"مهمة مستحيلة: أمة الخداع"

الإصدار: العدد مائة وإثنان و عشرون


د. رياض عصمت

    يتابع النجم توم كروز أداءه النشيط لسلسلة "مهمة مستحيلة" في جزئها الخامس ورغم بلوغه 53 من العمر. صحيح أن المخرج برايان دو بالما افتتح السلسلة بتشويق عالٍ، وتبعه جون وو بفيلم حافل بالإثارة، ثم تلاهما ج. ج. أبراهام بفيلم يقفز فيه إيثان هانت (توم كروز) قفزة مستحيلة من أعلى برج في شنغهاي إلى سطح ناطحة سحاب، وصولاً إلى الجزء الرابع من إخراج براد بيرد "بروتوكول الشبح" الذي يتعلق فيه إيثان هانت نازلاً من برج العرب في دبي. لذا، قرر المخرج كريستوفر ماكغويري – كما يبدو - افتتاح فيلمه "أمة الخداع" بمشهد أخاذ يتجاوز فيه ما سبق فجعل البطل إيثان هانت يتعلق بباب طائرة شحن ضخمة منطلقة على مدرج مطار لتحلق في الجو. (بالمناسبة، أصر توم كروز على أداء المشهد بنفسه، رافضاً استخدام بديل، فرُبط جسمه طبعاً إلى الطائرة، ووضعت له عدسات لاصقة تبقي عينيه مفتوحتين خلال تحليق الطائرة على ارتفاع كيلومتر ونصف. كما قام توم كروز في مشهد آخر بقيادة السيارة بنفسه في مشهد مطاردة طويل، قائلاً: "لا يوجد أي بديل يستطيع القيادة أفضل مني.") يتضمن اختيار المخرج كريستوفر ماكغويري لإخراج الفيلم الخامس من السلسلة اعترافاً بنجاح التعاون بينه وبين النجم توم كروز في فيلمين من قبل هما: "جاك ريشر" و"حافة الغد". كما نعزو تفوق المخرج إلى كونه كاتب القصة والسيناريو أيضاً، بحيث قدم فيلماً هو الأفضل حتى الآن بين أفلام "مهمة مستحيلة"، التي استلهمت سلسلة تلفزيونية قديمة ظهرت مواسمها أولاً بين 1969-1973، ثم عادت إلى الظهور بين 1988-1990 من بطولة بيتر غريفز. لكن السلسلة السينمائية اختلفت بتركيزها على بطل مغامر يتمتع بقدرات استثنائية تجترح المعجزات، أسندت إلى توم كروز، بالرغم من أن طوله لا يتجاوز 170 سم، ولا يتمتع بعضلات فائقة الضخامة مثل سلفستر ستالون وجيسون ستاثام وفان ديزيل. رغم ذلك، يحفل "مهمة مستحيلة: أمة الخداع" (2015) بمختلف أصناف المطاردات والقتال القريب وإطلاق النار بحيث علق أحد النقاد ساخراً إنه لم يبق أمام شخصية إيثان هانت في الفيلم القادم من السلسلة سوى أن يقفز من كوكب في الفضاء إلى الأرض، أو يبتلع قنبلة يدوية ليشكو بعد انفجارها من عسر الهضم.

