د.رياض عصمت
يستمر الخيال السينمائي بلا حدود، وبالأخص في إنتاجات شركة "مارفل" للأبطال الخارقين. الحق يقال، بدأ السباق منذ عدة عقود من الزمن عبر إنتاجات شركات أخرى حولت شخصيات قصص الكارتون المرسومة إلى أفلام ذائعة الصيت. هكذا، انتقلت العدوى التجارية، وشغف جمهور السينما بأبطال خارقين يتراوحون من "سوبرمان" إلى "باتمان" إلى "سبايدر-مان" إلى "غرين-لانترن" إلى "ثور" إلى "كابتن أميركا" إلى "آيرون-مان"، وصولاً إلى سلسلة "إكس-مِن" وسلسلة "المنتقمون" وسلسلة "الأربعة المذهلون". أخيراً، أضيف إلى الأبطال الخارقين بطل جديد في 2015 حمل اسمه الفيلم نفسه: "الرجل- النملة".
"الرجل- النملة" بدعة جديدة فعلاً في عالم السينما، فهذا بطل يستطيع فعل معجزات يعجز عنها الرجال الضخام بمجرد أن يتحول ببزة تقنية إلى حجم نملة. في الأصل، جعل مؤلف القصة إدغار رايت العالم يتحكم بحجم بطله الخارق بحيث يصغر إلى حجم النملة، ويكبر إلى حجم الفيل. لكن صناع فيلم "الرجل- النملة"، يتصدرهم المخرج بيتون ريد وسبعة كتاب سيناريو شاركوا إدغار رايت الكتابة، ألغوا كبر الحجم لتلك الشخصية، مكتفين في الجزء الأول هذا بميزة تقلص البطل من حجمه الطبيعي كإنسان إلى حجم النملة، وجاعلين بعض النمل يكبر فقط إلى حجم كلب ضخم.
مثل عدة أفلام أخرى للأبطال الخارقين، لا تخلو القصة من أبعاد فكرية ونفسية وسياسية تزين حبكة التشويق والإثارة والخدع البصرية المذهلة. تبدأ القصة من العالم الدكتور هانك بيم، الذي يصل بعيداً في شبابه في اختراع تصغير مخلوق بشري عبر بزة سحرية ليتمتع بقدرات خارقة ويصبح قادراً على التسلل إلى أصعب الأماكن وأدقها، مما يجعله سلاحاً سرياً لا يقدر بثمن. لكن الدكتور بيم (لعب دوره النجم مايكل دوغلاس) سرعان ما يختلف مع زملاء له يشعر أنهم يريدون استغلال اختراعه لأغراض شريرة، فينسحب من الشركة، ليتولى مساعده (دارين) متابعة بحثه عبر تجارب معظمها فاشل. لكننا نجد الدكتور بيم بعد نحو ثلاثة عقود من الزمن قد نجح سراً بتطوير اختراعه خفية عن الأعين، حتى عن ابنته الشابة العالمة التي تعمل مساعدة لمدير الشركة الجديد (دارين) عقب وفاة أمها في حادث غامض. بالمقابل، نتعرف على لص ظريف يدعى (سكوت) وثلاثة رفاق له من خريجي السجون. يملك (سكوت) دافعاً قوياً لأن ينال رد اعتبار في المجتمع، لأنه متعلق بابنته الصغيرة التي تعيش مع طليقته وزوجها الشرطي. وسرعان ما يكتشف أن الدكتور بيم اختاره ليجعل منه مادة لتجاربه، ويدربه على تقمص شخصية الرجل- النملة بارتدائه البزة السحرية. ينمو الصراع في الفيلم من خلال سعي الدكتور بيم وابنته والرجل- النملة ورفاقه إلى سرقة البزة الصفراء التي يدرك أن بديله (دارين) في مخابر الشركة سيبيعها بثمن خيالي إلى عصبة من الإرهابيين، بعد أن صفى كل من اعترض سبيله تمسكاً بأخلاقيات مهنة العلم. يخطط الدكتور بيم وسكوت وابنته اقتحام الرجل- النملة مختبر الشركة الحصين وتدمير البزة الصفراء التي على وشك أن تباع إلى عصبة ستزعزع استقرار وأمن العالم. لكن (دارين) ذكي بقدر ما هو خطير. هكذا، تبدأ معركة بين خطة تسلل الرجل- النملة مع أسراب النمل التي جندت لمساعدته مع رفاقه الثلاثة المخلصين، وبين حذر (دارين) وأفخاخه المنصوبة للقضاء