محمد خان ، سينما الواقع والألم


محمد خان  ،  سينما الواقع والألم

دمشق : نضال سعد الدين قوشحة . 

في ناس بتعلب كورة في الشارع
وناس بتمشي تغني
تاخد صورة في الشارع
فيه ناس بتشتم بعض بتضرب بعض
 تقتل بعض في الشارع
فيه ناس تنام عالأرض في الشارع
وناس تبيع العرض في الشارع
وفي الشارع
أخطاء كتير صبحت صحيحة
لكن صحيح حتكون فضيحة
لو يوم نسينا وبوسنا بعض في الشارع
 بهذا النبض السينمائي ، والهم الفني بنقل تفاصيل ما يجري بواقعية تامة لأحداث الشارع ، أنطلق محمد خان في مقدمة فيلم الحريف . الذي كان المحاولة الوحيدة لمشروع سينمائي مصري وعربي مميز هو تأسيس شركة أفلام الصحبة للإنتاج السينمائي . التي كانت تريد صناعة سينما حقيقية ومختلفة .
ففي مرحلة مبكرة من تاريخ السينما المصرية ، ظهرت موجة  ، سميت بالسينما الواقعية ، كان همها معايشة المجتمع المصري بتفاصيله ، وتشخيصه على الشاشة الفضية بأفلام سينمائية ، لقيت الكثير من المتابعة و الإهتمام من الشارع المصري ، وغدت مرحلة مفصلية في تاريخ السينما المصرية عموما . كان من رواد هذه الموجة ، هنري بركات ، توفيق صالح ، يوسف شاهين ، صلاح أبو سيف ، كامل التلمساني و آخرين . 
وبعد سنوات ، ظهرت هذه الذهينية السينمائية ، مجددا ، وهي المهتمة بالهم المجتمعي الحقيقي للناس بعيدا عن التزينات الفنية ، التي اعتادت السينما المصرية تقديمها ، فيما سمي لاحقا بسينما المقاولات . وكان من أبرز أسماء هذه الموجة . عاطف الطيب ، رأفت الميهي ، خيري بشارة ، داوود عبد السيد . وبالطبع محمد خان .
كما في أفلام زملائه في هذه الموجة ، توجه خان نحو سينما موازية ، تحمل من صميم حياة المجتمع المصري الكثير من التفاصيل الإنسانية والمواجع الحياتية ، لنقلها عبر حكايات سينمائية مدروسة لأفلام ، كانت دائما محط إهتمام شريحة كبرى من الجمهور المصري .
لم تكن سينما خان ، جماهيرية بمعيار شباك التذاكر ، لذلك كان يشقى في إيجاد ممول لأفلامه ، لكن أفلامه تدخل في إهتمام كل الشرائح الإجتماعية ، حتى لو لم تحب هذه الأفلام ، نظرا لحسياسية الأفكار التي يعالجها . (زوجة رجل مهم ، أيام مع السادات ) . لكن التاريخ السينمائي يؤكد لنا أن سينما محمد خان ،  وكل أتباع الواقعية السينمائية ، تتجذر في وجدان المواطن المصري بشكل قوي .
ضربة شمس : 
عام 1978  كانت أول تجارب خان في السينما الروائية الطويلة ، فقدم فيها فيلما ، بعنوان ضربة شمس .  وشمس هو مصور صحفي ، يريد كما غيره من الشباب ، أن يعمل ويؤسس أسرة ويكون شخصا مؤثرا في مجتمعه .  ويملك الجرأة والوطنية والفضول ، ليكون طرفا في مغامرة بوليسية ، تحقق أخيرا هدفا غاليا ، بالقضاء على عصابة لتهريب الآثار وتزوير العملة . الفيلم ، وبحكم تصويره في نهايات عقد السبعينات ، صور بحرفية جيدة ، كانت النتيجة فيها مختلفة عن أفلام التشويق من ذات الفترة . في الفيلم ، محاولة لإلقاء الضوء على خطورة موضوع الآثار ، وعلى أهمية المحافظة عليها من عبث العصابات ، التي لا ترى فيها إلا مغانم مالية . في هذا الفيلم ، كانت تجربة خان الأولى في وضع نجم سينمائي هام في شكل جديد . وهو  نور الشريف . فمحمد خان ، كان صاحب تجربة فريدة في التعامل مع نجوم السينما المصرية ، بحيث كان قادرا على وضع أحدهم بصورة غير نمطية وبعيدا عن نمطيتهم التي تعارف الجمهور عليها  .  وهذا ما كان لاحقا مع أحمد زكي وحسين فهمي ونجلاء فتحي ، ولعل أبرز محاولة في هذا السياق تظهر في فيلم الحريف ، الذي أدى دور البطولة فيه النجم عادل إمام ، وقد نجح خان بتقديم النجم الكبير إمام في حالة ، خارج إطار الكوميديا التي عرف بها  . فظهر بشخصية إجتماعية عادية ، معذبة إجتماعيا ، وتملك الكثير من الألم والمعاناة .