    حبكة فيلم "مهمة مستحيلة: أمة الخداع" (2015)، في الواقع، حبكة بارعة، فالمهمة التي يتلقاها إيثان هانت هذه المرة ليست سوى القضاء التام على كل منظمة مقاومة الإرهاب الذي ينتمي إليه إيثان هانت ورفاقه. إنها مجرد فخ يوقعه فيه زعيم عصابة سرية خفية تدعى "نقابة". لكن التهديد، في الواقع، من جهتين. الأولى هي رئيس جهاز الاستخبارات المركزية الأمريكية (لعب دوره إلك بولدوين،) الذي ينجح أمام هيئة قضائية عليا في هزيمة غريمه رئيس المنظمة (يلعب دوره جيريمي رينر،) فيحكم بحل منظمة مكافحة الإرهاب، ومن ثم مطاردة المتمرد المنشق إيثان هانت. أما الخطر الثاني والأهم فيأتي من زعيم النقابة الإرهابية سولمون لين (لعب دوره باقتدار شون هاريس،) الذي يسعى مع عصبة من القتلة لتصفيه إيثان وكل طاقمه. منذ البداية، إذن، توقع النقابة إيثان في فخ محكم، تعتزم تعذيبه وقتله ببطء، لولا تدخل فتاة تعمل مع العصابة (لعبت دورها ريبيكا فيرغسون،) فتنقذه وتساعده على النجاة من براثنهم، لنكتشف فيما بعد أنها عميلة لدى الاستخبارات البريطانية انضمت إلى النقابة لتفضحها وتوقف مكائدها. يصمم إيثان على ملاحقة زعيم تلك النقابة السرية الذي رآه يقتل صبية بدم بارد دون مبرر، وكشف السر الكامن وراء محاولتها تصفية منظمتهم. يلجأ إيثان للتواصل خفية مع صديقه عبقري الكومبيوتر بنجي (لعب دوره سيمون بيغ،) فيهرب منفلتاً من رقابة الاستخبارات المركزية الأمريكية، وينضم إليه. يكتشف خطة لاغتيال مستشار النمسا في دار الأوبرا، ويتمكن من إنقاذه بمساعدة بنجي دون إيذاء الفتاة نفسها المكلفة بالاغتيال مع قاتلين آخرين، إنما ليلاحق هو نفسه بتهمة الضلوع في الاغتيال. ما يلبث أن ينضم إليه رئيسه (جيريمي رينر،) ورفيقه الأسود (فينج رهاماس،) ليشكل الأربعة فريقاً يعمل على كشف ما تحرص تلك (النقابة) على نيله بشراسة، وهو حسابات مصرفية هائلة تمكنهم من تجنيد عدد كبير من أرهب إرهابيي العالم. يواجه إيثان ورفاقه تحدياً أسطورياً يقرب من المعجزات، لكنه يقدم بمساعدة الفتاة عميلة الاستخبارات البريطانية على محاولة التوصل إلى تلك الحسابات المخبأة في قلعة حصينة في المغرب، لا يمكن اختراقها دون تغيير قاعدة البيانات في أعماق المياه تحت ذلك الحصن الرقمي المنيع. لكن، لا مستحيل أمام إيثان هانت ورفيقته الجديدة إلزا، وعبقري الكومبيوتر بنجي ورفيقيه الباقيين. ينجح إيثان في مهمته بصعوبة بالغة، وتنقذه رفيقته من الموت غرقاً، إنما لتسرق الفلاشة المحتوية على السر لتسلمها لرئيسها قائد الاستخبارات البريطانية، الذي يمحو خلسة المعلومات من عليها، معيداً الفتاة إلى بؤرة الخطر قريباً من زعيم النقابة الشرير. تستمر المطاردة، ويكتشف الجميع – بمن فيهم زعيم النقابة – أنه لا يمكن تفعيل نقل الحسابات دون بصمة رئيس الوزراء البريطاني. يرتب إيثان ورفاقه فخأً يتوصولون معه لخداع قائد الاستخبارات البريطانية واختطاف رئيس الوزراء البريطاني من قلب مزاد علني أمام سمع وبصر رئيس الاستخبارات المركزية الأمريكية، وينجحون في فك شيفرة الحسابات. لكن إيثان يصطدم باختطاف زعيم نقابة الأشرار لصديقه بنجي، وتهديده بقتله إذا لم يسلم لهم الشريحة المحتوية على قاعدة البيانات التي تمكنه من تجنيد مختلف إرهابيي العالم. يرتب إيثان موعداً للتبادل مع مبتزه الشرير، ويتمكن بذكائه الخارق من تحرير صديقه من حزام ناسف، ويشتبك مع القتلة بمساعدة رفيقته العميلة المزدوجة في معركة عنيفة. أخيراً، يحشره زعيم النقابة الشرير، ونشعر أنه على وشك قتله، لكنه لا يلاحظ أن إيثان رتب له فخاً محكماً مع رفاقه في منظمة مكافحة الإرهاب، بحيث يوقعون سولومون لين في قفص زجاجي ضد الرصاص بالطريقة نفسها التي أوقع بها بإيثان في بداية الفيلم، ليساق إلى المصير الذي يستحق. أما رئيس الاستخبارات المركزية الأمريكية الذي شهد كفاح إيثان هانت ورفاقه في المنظمة ضد تلك العملية الإرهابية، فيمثل أمام اللجنة القضائية العليا نفسها ليغير إفادته إلى النقيض مطالباً برد الاعتبار للمنظمة وإعادة تفعيل نشاطها.

    حفلت حبكة فيلم "مهمة مستحيلة" أمة الخداع" بانعطافات حادة ومفاجآت، بعضها مألوف في هذا الطراز من أفلام الحركة والإثارة، وبعضها الآخر مبتكر ومثير للدهشة. تلك ميزة مخرج يتمتع بموهبة التأليف في الوقت نفسه مثل كريستوفر ماكغويري. لا شك أن توم كروز هو العمود الفقري لنجاح سلسلة أفلام "مهمة مستحيلة" بأدائه المقنع رغم المواقف المستحيلة. لكن الإضافة الأبرز في "أمة الخداع" كانت مشاركة الممثلة ريبيكا فيرغسون، التي شبهها بعض النقاد بشباب زميلتها السويدية الراحلة إنغريد برغمان، رغم أن برغمان لم تقم في حياتها المهنية بالمصارعة وإطلاق النار والقتال بالخناجر. أتت الإضافة الأخرى عبر مشاركة كل من جيريمي رينر وإلك بولدوين في دوري رئيسي جهازي استخبارات متنافسين، وإن بدا الاثنان مألوفين في دوريهما، ولا يخرجان عن المتوقع. أما الإضافة الأخرى الهامة فجاءت عبر أداء شون هاريس المتقن لدور زعيم نقابة الخداع السرية الخطيرة، فنبرة صوته وبرودة ملامحه بعثتا في كل ظهور له إحساس القشعريرة والخوف لدى المشاهد. بدوره، تميز سيمون بيغ في دور (بنجي) بإضفاء حس من الطرافة والمرح في أشد المشاهد إثارة، وتممتها مشاركة فينج رهاماس في دور لوثر الأسود الضخم. لعبت التقنيات كالعادة دوراً مهماً وحاسماً في هذا الطراز من الأفلام، من تصوير روبرت إلسويت، إلى مونتاج إيدي هاميلتون، إلى موسيقا جو كريمر، فضلاً عن طاقم خبير واسع في مختلف المجالات، أداره المخرج/المؤلف كريستوفر ماكغويري بمنتهى الحرفية والبراعة لينال الفيلم تقييماً بلغ 7.9 ، وهو أعلى تقييم ناله حتى الآن أي جزء من أجزاء "مهمة مستحيلة".







مواقع صديقة

 

آفاق سينمائية

مجلة إلكترونية أسبوعية