عُمْر آدالاين

د. رياض عصمت

    هل الخلود نعمةٌ أم نقمة؟ وهل يكون الشاب الدائم لعنة بلا حب، لأن الأحبة يهرمون ويموتون، بينما تظل من تمتلك القدرة السحرية على عدم الشيخوخة ثابتة الملامح، لا تكبر ولا تتغير؟ هذا هو موضوع فيلم "عُمْر آدالاين" (2015)، والأسئلة العميقة التي يطرحها وراء قصته الغريبة. يختلف فيلم المخرج لي تولاند كريغر عن الأفلام الغرائبية مثل "بنجامين بوتن"، وعن رواية أوسكار وايلد "صورة دوريان غراي"، وعن أسطورة النبتة السحرية التي روي أن غلغامش بحث عنها طويلاً بصحبة أنكيدو، وبعدما عثرا عليها اختطفتها حية عملاقة وغاصت بها في أعماق بئر سحيق. هنا، نحن أمام فيلم رومانسي شاعري بسيط يتمحور حول امرأة تدعى (آدالاين بومان) انزلقت سيارتها وهي في ريعان الشباب وسقطت في ماء شديد البرودة فتجمدت لدقائق، ثم ضربت سيارتها صاعقة جعلت الحياة تدب فيها من جديد. منذ تلك اللحظة في عام 1929 لم تعد (آدالاين) تكبر. بالتالي، صارت تهرب من الأصدقاء والمعارف، لأنها وابنتها صارتا تبدوان أشبه بأختين، ولأن شرطة المرور تارةً، والمخابرات تارةً أخرى، صاروا يشكون في هوية تلك المرأة التي يفترض أن تكون في أواسط العقد الخامس، بينما ما زالت تبدو في الثالثة والعشرين. في الواقع، تبدأ أحداث الفيلم بعد أن بدلت (آدالاين) إقامتها وعملها مرات عديدة، ومزور بارع يزودها بجوازي سفر وبطاقات تعريف بهويتها واسمها الجديد المنتحل. لقد توفي معظم من يعرفها من أصدقاء وصديقات، بحيث لم يعد أحد يعرف بسرها سوى ابنتها التي صارت في مثل عمر جدتها. أما رفيقها الوحيد في حياتها المتواضعة فليس سوى كلب تربيه، تعتني به مثل طفل. لكننا سرعان ما نرى، عندما يداهمه مرض عضال وتضطر لأن توافق على أن يريحه الطبيب البيطري بحقنة رحيمة، أنها تضيف صورته إلى ألبوم صور يحوي عشرات الكلاب من النوع نفسه. تلك هي مأساة (آدالاين)، فالعالم الذي تعرفه يشيخ وفنى، بينما تظل كما هي شابة، لا تهرم. بالتالي، فإنها تقضي حياتها تحمي سرها من المتطفلين، وتمنع نفسها من التورط في علاقة عاطفية تؤدي إلى زواج.

