فؤاد مسعد
يُعرض على الشاشات العربية في شهر رمضان المبارك مسلسلان دراميان مأخوذان عن رواية (العرّاب) للروائي الامريكي الإيطالي ماريو بوزو (1969) ، والتي أنجز عنها المخرج فرانسيس فورد كوبولا رائعته السينمائية المؤلفة من ثلاثة أجزاء ، العمل الأول بعنوان (العراب) إخراج المثنى صبح والذي انطلقت عمليات تصويره في سورية وتُستكمل في لبنان ويقع في ستين حلقة ، تأليف حازم سليمان وإنتاج سما الفن وبطولة : سلوم حداد ، سلافة معمار ، مصطفى الخاني ، نسرين طافش ، عبد المنعم عمايري ، سامر اسماعيل ، سيف الدين سبيعي ، رفيق علي أحمد ، وأول إطلالة في عالم التمثيل للمطرب عاصي الحلاني .. أما العمل الثاني فمن إخراج حاتم علي وتأليف رافي وهبي وإنتاج شركة كلاكيت وسينبثق عنه ثلاثة أجزاء ، الأول منها والذي يصور حالياً كان بعنوان أولي (سفينة نوح) وتم استبداله بعنوان آخر (نادي الشرق) وهو من بطولة : جمال سليمان ، سمر سامي ، باسم ياخور ، منى واصف ، قيس الشيخ نجيب ، سلمى المصري ، دانا مارديني ، حازم زيدان ، نادين ، ريم نصر الدين ، أمل بشوشة ، سميرة بارودي ، زياد برجي .. وقد أعلن صناع كل من العملين أنه تم رصد ميزانية ضخمة لإنتاجهما ، حتى أنهما سيصوران في أكثر من بلد ، وكانت الآلة الإعلامية والإعلانية قد بدأت بضخ تسريبات وأخبار عنهما ، كأن أبطال (نادي الشرق) يقودون سيارات انكليزية فارهة في العمل ، إضافة إلى خبر اعتذار الفنان باسم ياخور عن (العراب) لصالح مشاركته في العمل الآخر مع شركة كلاكيت وتأكيد مصادر مقربة من شركة سما الفن أن الأمر سيُنظر أمام القضاء .. وفي النهاية كل تلك الأخبار ، وغيرها ، تصب بشكل أو بآخر في خانة محاولة جذب المشاهد وإبهاره للمتابعة .
ـ رؤية خاصة : مما لا شك فيه أن لكل من المسلسلين رؤيته الخاصة على الرغم من أن منبعهما وأساسهما واحد ، ولكن يبقى التحدي في القدرة على تقديم نسخة عربية وسورية بتفاصيلها المكانية والبيئة والاجتماعية ، فكل منهما يحاول أخذ خطه الذي يميزه عن الآخر في محاولة لتقديم تجربتين مختلفتين ، ففي (العراب) تنطلق الأحداث من خمسينيات القرن الماضي ليحط رحاله في الزمن الحاضر ، وخلال هذه المدة الزمنية يتم رصد حكاية عائلة بكل ما تحفل به من أحداث وتفاصيل وعلاقات وأزمات ، والخوض في غمار التشويق والجريمة المنظمة والمافيات ، في حين خط (نادي الشرق) فترة زمنية مختلفة لأحداثه تنطلق قبل الأزمة في سورية . وضمن هذا الإطار تجدر الاشارة إلى أنها ليست المرة الأولى التي يتم فيها إنجاز مسلسلين يتناولان شخصية تاريخية مشهورة أو أنهما مأخوذان عن الأصل الأدبي ذاته ويعرضان معاً في الشهر نفسه ، فسبق أن عُرض في رمضان من عام (2005) مسلسلي (رجاها) إخراج عدنان ابراهيم و(الغدر) إخراج بسام سعد وهما مقتبسان عن رواية (بائعة الخبز) للكاتب الفرنسي كزافيه دي مونتابين ، كما عرض مسلسلان عن (صلاح الدين الأيوبي) في شهر رمضان من عام (2001) الأول من إخراج نجدة أنزور والثاني من إخراج حاتم علي .. ولكن يبقى السؤال عن جدوى إنجاز عملين منطلقين من مصدر واحد ليعرضا في الفترة ذاتها !؟.
ـ تجارب سابقة : عموماً كثيراً ما كانت الرواية المنهل الأساسي للعديد من الأعمال الدرامية ، هناك من سعى إلى نقلها حرفياً إلى الشاشة وهناك من نهل منها أفكاراً ورؤى وقدم قراءة أخرى وصيغة جديدة تحاكي ما يريده مبدع العمل الجديد ، وسبق أن قدمت الدراما التلفزيونية السورية أعمالاً باتت من كلاسيكياتها وكانت مقتبسة عن أصل أدبي كما في (نهاية رجل شجاع) إخراج نجدة أنزور المُنتج عام 1993 والمأخوذ عن رواية للكاتب الكبير حنا مينه ، ومسلسل (جواد الليل) إخراج باسل الخطيب والمُقتبس عن رواية (أحدب نوتردام) والمُنتج عام 1999 ، ومسلسل (ليل المسافرين) إخراج أيمن زيدان المأخوذ عن الرواية العالمية (البؤساء) لفيكتور هيغو والمُنتج عام 2000 ، هي أمثلة غيض من فيض تُظهر عنصراً أساسياً كانت تتكئ عليه الدراما للخروج بأعمال هامة ، ألا وهو اختيار الرواية المناسبة التي تمتلك حضورها لدى الناس لتكون الركيزة والضمانة التي يمكن البناء عليها ، واليوم يبدو أن العودة إلى الرواية بات ضرورة بعد أن أتحفنا الإنتاج خلال السنوات الأخيرة بأعمال امتاز قسم كبير منها بنصوص شكّلت الحلقة الأضعف فيها وأظهرت شحاً في الأفكار وسطحية في التعاطي والمعالجة ، عبر كتّاب هبطوا بمستوى ما يقدمون تلبية لشروط منتج غالباً ما كان همه الأول الربح والرضوخ لما تريد المحطات تكريسه فيما يُنتج من أعمال درامية ، هذا النصف الفارغ من الكأس قابله نصف ملآن لأعمال هامة ، ولكنه لا ينفي استسهال واسترخاص البعض والزج بأسماء كتاب لا يفقهون شيئاً من أصول الكتابة .
ـ الرواية وخلط الأوراق : وتأتي عودة الاستعانة بالرواية لتشكل حالة من خلط الأوراق فيما يُنتج وتصعّد من المنافسة للخروج من حالة الاستكانة التي استمرأها البعض ، والسؤال : هل تكون رواية (العراب) المفتاح الذي يفتح الباب من جديد أمام اللجوء إلى روايات غنية فيما تحمله من عوالم لتكون الزاد لمسلسلات قادمة ؟ وإلى أي مدى يمكن لهذه الأعمال أن تحمل فكراً هاماً ومستنيراً يتقاطع مع المشاهد بعيداً عن التقوقع ضمن إطار الاستفادة من الاسم التجاري الناجح للرواية ؟.. هي أسئلة برسم القادم من الأيام وبمدى القدرة على إنجاز أعمل تنطلق من قاعدة ثقافية فكرية تكون بمثابة حجر الزاوية فتؤسس لمشروع إبداعي حقيقي يعيد للنص الدرامي التلفزيوني مكانته التي استباحها بعض الكتاب .