الحريف : بعد ست أعوام من إنجاز فيلمه الأول ، ضربة شمس ، أنجز فيلمه الثاني ، الحريف ،  ومن خلال المجموعة السينمائية التي جمعت العديد من شباب سينمائي مصر حينذاك . أفلام الصحبة للإنتاج السينمائي  . وكان البطل فيه ، نجما كوميديا كبيرا ، عادل إمام ، الذي يظهر بدور أحد الأشخاص البسطاء ، المقهورين ، والذي يحاول من خلال مهاراته الكبيرة في لعبة كرة القدم ، أن يغير من حاله ، فتواجهه العديد من المصاعب والمتاعب ، الإجتماعية والأسروية ، إلى أن يصل أخيرا لشط الأمان .
في فيلم الحريف ، يبدو إهتمام خان بالمجتمع المصري طاغيا ، فهو يدخل بكاميرته في حي شعبي فيه شبكة معقدة من العلاقات الإجتماعية ، المتقاطعة حينا والمتضاربة حينا آخر ، بين المتسلط  والمغبون ،  المنعزل و المنسحق تحت وطأة الفقر . وهم الذين يعيشون على سطح بناء عال ، تحت قاعدة لوحة إعلانية كبيرة ، يراها الجميع ولكنهم لا يرون من يعيش تحتها .
في الحريف ، تواصل مع المجتمع وحكايات الحواري الشعبية المصرية في أدق تفاصيلها ، وهذه ما جعل هذه التجربة السينمائية حافلة بالمختلف ، خاصة مع ظهور عادل إمام الإستثنائي فيه .
فتاة المصنع :
يبدو جليا ، أن تراكم الخبرة الفنية والحياتية عند محمد خان ، قد أوصلته لإنجاز فيلم يلبي طموحه السينمائي تماما .
في فيلم فتاة المصنع ، وهو بالتأكيد أحد أهم أفلامه ، محاكة للواقع المصري عام 2014  . بلغة عصرية شفافة ، بالغة البساطة والقسوة ، فمن خلال حكاية هذه الصبية ، ( ياسمين رئيس )  التي تعمل في مصنع للملابس  الجاهزة ، وطبعا إختيار هذه المهنة تحديدا له مدلولاته ، نتعرف إلى عوالم هائلة التعقيد في هذا المجتمع . فهناك قصص الحب والغيرة والغدر والمكيدة ، وكذلك سطوة أرباب العمل ، والكبت الجنسي وبالطبع الفقر ، والحواري الفوضوية  ، التي تكاد تشكل هاجسا دائما لأفلام خان .
في هذا الفيلم ، تبدو خبرة خان في أوجها ، سواء من حيث الإمساك بسيناريو جيد ، يسير بالأحداث بشكل متتالي نحو الذورة ، أو من خلال إستخدامه الترميز البصري عن مجريات الأحداث ، (مشهد الشابة ، وقد عرفت للتو غدر الحبيب ، وهي تمشي وحيدة نحو المجهول ، بين ينطلق على يمنيها قطار بسرعة ، وبينهما جدار فاصل عال ) . وكأن خان يقول ، في هذه اللقطة البديعة ، أن حلم هذه الفتاة ومثيلاتها يسير ببطىء شديد ، بينما الزمن يمر عبر حركة القطار السريعة ، دون أن يشعر بها وبهم  .
ولعل ذروة الفيلم ، كانت في مشهد الختام ، حيث تأتي فتاة المصنع ذاتها ، لحفل زفاف المهندس الذي تحبه ، وطبعا بدون دعوة ، لتبارك له ، ولتفي بنذر عليها أن ترقص في عرسه . ويبدع خان والممثلة في رسم مشهد بالغ الشفافية والألم .
قبل زحمة الصيف :
فيلمه الأخير ، كان قبل زحمة الصيف ، وهو بالتأكيد ، لا يشكل خطوة تدفع بتجربة خان للأمام ، بل على العكس .
في الفيلم ، محاولة ، لشرح تطلعات شريحة من المجتمع المصري ، من خلال وجهة نظر ، شاب صعيدي بسيط ، كل ما يتمناه أن يعمل سائقا عند أحد ما من أهل المال . الفيلم يمتلك فكرة غاية في الأهمية ، تتلخص في إحتكاك هذه المجتمع البسيط الذي يمثله الشاب ،(أحمد داوود) مع مجتمع محيط ، غني ، وآخر فاسد ، وبعدهما عن أحلامه وتطلعاته . ومجددا ، يحيلنا خان إلى الرمزية .  فالطبيب يحي ( ماجد الكدواني ) وهو الشخص الذي فر من قضية فساد مهني طبي ، يحرص دائما على سقاية حديقته بنفسه ، وينافسه في ذلك جمعة الشاب البسيط ، الذي أنهى توا الخدمة العسكرية ، الذي يسترق الفرصة لكي يسقي هو هذه الحديقة ، وكأنها رمز على إرادة هذا الشاب برمزيته المجتمعية ، على أن يكونوا هم من يسقي زرع الغد ، بمعنى مستقبل مصر .  وليس أولئك الفاسدين .
في الفيلم ، استرجاع ولو بشكل غير مباشر ، لنمط سينمائي مضى ، وهو سينما البحر ، الذي كان سائدا في السينما المصرية وأحيانا العربية . من خلال إنجاز الفيلم كله في مدينة سياحية ، حيث يظهر عدد من الممثلين بملابس السباحة ولمشاهد مطولة . (هنا شيحا ) . وهو ما أوجد لدى البعض رفضا للفيلم بداعي  أنه موجه للكبار ، ولكن الأكيد ، أن الفيلم كان تلقائيا في تناوله لهذا الأمر ، ولم تكن مشاهد ملابس البحر مستفزة ومقحمة . ونجح في إستخدام هذا التفصيل في بناء حكاية الفيلم كله .
بالطبع ، لم تكن أفلام خان ، بهذه الحساسية والأهمية ، بعيدة عن منصات التتويج ، فكان أن حصدت أفلامه العديد منها :(1)

