جاسوسة

الإصدار: العدد مائة وتسعة عشر

جاسوسة

د. رياض عصمت

يكمن سر نجاح فيلم "جاسوسة" في ميليسا ماكارثي، تلك النجمة التي صنعت شهرتها بشكل يفوق الخيال عبر سنوات قليلة، بالرغم من كونها ليست رفيعة القد كغصن البان، بل على العكس من ذلك، بحيث تقدم طرازاً جديداً لنجمات السينما. صحيح أن هناك بين الممثلين الذكور ممن لا يتمتعون بالطول الفارع أو بالوسامة الفائقة، لكنهم وصلوا إلى النجومية، مثل همفري بوغارت، داستن هوفمان وبيتر فولك. لكن الأمر بلا شك أصعب بكثير بالنسبة إلى النساء. في الواقع، كرس "جاسوسة" (2015) نجومية ميليسا ماكارثي أكثر من أي فيلم من أفلامها السابقة، ووضعها تجارياً ونقدياً في الصدارة، رغم سمنتها المفرطة وبلوغها الخامسة والأربعين من العمر. كيف لا، وإلى جانبها يقف ممثلان من ألمع نجوم السينما، هما جود لو وجيسون ستاثام، فضلاً عن باقة من الحسناوات؟ الغريب أن ميليسا ماكارثي انطلقت بموهبتها الكوميدية الفذة بسرعة الصاروخ في السنوات الخمس الماضية عقب مسلسلها التلفزيوني "مايك ومولي" (1010)،  ثم فيلمها "سارقة الهوية" (2011)، لتتقاسم البطولة مع بعض ألمع نجوم السينما، ومنهم ساندرا بولاك في "الحرارة" (2013)، وبيل موراي في "سانت فينسنت" (2014)، وسوزان ساراندون وكاثي بيتس في "تامي" (2014). لكن تقييم فيلم "جاسوسة" (2015)، الذي بلغ 7.6، تجاوز في نجاحه بكثير كل إنجازات ميليسا ماكارثي السابقة. إنه نسخة كوميدية بامتياز عن أفلام جيمس بوند، تحفل بالمطاردات والمعارك والإثارة عبر حبكة مثيرة ذات انعطافات مفاجئة. بالتأكيد، خطفت النجمة السمينة الظريفة الأنظار في "جاسوسة" بخفة دمها، وأضحكت بالأداء والحوار والحركة كما لم تضحك ممثلة أخرى منذ عقود عدة.

    منذ انطلاقة شخصية جيمس بوند، التي ابتدعها الروائي البريطاني أيان فلمنغ، في فيلم "دكتور نو" (1962)، أصبحت تلك الشخصية إحدى الأيقونات الشهيرة مثل شخصيات شرلوك هولمز وهركول بوارو وطرزان والمفتش كلوزو وزورو وأنديانا جونز، بحيث اكتسبت - بالرغم من كونها متخيلةً طبعاً - وجوداً واقعياً في أذهان الجمهور. جرت عدة محاولات لاقتباس نسخٍ كوميدية من أفلام جيمس بوند، مثل الفيلم الإيطالي "عملية جيمس تونت"، وأفلام مايك مايرز في دور "أوستن باورز"، ولسلي نيلسون في سلسلة "المسدس العاري"، وروان أتكينسون في فيلمي "جوني إنغليش"، وأمثلة عدة سواها. لكنها المرة الأولى التي يسند فيها دور البديل لجيمس بوند إلى امرأة، وامرأة سمينة أيضاً، ثم ينال الفيلم هذا القدر من النجاح. الحقيقة، إن قدراً من الفضل يعود إلى المخرج وكاتب السيناريو بول فيغ، الذي طالما حلم أن يخرج فيلماً من سلسلة جيمس بوند، لكنه حقق حلمه بفيلم تهكمي معارض لجيمس بوند، من بطولة نجمة موهوبة سبق أن أخرج لها فيلم "الحرارة"، واكتشف أبعاد موهبتها الكوميدية. 

    تلعب ميليسا ماكارثي شخصية (سوزان كوبر) عميلة استخبارات عملها مكتبي على الكومبيوتر لمساعدة عميل ميداني وسيم ومتمكن عبر الأقمار الصناعية خلال مغامراته الجيمس بوندية المثيرة، وتكن له إعجاباً خفياً ومكتوماً. ذات مرة، يقع العميل (أدى شخصيته جود لو) في فخ وتقتله حسناء مجرمة بمسدسها، فتصمم زميلته السمينة على الانتقام. تجد فرصتها حين تخشى مديرتها انكشاف هوية أي من العميل المحترف (جيسون ستاثام) إذا تصدى لمراقبة الإرهابيين، فتعرض سوزان هي أن تقوم بتلك المهمة الميدانية الخطرة لأول مرة في حياتها وتراقب الشبكة الإجرامية التي تمهد لبيع سلاح نووي إلى مجرم إرهابي، وذلك كي تصل إلى المرأة المجرمة (روز بايرن) التي قتلت شريكها المحبوب. هكذا، ترسل متنكرة إلى باريس ثم روما ثم بودابست. لكن العميل المحترف المتبجح يلاحق المجرمين، ليوقعها في سلسلة من المآزق، قبل أن تنضم إليها صديقتها في المكتب لتشكلا ثنائياً مضحكاً. تتقرب سوزان من المجرمة التي تخفي السلاح النووي تمهيداً لصفقة بيعه، وتصبح حارستها الشخصية بعد أن تنقذها من الموت، وتشتبك في عدة معارك ضارية مع قتلة خطرين من الرجال والنساء، تتمكن فيها من التخلص منهم بمهارة وحسن حظ. لكن المفاجأة أنها تكتشف أن زميلها الذي ظنته قتل ما زال حياً، وأنه صار عشيق المرأة المجرمة. لكنه ما يلبث أن ينقذها هي وزميل إيطالي رميت معه في زنزانة، ويفاجئها بأنه يلعب دور العشيق مع المجرمة كي يصل إلى مخبأ السلاح النووي، ويمنع تهريبه إلى الولايات المتحدة. تنجح سوزان كوبر فيما يفشل فيه العميل المغرور، وتتعاون مع صديقتها (أدت الدور ميراندا هارت) وشريكها الوسيم للايقاع بالإرهابيين كافة، لتكرس نفسها عميلة ميدانية محترفة عن جدارة، ربما لتمهد الطريق لفيلم قادم من سلسلة تجعل اسم "سوزان كوبر" يضاف إلى الشخصيات الشهيرة الخالدة في عالم سينما التجسس وأفلام الحركة، إنما بطراز كوميدي خالص. 
    لا شك أن المخرج بول فيغ استطاع أن يعوض عن خيبة أمله في عدم إخراجه لفيلم من أفلام العميل 007 بالتصدي لإخراج فيلم كوميدي خالص لبطلة بديلة عن جيمس بوند، حقق عبره نجاحاً جماهيرياً ساحقاً، ونال إعجاب معظم النقاد. قام بتصوير الفيلم روبرت د. يومان، وألف موسيقاه ثيودور شابيرو لتضاهي أفلام جيمس بوند، وصورت معظم مشاهد باريس وروما في بودابست، عاصمة هنغاريا. فيلم "جاسوسة" (2015) فيلم للتسلية والضحك، وهو يحقق أثره المرجو بامتياز.
 







مواقع صديقة

 

آفاق سينمائية

مجلة إلكترونية أسبوعية