على العالم وربيبه الرجل- النملة. تتطور المعركة بين المخلوقين الخارقين إلى مطاردة عنيفة، وتصل الإثارة إلى الذروة عندما يهاجم المخلوق الشرير ذو البزة الصفراء ابنة سكوت الصغيرة في حجرة نومها، فيتصدى له الرجل- النملة بوسائله نفسها، ويشتبك معه في معركة عجيبة يكبران خلالها ويصغران وهما يتقاتلان، إلى أن يتمكن (سكوت) من تصغير نفسه إلى درجة أنه ينسل من ثقب يكاد لا يرى في بزة خصمه ويدمره من الداخل. ينتهي الفيلم نهاية سعيدة، فسكوت يستعيد كرجل ثقة زوجته وشريك حياتها الجديد بشهامته وشجاعته في إنقاذ ابنته، وفي الوقت نفسه يكسب قلب ابنة العالم التي كان لها شأن كبير في تدريبه وتلقينه فنون القتال، ويحافظ على صداقته مع طاقم رفاقه الظريف بعمل خيِّرٍ يعوض عن ماضيهم كلصوص محترفين. بالطبع، لا ينسى عشاق أفلام شركة "مارفل" أن يبقوا جالسين عقب تيترات الفيلم الختامية ليروا مشهداً قصيراً يمهد للجزء الثاني القادم، حيث ستتقمص بطلة الفيلم الأول شخصية نملة- أنثى. ألم نقل منذ البداية: إن الخيال السينمائي بلا حدود؟
يمتاز هذا الفيلم عن عدة أفلام لأبطال خارقين بتقنية غريبة وطريفة استخدمها المخرج بيتون ريد في مشهدين خلال الفيلم، وهي تجسيد رواية قصة من قبل شخصية مكسيكي ظريف عبر ظهور صور وشخصيات متباينة سريعة تنطق بحركة شفافها ما يعبر عنه بصوته هو. هذان المشهدان، بالفعل، متعة حقيقية لعشاق السينما، وفيهما براعة هائلة في إدارة الممثلين والكاميرا والمونتاج. كما استخدم المخرج التقنية المسماة CGI، أي "الصور التي يولدها الكومبيوتر" بنجاح باهر في المشهد الأول لظهور مايكل دوغلاس شاباً، إذ فاجأ جمهور معجبيه بإقناع مظهره كشاب يصغر عمره الحالي ثلاثين سنة. لا شك أن مجرد حضور مايكل دوغلاس يشكل إضافة مهمة لديه، وقد صرح أنه سعيد بظهوره في سلسلة بطل خارق جديد، لأن أولاده سيستمعون بمتابعته في هذا الطراز من الأفلام. بالمقابل، خلق الممثل كوري ستول طرازاً جديداً مقلقاً للشرير المجرم، الذي لا يتورع عن ارتكاب أي شيء بدمٍ بارد. أما بطلا الفيلم الأساسيين: بول رود في دور "الرجل- النملة"، وإيفانجلين ليلي في دور ابنة العالم الطيب (هوب)، فلم يتميزا في الفيلم الأول بسمات كافية الوضوح لشخصيتيهما، بل ظلا ضمن العادي والمطلوب، لا أكثر ولا أقل، رغم كون الشخصيتين الأصليتين تسمحان بمزيد من خفة الظل. نعزو السبب إلى اشتغال المخرج وانشغاله بالجوانب التقنية الصعبة والمعقدة للمعارك والخدع البصرية خلال اقتحام الرجل- النملة وأسراب النمل المساعدة له لأنابيب المياه في الشركة والمختبر، والمعارك العنيفة مع العالم الشرير ومخلوقه الخارق ذي البزة الصفراء وهما يكبران ويصغران، وإن صاحب ذلك بعض المرح، خاصة عبر أداء الطفلة آبي رايدر فورتسن. هنا، لا بد أن نشيد بتصوير راسل كاربنتر, ومونتاج دان ليبنتال وكولبي باركر الصغير, وموسيقا كريستوف بيك, وأزياء سامي شيلدون، وديكور لسلي آ. بوب. نال الفيلم تقييماً عالياً نسبياً، بلغ 7.9 نقاط. ولو وفر له كتاب السيناريو والمخرج بداية أشد تشويقاً وإمتاعاً في ثلثه الأول، وتمتع ببطلين شابين بينهما كيمياء فكاهة، لارتفع الفيلم ككل عدة درجات. في الواقع، هذا هو المأمول من الجزء القادم لسلسة "الرجل- النملة".