    " ضربة شمس: جائزة تقديرية ذهبية عن الإخراج الأول من مهرجان الإسكندرية السينمائي الدولي الأول، وجائزة العمل الأول من جمعية الفيلم، وجائزة الدولة التقديرية
    طائر على الطريق: جائزة لجنة التحكيم في مهرجان القارات الثلاث (نانت) فرنسا 1981، جائزة لجنة التحكيم الخاصة في مهرجان جمعية الفيلم 1982، جائزة التقدير الذهبية من الجمعية المصرية لكتاب ونقاد السينما 1981، الجائزة الأولى في ليالي الإسكندرية السينمائية 1981
    نص أرنب: الجائزة الأولى (مناصفة مع العار) في مهرجان القاهرة الدولي 1982
    الحريف: جائزة أفضل إخراج من جمعية الفيلم 1985، الجائزة الثانية في مهرجان الإسكندرية السينمائي الدولي الثالث 1983، شهادة تقديرية في مهرجان برلين الدولي 1983، كما عرض داخل المسابقة الرسمية في مهرجان موسكو الدولي 1983
    عودة مواطن: شارك في مهرجان فالنسيا لدول البحر المتوسط بأسبانيا 1986، عرض خارج المسابقة في مهرجان كان الدولي 1987.
    خرج ولم يعد: جائزة التانيت الفضي وجائزة أفضل ممثل يحيى الفخراني في مهرجان قرطاج الدولي 1984، الجائزة الخامسة في مهرجان الإسكندرية السينمائي الدولي الرابع 1984، وشارك في مهرجانات ستراسبورغ بفرنسا 1985، ومهرجان السينما العربية في باريس 1985، ومهرجان فالنسيا لدول البحر المتوسط بأسبانيا 1985
    مشوار عمر: شارك في مهرجان السينما العربية في باريس 1986
    زوجة رجل مهم: جائزة السيف الفضي وجائزة أفضل ممثل أحمد زكي وجائزة النادي السينمائي الطلابي في مهرجان دمشق الدولي 1987، شارك كفيلم افتتاج وداخل المسابقة في مهرجان موسكو الدولي 1987، عرض في سوق مهرجان كان الدولي 1987، شارك في مهرجان ستراسبورغ بفرنسا 1987، ومهرجان فالنسيا لدول البحر المتوسط بأسبانيا 1987، ومهرجان مونتريال بكندا 1987، عرض على هامش المسابقة الرسمية في مهرجان القارات الثلاث (نانت) فرنسا 1987، ومهرجان القاهرة الدولي 1987
    أحلام هند وكاميليا: جائزة أفضل ممثلة نجلاء فتحي في مهرجان طشقند الدولي بالإتحاد السوفييتي 1988، شارك في مهرجان فالنسيا لدول البحر المتوسط بأسبانيا 1988
    في شقة مصر الجديدة: جائزة أفضل فيلم عربي في مهرجان دمشق السينمائي 2007,جائزة الخنجر الفضي والجائزة الخاصة للجنة النقاد والصحفيين في مهرجان مسقط السينمائي 2008, جائزة أحسن مخرج وأحسن ممثلة غادة عادل في مهرجان المركز الكاثوليكي 2008, شارك في مهرجان دبي السينمائي 2007, ومهرجان بالم سبرينجز ومهرجان سان رفايل بالولايات المتحدة 2008. مثل مصر في مسابقة الأوسكار للفيلم الأجنبى 2008 ولكنه لم يتم قبوله للترشح للجائزة."
أما آخر أفلامه المتوجة فكان فتاة المصنع ، حيث نال عنه جائزة الصحافة الدولية في الدورة العاشرة من مهرجان دبي السينمائي الدولي .
 







مواقع صديقة

 

آفاق سينمائية

مجلة إلكترونية أسبوعية