د. رياض عصمت
اقتبس فيلم "العملاق الضخم الودود" (2016) قصته عن كتاب من تأليف روالد داهي كتبت السيناريو له ميليسا ماثيسون. الحصاد هو فيلم عائلي بامتياز، اختار المخرج ستيفن سبيلبرغ إخراجه مذكراً بسجله الحافل في هذا الطراز من الأفلام، والذي يشمل "مغامرات تان تان" و"إي. تي،" و"الخطاف" (الأخير عن قصة بيتر بان الشهيرة للمؤلف ج. م. باري.) لكن الانطباعات السائدة عن الفيلم، في الواقع، عكست قدراً من خيبة الأمل، لأن مهارة الإخراج والتقنيات العالية لم توفق تماماً في جعله يلامس شفاف القلب، بل تفاوتت مشاهد قصته تألقاً وأفولاً، طرافة ومللاً، بحيث بدا فيلكاً بلا إسقاطات، يصلح للأطفال بصورة رئيسة.
يحكي "العملاق الضخم الودود" عن صداقة غريبة تنشأ بين طفلة صغيرة تقيم في ميتم وعملاق يعيش في الخفاء وسط براري وقفار بريطانيا. بغمضة عين، تتحول الخرافة إلى حقيقة حين تبصر الطفلة صوفي العملاق بأم عينيها، فيخطفها من فراشها في الميتم كي لا تشي بحقيقة وجوده، وتجعل الناس يوقنون بوجود العمالقة، فيطاردونهم. لوجه الغرابة، يزول خوف صوفي تدريجياً في منول العملاق النائي، وتنعقد أواصر صداقة بينها وبينه، فهو عملاق طيب القلب، يعمل في مختبره على جمع الأحلام والكوابيس في قوارير وأوان زجاجية يخبئها لحين الحاجة. يكتشف المشاهد مع صوفي أن هذا العملاق بالذات يعتبر ضئيل القامة بالمقارنة مع تسعة عمالقة ضخام وأشرار يعيشون في العراء بالقرب من مسكنه، وأنه الوحيد النباتي بينهم في حين أنهم شغوفون بالتهام لحم البشر. لذا، سرعان ما يشم كبير العمالقة رائحة الطفلة، فيداهم مع رفاقه مسكن العملاق الودود بحثا عن الطريدة. تنفذ الطفلة بجلدها بأعجوبة عبر حيل اختباء طريفة، وسط قلق العملاق ولهفته الشديدة عليها. لا يجد الاثنان حلاً بعد هذا سوى التسلل إلى قصر بكنغهام لمناشدة ملكة بريطانيا العون. تنجح صوفي في الوصول إلى مخدع الملكة، وتحفز العملاق المختبئ خشية وخجلاً على الظهور أمام جلالتها. تأنس الملكة للعملاق الودود، وتثق بتحذيره لها من العمالقة الأشرار، أكلة البشر. بالفعل، ينصب العملاق بمساعدة صوفي فخاً للعمالقة بواسطة الأحلام التي جمعها، لتصيدهم طائرات هيلوكوبتر ضخمة بالشباك وتضعهم على جزيرة نائية لا غذاء فيها سوى الخضار كي ينبذوا العادة الذميمة في أكل لحم البشر، بينما يحظى العملاق الودود وصوفي بضيافة ملكية كريمة.
بالتأكيد، يمنح فيلم "العملاق الضخم الودود" بهجة كبيرة للأطفال، ويستحوذ إعجاب خيالهم، لكن الغريب أن الحكمة وراء قصته تبقى قاصرة، بل مبهمة للغاية، فليس فيه غموض فني أو إسقاط سياسي مجازي مثل فيلم "نارنيا"، على سبيل المثال، لا الحصر. يحصر سبيلبرغ نفسه بصنعه فيلم أطفال متقن وحسب، بحيث أن أية تفسيرات له ممكنة ضمن إطار التكهنات. بالمقابل، فإن "العملاق الضخم الودود" دون شك هو فيلم حافل بالخيال الخصب والصور البصرية المدهشة، عبر إنتاج وإخراج مبهرين إلى حد كبير، قد يجده المشاهد يلامس أحياناً حد الإعجاز. ليس هذا مستغرباً من مخرج مخضرم كسبيلبرغ، لكن المستغرب هو أنه ترك المجال لهوس التقنية أن يتغلب على شغف الدراما لديه. هنا، يبدو سبيلبرغ وكأنه يجبر المشاهد قسراً على أن يعود إلى طفولته، أو يستسلم أمام استمتاع أطفاله، حتى لو داهمه الملل. هذا بعيد، في الواقع، عن مخرج "إنقاذ العريف رايان"، "لينكولن"، "إمبرطورية الشمس"، "اللون البنفسجي"، "أمسكني إن استطعت"، "المطار"، "حصان الحرب"، "جسر الجواسيس" وسواها من الروائع.
في "العملاق الضخم الودود"، كرر سبيلبرغ تعاونه مع الممثل البريطاني الموهوب مارك رايلانس، الذي نال عن جدارة أوسكار أفضل ممثل مساند عن دوره في "جسر الجواسيس"، وهو ممثل شكسبيري ومخرج معروف في لندن. بالمقابل، اكتشف للمخرج الكبير وأسند ثقته إلى مؤدية طفلة هي روبي بارنهيل في الدور المحوري "صوفي"، بينما وزع دور ملكة بريطانيا للممثلة المسرحية المخضرمة بنيلوبي ويلتون. نجد سبيلبرغ، إذن، يعتمد طاقم تمثيلي إنكليزي في معظمه. من جهة أخرى، كعادته، استعان بمدير للتصوير الذي صور معظم أفلامه، يانوش كامينسكي. استعان أيضا في المونتاج بخبرة مايكل كاهن، بتصميم إليزابيث ويلوكس للديكورات الأخاذة والإكسسوارات المصممة بعناية فائقة. أما الموسيقا التصويرية، فتصدى لها أحد أعظم الموسيقيين المشاهير في تأليف موسيقاه الأفلام، وهو جون ويليامز، مؤلف موسيقا "حرب النجوم" وسلسلة "هاري بوتر".
فيلم "العملاق الضخم الودود" (2016) فيلم مسلٍ وممتع للأطفال، وربما في لمحات كوميدية عابرة منه حتى للكبار من أهاليهم، خاصة مشهد احتساء الملكة والضباط وكبار شخصيات الحاشية الشراب الغازي العجيب في أواخر الفيلم، وهو مشهد في غاية الطرافة والإضحاك. جدير بالذكر، نال الفيلم تقدير 6.9 درجات، وهو تقدير مستحق تماماً.