    تتصاعد الحبكة عبر تعرف (آدالاين) صدفةً في ليلة رأس السنة في مدينة سان-فرانسيسكو الساحرة بشاب ثري يفتن بها ويلاحقها إلى أن يكتشف أنها تعمل في مكتبة يتبرع لها بكتب نادرة وثمينة جداً. تحاول (آدالاين)  - التي تنتحل اسماً مختلفاً - المراوغة كي تتجنبه وتتفاداه، لكنه يلح ويتابع ويحاصرها. تخرج معه مرةً، لكنها عندما تكتشف أن استدل على عنوان بيتها، تنهره وتقطع العلاقة عازمة على الاختفاء ثانية في حجر جديد بعيد عن الأنظار مثل حيوان الخلد. تصارح (آدالاين) ابنتها برفضها سعادة الحب الطارئ، لأن أية علاقة بشريك عمر تعني العذاب، إذ هي علاقة بلا مستقبل، طالما أنه سيكبر ويموت، بينما ستبقى وحيدة تجتر الأحزان. لكن ابنتها (العجوز) تنصحها أن تتجاوب مع الشاب الجديد الذي أحبها، وألا تحرم نفسها من نعمة الحب الذي جاء بالصدفة يطرق بابها. هكذا، تعود (آدالاين) إلى مكان عمل الشاب معتذرة عما بدر منها، تخرج معه وتبادله حباً بحب، فيقرر أخذها إلى منزل أسرته ليعرفهم بالشابة التي خلبت لبه. هناك، تكون المفاجأة، إذ تكتشف أن والده العجوز – بالصدفة المحضة – ليس إلا العاشق الذي التقاها في مقتبل الشباب في لندن، ودعاها إلى الولايات المتحدة، عازماً على طلب يدها، لكنها في اللحظة الحاسمة فرت متوارية عن الأنظار خشية انفضاح سرها. تراوغ (آدالاين) طبعاً، وتزعم أنها ليست سوى ابنة تلك المرأة التي أحبها، والتي توفت قبل ست سنوات، فيقتنع لوهلة، ويستغرب الجميع خلال لعبة يلهون بها أن (آدالاين) تملك الأجوبة على جميع الأسئلة الصعبة عما جرى في الأزمان القديمة. سرعان ما يلاحظ الأب في اليوم التالي على يدها أثر ندبة، فيتذكر أنه سبق أن خيط لها جرحاً أصيبت به في الغابة بنفسه، ولا تستطيع (آدالاين) أن تنكر أنها هي نفسها الفتاة التي أحبها وهربت لتختفي من عالمه. بدل مصارحة حبيبها الشاب، تفر (آدالاين) بسيارتها هاربة من المواجهة. يحاول الأب أن يشرح لابنه، لكن دون جدوى، إذ أن الابن يركب سيارته ويلاحقها. على الطريق، تتعرض سيارة (آدالاين) إلى حادث سير، ويعثر عليها الشاب وينقذها لتعالج في مستشفى، فتصارحه هناك أخيراً بالحقيقة، حقيقة كونها محكومة بألا تكبر أو تتغير، بل تحتفظ برونق الشباب. تأتي ابنتها وتزعم أنها جدتها، لكن (آدالاين) تخبرها أن باحت أخيراً بسرها للرجل الذي تبادلت معه الحب الصادق. ما نلبث أن نرى (آدالاين) بعد أن تعافت وهي تستعد للخروج إلى سهرة مع الحبيب الذي صار زوجها، مودعة ابنتها العجوز والجرو الصغير الذي اقتنته ليحل محل الكلب الراحل. لكنها حين تدنو من مرآة جدارية، تلاحظ شعرة شائبة لأول مرة في حياتها، فتفرح بها، بينما نسمع صوت الراوي يعلن أن المعجزة تحققت إذ أن الحب حرك جهازها العضوي، فعادت (آدالاين) امرأة مثل باقي النساء تكبر بشكل طبيعي مع شريك عمرها.
    فيلم "عمر آدالاين" (2015) فيلم رومانسي عذب كتب القصة والسيناريو له كلٌ من ج. ميلز غودوي وسلفادور باسكويتش، وأخرجه بسلاسة وإتقان المخرج لي تولاند كريغر، وأدت بطولته ممثلة ذات إطلالة جميلة وحضور أخاذ يبدو أنها ستصعد بقوة اسمها بليك لايفلي، مع الشاب ميشيل هويسمان، إضافة إلى مشاركة النجم الكبير هاريسون فورد في دور والد الشاب الذي أحب (آدالاين) وهما في سن الشباب، فصارت من نصيب ابنه. لكن مشكلة هذا الفيلم برمته أن فيلم يسهل توقع أحداثه، بل لا يستطيع المشاهد إلا أن يكتشفها بيسر من مشاهدة الإعلان للفيلم. بالتالي، لا مفاجأة في الفيلم، لا توقع أو ترقب، ولا انقلاب مثير في مصائر الشخصيات وعلاقاتها ببعضها. لذلك، تتضاءل تأثيرات الرومانسية، وتختلط الغرائبية غير المألوفة مع لقاءات تحكمها الصدف، ويسعى الفيلم لإقناعنا بما لا يمكن الإقناع به في المجتمع الأمريكي المعاصر والمحكوم بالكومبيوتر حول سهولة تبديل امرأة لهويتها عبر 107 سنين عاشتها، منتقلة من عملٍ إلى آخر، ومن مكانٍ لآخر، وهو أمر يضاف إلى المستحيلات السبع. رغم هذا، فالفيلم يضمن مشاهدة ممتعة ومريحة لجمهور معظمه من السيدات العجائز اللواتي يستعدن ذكريات قصص حب آفلة، ويتحسرن ربما على ضياع فرصها. نال الفيلم تقديراً قدره 7.4 نقاط، وهو تقدير جيد جداً، خاصة في هذا الطراز من الأفلام الرومانسية.

آفاق سينمائية

مجلة إلكترونية أسبوعية