فؤاد مسعد :
المخرج هو القائد الفعلي للعمل الفني ، هي بديهية يبدو أن أركانها بدأت تتزلزل أحياناً ، ففي زمن بات للمحسوبيات مكانها وللفن تجاره ولرأس المال مكانته السلطوية على الإبداع ألا يزال المخرج هو القائد الحقيقي للعمل حقاً ؟.. سؤال يتبادر إلى الذهن لدى متابعة بعض الأعمال الدرامية التلفزيونية التي تُنتج هنا وهناك برأس مال معروف مصدره أحياناً وغير معروف أحياناً أخرى أو أن مصدره (ضمير مستتر) ، ففي حين كان المخرج هو سيد الموقف في موقع التصوير وفي اختيار ممثليه ولقطاته وأفكاره ، ذهب البعض إلى التنازل عن هذه البديهية وسال لعابهم أمام مغريات تُقدم لهم ليصبحوا مخرجين رغم أنف الحالة الإبداعية ، وعديدة هي الأمثلة التي تبوأ فيها أشخاص غير أكفاء مرتبة (مخرج) لأن الشركة الإنتاجية قررت أن ترقّي هذا العامل أو ذلك المصور إلى هذه المرتبة لأنه الأقل سعراً والأكثر طواعية ليصبح أداة تنفيذ لا أكثر ، وعلى الرغم من ذلك يُطلق عليه لقب مخرج ، شأنه في ذلك شأن مخرجين كبار أسسوا وبادروا وقدموا الرؤى والأفكار الهامة في ساحة تحفل بالصالح والطالح .
تفريخ مخرجين (حسب الطلب) أحدث خلخلة في الميدان الإنتاجي وفي الأعراف والتقاليد ، لأنه هنا هو ليس إلا مجرد (عبد مأمور) وضمن هذه المنظومة تأتي آلية التعاطي مع المُنتج الدرامي وفق منظور ضيق الأفق فتطفو على السطح ظواهر إنتاجية دخيلة ، لم يكون أولها الزج بعديمي الموهبة إلى أدوار لا يستحقونها مقابل تجاهل الفنانين الحقيقيين ، وليس آخرها غض الطرف عن أعراف سعى هؤلاء (عديمي الموهبة) إلى تكريسها بقصد الظهور على أكتاف الآخرين وإرساء قواعد جديدة للعبة تخدم مصالحهم وظهورهم بالطريقة التي يريدونها وبموافقة وتشجيع الجهة المنتجة المتحكمة الأساسية بالعمل الدرامي في هذه الحالة ، مما يجعل صفة (إبداع) توضع جانباً لتبرز مكانها صفات أخرى ملمحها إرضاء هذا الفنان أو تلك الفنانة على حساب جودة العمل ، فالمهم في النهاية نيل شهادة الرضا من ولي النعمة ليضمن (المخرج) لنفسه مكاناً في المسلسل القادم بصفة مخرج ، والمصيبة أنه بعد عدة أعمال يصبح بالفعل مخرجاً بصيغة (فرض الأمر الواقع) ، وهنا لا بد من الإشارة إلى أن التنازل الذي يقدمه بعض المخرجين لإرضاء الجهة المنتجة هو نفسه الذي يقدمونه أمام نجم كبير يفرض شروطه أمام الكاميرا بالطريقة التي يريد ويرغب ، الأمر الذي يرفضه المخرج الحقيقي المثقف وصاحب الرؤيا والمشروع الإبداعي ، المتمكن من أدواته والعارف بأصول المهنة وبما يريد الوصول إليه في عمله .
