فؤاد مسعد
(شركة "فلان" للإنتاج التلفزيوني والسينمائي) هو شعار رنان يرفعه العديد من أصحاب الشركات الإنتاجية ليكون جواز سفر يشرح طبيعة عملهم ويشكّل بطاقة تعريف لهم نحو الآخر ، ولكن إلى أي مدى تتم ترجمة هذه العبارة البرّاقة على أرض الواقع ؟ وما عدد الشركات التي أنتجت بالفعل أعمالاً سينمائية إلى جانب إنتاجها للأعمال التلفزيونية ؟ وهل لديها قناعة بأهمية الفيلم السينمائي وبأنه أولوية أم تراه ترفاً وخسارة بخسارة ودخولها إلى مضماره يبقى من باب المجاملة ليس أكثر ؟..
هي تساؤلات تُثار أمام جهل البعض لما يترتب عليهم القيام به لتحقيق الشعار الذي رفعوه كي لا يبقى مجرد مانشيت دعائي فارغ ، وإنما يتحول إلى فعل حقيقي يعكس هوية الشركة المنتجة وما تقوم بإنجازه من أعمال ، وهنا يصح اسقاط المثل القائل (أسمع جعجعة ولا أرى طحناً) على حال التصريحات التي كان يُطلقها بعض المنتجين .
سبق وكان للقطاع الخاص في السنوات العشر الأخيرة مساهمات خجولة في الإنتاج السينمائي ، إما من باب الإنتاج المشترك مع المؤسسة العامة للسينما أو من خلال إنتاج فيلم هنا وآخر هناك مع فارق زمني بين العملين أو أن الفيلم بقي يتيماً للشركة المنتجة ، ومع صدور القرارات والمراسيم التي تشجع على تنشيط القطاع الخاص في اتجاه العمل في الحقل السينمائي بقيت التصريحات التي أطلقها منتجو الدراما التلفزيونية لولوج عوالم الإنتاج السينمائي أكبر بكثير من الأفعال التي كانت سمتها العمل الفردي .
مما لا شك فيه أن دخول مجال الإنتاج السينمائي ليس بالأمر السهل ولكنه ليس بالأمر المستحيل ، فحجة المنتجين دائماً أن الفيلم هو عمل خاسر على الصعيد الإنتاجي ، فهو يتطلب أن يحقق ربحاً من خلال (شباك التذاكر) لدى عرضه في دور العرض المحلية ، حتى أن أحد المنتجين يؤكد أن الفيلم السوري إن لم يحقق عائدات من الصالات السورية تبلغ على الأقل 10% من كلفته فعندها سيكون هناك مشكلة حقيقية في آلية الإنتاج واستمراره ، ودائماً كانت الجدلية قائمة بين أيهما أولاً الصالة أم الفيلم ، فالمنتج يريد صالات حديثة مُعدّة بالأجهزة الحديثة والمتطورة ليجني الربح من عرض ما ينتج من أفلام وصاحب الصالة يشتكي من ضمن ما يشتكي أنه بحاجة للفيلم السوري ليكون زاداً لدار عرضه وبالتالي يمسي هو المحفز له كي يحدّث ويطور صالته ، ولكن هل سوق الفيلم يقتصر على صالة العرض المحلية ؟..
رغم أن هناك صالات عرض تتمتع بالسوية العالية فعلاً ، ولكن من أراد العمل سيجد له الكثير من السبل والحلول التي ليس أولها تسويق الفيلم وبيعه للعرض في صالات عرض عربية (فالفيلم السوري له سمعته الطيبة عربياً) ، وليس آخرها المشاركة في المهرجانات أو عرضه على المحطات التلفزيونية المتخصصة بعروض الأفلام ، وتجدر الإشارة ضمن هذا الإطار إلى أن حال توزيع الفيلم السينمائي يختلف كلياً عن حال توزيع العمل الدرامي التلفزيوني ، فالأمور في السينما أوضح وأرقى وأكثر حرفية ، فموزع السينما يقرأ النص ويعرف مستوى الفيلم وإن كان سيجذب الجمهور أم لا ، وبالتالي المعيار هنا الناس وليس المحطة ولا مدير الشراء فيها ولا الإعلان .
ومن ضمن الحلول التي يمكن الحديث عنها أيضاً أن يتم إنتاج الفيلم بصيغة مشتركة بين عدة شركات ، وهي صيغة معروفة عالمياً وليست بالخافية على أحد . ويبدو أننا اليوم بحاجة إلى المنتج الواعي الذي يؤمن بالمشروع الابداعي وبأهمية دور القطاع الخاص وانخراطه في عملية الإنتاج السينمائي ، وقد كانت هناك محاولات سابقة لمنتجين أدلوا بدلوهم في الإنتاج التلفزيوني وقدموا تجربتهم في السينما ، فعلى سبيل المثال سبق وقدمت شركة الشرق فيلم (نصف ملم غرام نيكوتين) وفيلم (دمشق مع حبي) وهما للمخرج محمد عبد العزيز ، أما المنتج نادر أتاسي فأنجز فيلم (سيلينا) إخراج حاتم علي ، في حين أنتجت شركة ريل فيلمز عدداً من الأفلام ، منها فيلم (مطر أيلول) للمخرج عبد اللطيف عبد الحميد ، وبالتالي كانت هناك محاولات جادة إلا أنها لم تستمر كما أنها لم تخرج بحالة عامة يمكن تعميمها وتطويرها مع الوقت .
فبقي مخاض دخول القطاع الخاص لميدان السينما متواضعاً وإن حقق إنجازات هنا وهناك ، كما أنه من غير الممكن أن تتحمل مؤسسة السينما وحدها مهمة إحداث نهضة سينمائية فقد قدمت وتقدم الكثير حتى أنها تنتج الفيلم السينمائي من ألفه إلى ياءه ، ولكن لإيجاد حراك سينمائي حقيقي فاعل ومنفعل في المجتمع ونهضة مؤثرة في هذا الحقل لا بد من تضافر الجهود بين القطاعين العام والخاص ، وعلى أقل تقدير فلتترجم الشركات الإنتاجية شعارها (إنتاج سينمائي وتلفزيوني) وإن عبر فيلم كل فترة ، فلدينا جمهور تواق وعطش ، يمتلك ذائقة ولديه حافز وحب ليعيش أجواء الحراك السينمائي الحقيقي وهو يعي تماماً أن السينما ليست عبثاً ترفيهاً وإنما هي أداة ثقافية إعلامية لها طقسها الخاص ومتعتها ، فالسينما في سورية تستحق الدعم و العناية لأنها بأحد أوجهها واجهة حضارية وإعلامية وثقافي