في الغابات

الإصدار: العدد مائة و سبع

في الغابات

 رياض عصمت
قصة أطفال واحدة تكفي أن تكون موضوعاً لفيلم سينمائي ناجح، فما بالنا إذا جمع فيلم خمس قصص دفعة واحدة، ثم صاغها بأسلوب ميوزيكال؟ هذا ما فعله فيلم "في الغابات" (2014) للمخرج روب مارشال من بطولة ميريل ستريب وأميلي بلنت وكريس باين وآن كندريك مع مشاركة جوني ديب. في فيلم "في الغابات"، نجد قصصاً مثل "ليلى ذات القبعة الحمراء" و"سندريللا"، (المقتبستين عن الأخوين غريم اللذين استلهماها من الكاتب شارل بيرو،) "رابونزيل ذات الشعر الطويل" (من تأليف الأخوين غريم،) "جاك وشجرة الفاصولياء" (عن الكاتبين بنجامين تابارت، ثم جوزيف جيكوب،) سبق أن صيغت منذ زمن في ميوزيكال مسرحي لحنه ستيفن سوندهايم بشكل غريب وغير مألوف، وقد تحولت من المسرح أخيراً إلى فيلم سينمائي كبير صنع ليلائم العائلات في فترة عيد الميلاد ورأس السنة.
ليس غريباً على المخرج الأمريكي روب مارشال التصدي لهذا الطراز من الأفلام، فقد سبق أن قدم سينمائياً أعمالاً ترفيهية ضخمة مثل ميوزيكال "شيكاغو" من بطولة ريتشارد غير وكاترين زيتا جونز ورينيه زيلويغر، ميوزيكال "تسعة" من بطولة دانيال داي لويس وماريون كوتيار وصوفيا لورين، فضلاً عن الجزء الثالث من سلسلة المغامرات "قراصنة الكاريبي" من بطولة جوني ديب وبنيلوبي كروز. هذه المرة، لم يكن فيلم "في الغابات" بحاجة إلى كاتب سيناريو غير مؤلف الميوزيكال المسرحي: جيمس لاباين، ولا ملحنا غير ستيفن سوندهايم. لكن اختيار طاقم التمثيل كان مهماً جداً لضمان نجاح الفيلم. تشكل الدعامة الأولى لهذا النجاح حضور النجمة القديرة ميريل ستريب في دور الساحرة الشمطاء التي تتمكن من فرض شرطها على الخباز وزوجته لرفع لعنتها عليهما بعدم الإنجاب إذا جلبا لها بقرة بيضاء، عباءة حمراء، حذاء بلوري، وشعر أشقر طويل. هنا، تمتزج الحكايات مع بعضها، من الصبي جاك الذي يبادل بقرة أمه البيضاء بحبات فاصولياء سحرية تنبت شجرة تطال السماء حيث يسكن عملاق وزوجته مع دجاجة تبيض ذهباً، وليلى ذات القبعة الحمراء التي ينصب لها الذئب كميناً في كوخ جدتها المحفور في شجرة، وسندريللا التي تضطهدها زوجة أبيها في حين تفوز بحب الأمير وتفشل مخططات شقيقتيها المغرورتين، ورابونزيل التي تسجنها الساحرة الشمطاء في أعلى برج بلا سلالم لا يستطيع أن يحول بين تسلق شقيق الأمير على شعرها ليقابلها في الخفاء. إنه نسيج بارع لحكايات معروفة وقد جمعت مع بعضها في حبكة ذات مفاجآت. ورغم المصائب التي تعصف بأبطالها وتقصف أعمار بعضهم، إلا أننا نجدها تنتهي عموماً نهاية سعيدة. في الواقع، يبدو مزج الحكايات ناجحاً جداً طيلة ثلثي العمل، ثم تبدأ الحبكة بانحرافات غريبة عقب تجديد الساحرة لشبابها، مثل علاقة هوس جنسي عابر بين الأمير وزوجة الخباز ينتهي بمصرعها دون معنى، ومثل قطع زوجة الأب لأصابع قدمي ابنتيها بالسكين كي تناسب قدميهما الحذاء البلوري لحبيبة الأمير الهاربة، ومثل قطع شعر رابونزيل مرتين متعاقبتين دون مبرر لأن الشعر لا يؤدي مفعولاً سحرياً لدى إطعامه للبقرة البيضاء! هناك قاعدة معروفة عبر مثل شعبي عربي مفادها "الزايد أخو الناقص." ينطبق هذا المثل بالضبط على حبكة فيلم "في الغابات"، فالثلث الأخير من الفيلم يبدو مفبركاً باصطناع غير مقبول، خاصة بعد ذروة أغنية الساحرة التي استعادت شبابها ميريل ستريب، وكانت ساحرة فعلاً في أدائها لها.

إضافة لدور ميريل ستريب المحوري، فإن هناك ظهوراً قصيراً للنجم جوني ديب في دور الذئب، وهو الشغوف بتقمص الأدوار الغريبة. لم يكن اختيار آنا كندريك لأداء شخصية سندريللا موفقاً سوى في الغناء، بينما كان شكلها وتمثيلها أكثر من عاديين. على النقيض من ذلك بدت غريمتها كريستين بارنسكي في دور زوجة أبيها، ومعها ابنتيها الكاريكاتيريتين تامي بلانشارد ولوسي بانش. بدوره, نجح النجم الشاب كريس باين في تقمص شخصية الأمير، رغم خيبة الأمل التي لا يلبث أن يشعر بها المشاهد لدى انحرافه الجنسي الصادم بمراودته الجنسية المتهتكة لزوجة الخباز عن نفسها. لكن الممثلة القديرة أميلي بلانت تألقت في أداء دور زوجة الخباز بحضورها المميز، بحيث بذل جيمس كاردن جهداً لمجاراتها في دور الخباز ذي الحضور الكثيف في الفيلم. أما الصبي جاك، فأدى دوره بسلاسة وبساطة الفتى دانييل هاتلستون. لم تكن ليلى كروفورد متناسبة مع الصورة المسبقة لشخصية ذات الرداء الأحمر، لكنها ما لبثت أن صاغت الدور على مقاس سماتها الشخصية. أما رابونزيل ذات الشعر الأشقر الطويل (ماكينزي مانزي)، وحبيبها الأمير الثاني (بيلي ماغنسين) فلاءما الدورين تماماً. كذلك، كانت أم جاك (تريسي أولمان) بفظاظتها وعصبيتها اللتين لا تخلوان من بعض الطرافة.

بقي أن نشيد ببعض الجوانب التقنية المميزة في الفيلم، خاصةً تصوير ديون بيب، ومونتاج وايت سميث، وأزياء كولين آتوود، وديكور آنا بينوك. كانت الحصيلة لهذه الجهود المشتركة تحت إدارة المخرج روب مارشال إيجابية في صنع صور جمالية خلابة تشبه أحياناً خيال الأطفال. حظي فيلم "في الغابات" بتقييم جيد ضمن طرازه من الأفلام الغنائية بلغ 7.3 درجات من أصل عشرة، أعتقد أن جزءاً كبيراً منها جاء بفضل ميريل ستريب







مواقع صديقة

 

آفاق سينمائية

مجلة إلكترونية أسبوعية