر مغامراته المثيرة.

في البداية، كانت الفكرة أن يقتبس سيناريو فيلم "أسطورة طرزان" (2016) عن روايتي إدغار رايس بوروز ""عودة طرزان" و"طرزان ومجوهرات أوبار"، (و/أوبار/ هي مدينة مفقودة متخيلة في روايات بوروز عن مغامرات طرزان.) لكن كاتبي السيناريو آدم كوزاد وكريغ بروار ما لبثا أن ابتعدا عن الروايتين معاً ليؤلفا قصتهما الخاصة التي تدور عن مطامع ملك بلجيكا في الحصول على الماس والجواهر من الكونغو لتمويل جيش مملكته، فيرسل أحد أعوانه الدهاة القساة ليفاوض زعيم أكبر قبائل الكونغو، فإذا به يطلب ثمناً لتلك الثروة رأس طرزان، الذي سبق أن قتل ابنه الوحيد قبل أن يهجر الغابة ليعيش مع زوجته جين حياة أرستقراطية في لندن. في الواقع، يعزا قدر كبير من نجاح فيلم "أسطورة طرزان" إلى موهبة المخرج ديفيد ييتس في توزيع الأدوار، فبالرغم من المرشحين والمرشحات اللامعين لأداء الشخصيتين المحوريتين، راهن المخرج على ألكسندر سكاسغارد ومارغوت روبي، ونجح في رهانه. لكن الخطوة الأهم كانت في استقطاب اثنين من حائزي أوسكار التمثيل، الأول منهما هو الممثل النمساوي القدير كريستوف وولتز، الذي لمع في دور الشرير في فيلم جيمس بوند "سبكتر"، وقبله في دور الطيب في "دجانغو" ونال عن دوره أوسكار أفضل ممثل مساعد، وهو ممثل قادر على تقمص شخصيات متباينة للغاية كما عهدناه في دور /الكردينال ريشيليو/ في فيلم " "الفرسان الثلاثة"، مجزرة" و"ماء للأفيال"، وجميعها كانت في عام 2011، مما رسخ شهرته كممثل مساعد شديد الحضور والحرفية. مجرد جلب كريستوف وولتز لأداء دور /الكابتن روم/ في فيلم "أسطورة طرزان" مكسب كبير، فقد أضفى ببروده القاتل شعوراً بالخطورة والتوتر، خاصة وأنه يستخدم سلاحاً غريباً لخنق خصومه، هو عبارة عن مسبحة لا تفارق يده طيلة الفيلم. أما الممثل الكبير الآخر الذي استقطبه المخرج ييتس بنجاح فهو النجم الأسود المخضرم صموئيل ل. جاكسون، مسنداً إليه دور شخص أمريكي غامض يساعد طرزان في مهمته لإنقاذ العبيد من الرق، في تحرير زوجته /جين/ من الأسر، وفي الإيقاع بعملاء ملك بلجيكا وإفشال مخططهم. 

    من جهة أخرى، أحسن المخرج ديفيد ييتس اختيار طاقم تقني كفؤ، يتصدره مدير التصوير هنري براهام، وبالأخص المونتير الذي ساعده في أفلام هاري بوتر، مارك داي. كما استعان بمصمم إنتاج بارع هو ستيوارت كريغ، وبمؤلف موسيقي موهوب هو روبرت غريغسون-وليامز. أما باقي الطاقم التقني، فتضمن أسماء عديدة جداً قامت بالحيل الكومبيوترية المدهشة، والخدع البصرية المبهرة، في فيلم حافل بالحركة والإثارة، لكنه حافل أيضاً بقصة جيدة وتمثيل مقنع. حاول الكاتبان والمخرج من ناحية أخرى خلق نوع من التوازن بين قوة طرزان الأسطورية التي تجعله يقتحم عربة قطار ويضرب مجموعة كبيرة من الجنود دون وجل، وبين هزيمة طرزان في معركة مع غوريللا شرس اعتبر رحيله عن قبيلته خيانة تستحق الضرب. باختصار، نجحت فكرة جعل طرزان مخلوقاً من لحم ودم، ينتصر تارة، ويُهزم أخرى. إنه هنا يحب ويكره، يتمتع بتصرف ذكي حيناً، ويخطئ التقدير حيناً آخر. تلك اللمسات الإنسانية في سيناريو الفيلم قادت الشخصية في النهاية إلى أن تنجب طفلاً من شريكة العمر، مما يبشر بالتأكيد بفيلم ثانٍ قادم على أقل تقدير.







مواقع صديقة

 

آفاق سينمائية

مجلة إلكترونية أسبوعية