ـ سرقة موصوفة : ولعل من العادات الطفيلية التي تحمل في مضمونها ما يسيء إلى أخلاقيات هذه المهنة واستطاعت التسلل إلى جسد العمل الدرامي التلفزيوني بشكل أو بآخر ما اصطُلِح على تسميته بـ (سرقة الكاميرا) مما يشي بأن فعل السرقة لم يعد حكراً على الماديات أو سرقة الأدوار والأفكار والنصوص ، فهي أمور بتنا نسمع عنها دون حياء أو خجل ، في مهنة يغض البعض الطرف عن ضوابطها الأخلاقية والإبداعية التي تنظم العمل فيها ، تلك الضوابط التي حرص الفنانون القدامى على تكريسها وتوريثها إلى الأجيال اللاحقة ، إلا أن دخول كل من هب ودب إلى حقل الوسط الفني أفضى إلى ما وصلنا إليه . والأدهى أن هناك من الفنانين والفنانات من يرى بالتعامل مع مفهوم (سرقة الكاميرا) نوعاً من (الشطارة) ، وعلى الرغم من قلة مرتكبيها إلا أن هناك من امتهنها وأصبح عارف بخفاياها ، وتقع هذه السرقة فيما بين الممثلين أثناء التصوير ، فإن جمع مشهد بين عدة فنانين قد يقع أحدهم فريسة لإغواء الكاميرا فيحاول سرقة الكاميرا منهم وجذب الانتباه إليه كأن يتحرك ولو بحركة بسيطة ليجعل من خلالها وجهه هو بالذات مواجهاً للكاميرا دون الآخرين فيفقد بذلك المشهد مصداقيته كونه لم يعد جماعياً بالمعنى الكامل للكلمة وإنما أصبح ممسوخاً بدافع الأنانية ، وهناك من تسعى من خلال ما ترتدي من ثياب قد تكون خارجة عن المألوف سرقة العين إليها ، وقد بات عدد من الفنانين يتفاخرون (وإن بالسر) بموهبة إتقانها واختراع أساليب مبتكرة لها من الصعب أن يدركها الفنانون الآخرون (المسروق منهم) فلا تثير الانتباه وقت التصوير وتمر على المخرج عن قصد أو عن دون قصد منه !!.
والسؤال : هل استعاض البعض عن مهارتهم بالتمثيل نحو طرق أخرى كي يفرضوا أنفسهم ؟ كيف يتعامل الممثل مع هذه الظاهرة إن مورست عليه ؟ ثم أين المخرج المتابع الذي يوقف هؤلاء عند حدودهم ؟.
ـ التفاعل مع الكاميرا : عادة ما يرسم المخرج (القائد الفعلي للعمل) حدود العلاقة بين الممثل والكاميرا ، فيضع الكاميرا بالمكان المناسب الذي يساعد الفنان على التواصل والتفاعل معها بالشكل الأمثل دون أن يضطر للجوء إلى اصطناع حركات غير مبررة أو السعي إلى سرقة عين المشاهد ، لأنه من مهام الممثل أن يحس بالكاميرا عبر تقنية تعامله معها بالطريقة الفضلى ضمن اللحظة الدرامية التي يعمل فيها ، ولكن قد يخرج هذا المفهوم عن سياقه وينحرف نحو مفهوم (سرقة الكاميرا) التي تعتبر فعلاً فردياً يسيء إلى آلية العمل الجماعي ، والكثير من الفنانين يعتبرونها أمراً غير أخلاقي ، إلا أنهم يعبرون عن عدم اكتراثهم بها لأنها باتت من الأمور التي يكتشفها الجمهور بسرعة فهي غير خافية عليه
ولكن كيف يتعامل المخرج معها ؟.. يقول المخرج فردوس أتاسي : المخرج الجيد لا تمر عليه محاولة الممثل سرقة الكاميرا ويستطيع ضبط المسألة فينبهه ويعيد تصوير اللقطة من جديد ويصادف في كثير من الأحيان أن يسعى ممثل لفعل ذلك على حساب زميله ، ولكن قد يكون أحد الكومبارس بطل المشهد الذي نصوره بينما يكون حضور بطل العمل ثانوياً في المشهد فبطل العمل لا يكون بطل كل المشاهد وبالتالي ينبغي على المخرج أن يحسب حساب كل الأمور وأن يعرف من هو بطل مشهده الحقيقي ويتعامل على هذا الأساس .
فسرقة الكاميرا عندما تحدث قد تضر بمفهوم المشهد نفسه وتشعرك أن هناك خطأ ما حتى على المستوى الجمالي للقطة .. لكن في بعض الأحيان تجد مخرجين يتغاضون عن سرقة الكاميرا وبرأي أنه يمكن للمخرج التغاضي عن هذا الأمر في بعض الأحيان فقط شرط أن تكون السرقة ضمن حدودها الدنيا وفي إطار المنطق الذي لا يسيء للمشهد .