سان أندرياس


سان أندرياس

د. رياض عصمت

    لا شك أن خط الزلازل في كاليفورنيا ما زال يثير مخيلة صناع الأفلام، فقد مرت تاريخياً خمس زلازل ضخمة على الساحل الغربي من الولايات المتحدة لعل أشهرها زلزال سان فرانسيسكو عام 1906، الذي تسبب في دمار هائل، ولم يوقف حرائقه سوى نسف أبنية شارع رئيسي لتحول دون امتداد النار إلى بقية أجمل مدن أمريكا على الإطلاق. "سان أندرياس" (2015) فيلم من طراز سينما الكوارث، بحيث ينضم بكل جدارة إلى أفلام مهمة في تاريخ السينما مثل: "الجحيم الأكبر"، "زلزال"، "بركان"، "مطار"، "قمة دانتي"، "مغامرة بويسيدون" و"طائرة".

    بطل الفيلم (راي) طيار إنقاذ يعمل ورفاقه في مهمات خطرة على طائرة هيلوكوبتر، وهو مطلق من زوجته بعد أن فقدا إحدى ابنتيهما غرقاً، في حين يحتفظ بصلة قوية مع ابنته الكبرى. أما الزوجة، فهي على وشك الارتباط بعلاقة زوجية مع رجل بالغ الثراء. بالمقابل، يعرفنا الفيلم على عالم مختص بالزلازل، وهو يراقب وفريقه امتداد سلسلة زلازل من نيفادا إلى كاليفورنيا بشكل غير مسبوق يصل مداه إلى 9.6 ريختر في سان فرانسيسكو. تستنجد زوجة راي به عندما يضرب الزلزال لوس أنجلوس، فيهرع لينقذها على آخر رمق بطائرته. أما ابنتهما الشابة فتكون أثناء وقوع الزلزال برفقة زوج أمها المستقبلي تزور بنايته الشاهقة في سان فرانسيسكو، حيث تتعرف بالصدفة في بهو شركته على مهندس معماري بريطاني يسعى إلى عمل، وفي صحبته أخ صغير. عندما يقع الزلزال الرهيب، وتنحشر ساق الابنة في سيارة زوج أمها في مرآب يتهدم، يتخلى عنها بجبن ويفر هارباً، فلا تجد أحداً يهرع لنجدتها ويقف إلى جانبها سوى الشاب البريطاني الذي أحبها من أول نظرة، ومعه أخيه الصبي، ريثما يتمكن أباها وأمها من تلبية نداء استغائتها ويصلا لإنقاذها. الفيلم بمجمله عبارة عن مغامرة تخطف الأنظار وتلهث معها الأنفاس، بينما يبذل بطل الفيلم (النجم دوين جونسون) جهوداً أسطورية خارقة لإنقاذ زوجته، ثم ابنته التي تشارف على الموت غرقاً، في حين نعلم أن سبب انفصاله عن زوجته هو شعوره بالمسؤولية والذنب لغرق ابنته الأخرى الأصغر وعجزه عن إنقاذها. رغم التدمير الهائل الذي يحدثه زلزال سان أندرياس، مدمراً معظم أبنية سان فرانسيسكو العالية، فإن (راي) يتمكن من إنقاذ زوجته وابنته والشاب البريطاني وأخيه، لينتهي الفيلم نهاية سعيدة بجملة تقرر إعادة الإعمار.

الواقع، إذ كان بطل الفيلم الأوحد هو المنقذ (راي)، فإن الخصم الشرير في الفيلم ليس سوى الزلزال الرهيب والمدمر الذي نراه يضرب كاليفورنيا بدءاً من لةس أنجلوس، فيشق الأرض ويبتلع السيارات ويجعل الأبنية العملاقة تتهاوى حطاماً والبحر يثور في تسونامي يقضي على ما تبقى من سان فرانسيسكو وجسرها الشهير الجميل. لكن البطل لا يترك وسيلة نقل إلا ويستخدمها في مهمة الإنقاذ الأهم هذه المرة، ألا وهي مهمة إنقاذ ما تبقى من عائلته: من هيلوكوبتر، إلى سيارة، إلى طائرة، وصولاً إلى لنش بحري. في جميع معاركه مع الطبيعة من أول الفيلم إلى آخره، يخرج بطل المصارعة الشهير (ذا روك) منتصراً، بل دون خدوش أو كدمات كالتي تصيب سواه من الناجين. مشكلة فيلم "سان أندرياس" (2015) هي أن حبكته لا تنمي العلاقات بين شخصياته، فعالم الزلازل لا يعرف البطل المنقذ، والبطل المنقذ يفترق عن طاقمه، والزوج المزمع لطليقة البطل يهرب بجبن وأنانية طلباً للنجاة بحياته إلى أن يلقى الموت الذي يستحق. لكن، لا صلة لأحد بأحد. العلاقة الوحيدة النبيلة هي علاقة الابنة بالشاب البريطاني وأخيه. رغم هذا، فالابنة هي من تقوده وتنقذه أكثر مما يقودها وينقذها، لأنها ابنة رجل عملاق قادر على صنع المعجزات.

تكمن روعة فيلم "سان أندرياس" (2015) في شغله الفني، فهو فيلم يحبس الأنفاس فعلاً بتأثيرات بصرية في غاية الإتقان والإبهار. قدم المخرج براد بيتون  فيلماً استثنائياً ضمن سينما الكوارث، يكتظ بالحيل الكومبيوترية التقنية الناجحة. قام بالتصوير ستيف يدلين، والمونتاج بوب دوكاسي، أما الموسيقا الرائعة فوضعها أندرو لوكينغتون.  كانت كل تلك الإنجازات التقنية جديرة بسيناريو أفضل، يدور حول قصة متماسكة وشخصيات أعمق. لكن كاتب السيناريو كارلتون كيوس وزميليه قصروا عن أداء المهمة على الوجه الأكمل.

لا شك أن دوين جونسون أثبت أنه من أكثر نجوم السينما الأمريكية نشاطاً، بحيث ثبت أقدامه في هوليوود عبر ظهوره بمائة وأربعة أفلام، وهو رقم يضاهي عدد مباريات المصارعة التي خاضها. صحيح أن تعابير وجهه الصارم تكاد تكون واحدة في هذا الفيلم، لكن أداءه الجسدي لافت للنظر في دور بدا مؤهلاً له وشديد الإقناع به. لكن زميلتيه كارلا غوجينو في دور زوجته، وألكسندرا داداريو في دور ابنته، عوضتا بتمثيلهما الحار وحضورهما الدائم. كذلك، وفق الممثل الشاب هوغو جونسون-بيرت في دور الشاب البريطاني الشهم، بينما لمع بول جياماتي كعادته في دور عالم الزلازل، وكذلك إيوان غروفاد في دور الثري الأناني الذي يريد الاقتران بالأم، لكنه يتخلى عن إنقاذ ابنتها بسهولة طلباً للنجاة بروحه







مواقع صديقة

 

آفاق سينمائية

مجلة إلكترونية أسبوعية