الوسيط السينمائي

الإصدار: العدد مائة وسبع و اربعون

الوسيط السينمائي

تأليف: لويس جاكوب ترجمة: أبية حمزاوي

منشورات وزارة الثقافة – المؤسسة العامة للسينما (110)

مهما قيل عن فن الصورة المتحركة، فإنه حتماً شكل من أشكال التعبير الخلاق، ومخرجو الأفلام، شأنهم شأن الفنانين في مجالات أخرى، يسعون لتوصيل رؤيا شخصية تتميز بطريقة البحث الدقيق في الموضوع المختار، وتطويره، وإعطائه شكلاً ومعنى من خلال استخدام وسائط التعبير الخاصة بهذا الفن. ولكي يسيطر الفنان على وسيط التعبير، ولكي يتمكن من استخدامه، عليه أن يكون ملماً بمادته الخام، ومصادرها، وأساليب التكوين الفني الخاصة بالمجال الذي اختاره. يسعى الفنان التشكيلي إلى التعبير عن عالمه، ومواقفه، ووجهات نظره من خلال اللون والشكل، وتتجه العناصر البنيوية لتكوينه – الخط الضوء، المكان، الكتلة، الحجم، الملمس، الأسلوب المتبع – نحو منظومة مبينة على اللون، حيث يلعب اللون دور المادة الخام في فن الرسم، باعتباره جوهر الموضوع. بينما يعمل المؤلف الموسيقي بنفس الطريقة مع الصوت، فهو يبني تكويناً سمعياً من خلال تتالي الأصوات وعلاقتها ببعضها، فالصوت هو المادة الخام لوسيطه التعبيري. واللغة هي الوسيط الذي يستخدمه الكاتب للتعبير عن نفسه، مادته الخام هي الكلمات. فمن خلال انتقاء كلمات خاصة، وترتيبها وفق نظام خاص، يتمكن من توصيل وقائع، ومشاعر، وأفكار. قد نفترض للوهلة الأولى بأن وسيط التعبير السينمائي هو مجرد مزيج من هذه أو تلك من الفنون التي سبقته، وبالتالي فإن مادته الخام وطرقه في التكوين هي اجتماع تلك الفنون معاً، ولكن المرء يدرك بعد أن يشاهد أفلاماً عديدة، أنه بينما تستعير السينما أدوات وسائط أخرى، فإن شيئاً جديداً وفريداً يظهر، يضع الشاشة بعيدة عن الفنون الأخرى، ويمنحها هوية خاصة بها، وهذا واضح سواء أكان الفيلم درامياً أم وثائقياً أم تربوياً، أم استعراضياً، أم خيالياً، أم إخبارياً، أم سيرة ذاتية، أم فيلماً شعرياً. إن كل فيلم سواء أكان موضوعه واقعياً أم خيالياً، يواجه الجمهور بتجربة من نوع خاص، تجربة سينمائية تحرض مجموعة حواس لديه – بصرية، سمعية، حركية. وحواس تتعلق بالمكان والزمان – تختلف عنها في أي وسيط تعبيري أخر. لكي نسير غور هذا الاختلاف، ونصل إلى فهم طبيعته، لابد من فهم بعض القواعد التقنية لهذا الوسيط، لقد انتظر تطور السينما اختراع نوع خاص من الكاميرات، والأفلام الخام، وأجهزة العرض التي تستطيع أن تعرض مئات الصور بتتابع مستمر على شاشة عريضة، وترتيب تتابع هذه الصور، الذي ينتقل من عرض شخص إلى أخر، ومن مكان إلى أخر، ومن وهماً بالحركة، ودلالة تتجاوز أية دلالة متضمنة في أية صورة فوتوغرافية من مجموع هذه الصور. لقد زودت عملية الدمج ما بين "التقاط" صور منفردة، وتجميعها في نظام خاص، وعرضها بسرعة محددة، هذا الوسيط بوسائل تعبير جديدة، وبشكل من التأليف، نابع من طبيعة تقنياته. تبدأ صناعة الفيلم علمياً، بتسجيل صور وأصوات الموضوع المختار على أفلام خام تدعى لقطات، إن إمكانية تشكيل اللقطة هي ما يسمح لصانع الفيلم أن يعبر عن أفكاره ومشاعره، فاللقطة إذن هي وسيلة الفيلم الأولية للتعبير، وبذلك يمكن اعتباره المادة الخام الأساس لهذا الوسيط التعبيري التي يبنى منها الفيلم بكامله. ومع أن اللقطة تعرف تقنياً بتغيير وضعية الكاميرا – قد تدوم على الشاشة لفترة وجيزة جداً لا تتجاوز 1/24 صورة في الثانية – فإنها من الناحية البنيوية هي المكون الأصغر في التعبير السينمائي، والوحدة التي لا تقبل الانقسام والتي تتكون منها البنى الأوسع، تحتوي اللقطة من حيث الموضوع على جزء غير مكتمل من المعنى، وهي تعتمد على تتابع وتسلسل اللقطات الأخرى لتعطي دلالة كاملة. وتشكل لقطتان أو أكثر من نفس الموقع تقسيماً أوسع، وتسمى عندئذ مشهداً، تتحدد وحدته بفردية غايته، وبإتمامه جزءاً من المعنى العام، ومن الممكن أن يتكون المشهد من لقطة واحدة إذا كان محتواها التصويري يحمل معنى كاملاً. يشكل مشهدان أو أكثر إذا كانا مترابطين، تقسيماً أوسع يدعى مقطعاً، ويتضمن المقطع الحر وحدة متكاملة من الفعل والمعنى، شبيه بباب في كتاب أو فصل في قصة، وتشكل مجموعة المقاطع الحرة المشتركة ما يدعى تقنياً بالاستمرارية، أو التتابع. وبذلك يكون الفيلم الكامل تنظيماً معقداً للصور والأصوات، ينتج من اختيار اللقطات ومن ترتيبها. إذا كانت اللقطة تخدم في خلق نبض الفيلم بالنسبة لصانعه، كما هو اللون بالنسبة للرسام، والصوت بالنسبة للموسيقي، والكلمة بالنسبة للكاتب، فيمكن اعتباره أداة، ووحدة بناء تنظيم الفيلم الأساسية. وكلما كان دورها تكاملياً أكثر وتداخلها أشد، قوي معنى محتواها وازدادت حيوية بنية الفيلم، وبهذا المعنى فإن قيمة اللقطة هي أكثر من مجرد تصوير لموضوعها، بل تعتمد على إدراك العوامل والعلاقات المتضمنة في سياق ترتيب اللقطة البصري والشفهي وعلاقتها بكل من المشهد، والمقطع الحر، وتتابع الفيلم ككل. يجب أن يعبر عن كل ما هو أساسي في بنية الفيلم بداية في اللقطات، واللقطات ليست ثابتة في مواصفاتها، بل متغيرة، ويمكن إعطاء الموضوع مظاهر متنوعة من حيث وجهات النظر، وشكل الحركة، واللون، والنغمة والسرعة، والصوت، وذلك حسب الطريقة المتبعة في التصوير، ولا تحتاج اللقطات إلى تقديم موضوعها بشكل حرفي، كما لا يحتاج الرسام إلى أن يقدم نقلاً حرفياً لألوان الطبيعة، يمكن للقطة أن تزود بملابسات وتداعيات، وتضمينات، ومشاعر، وأفكار، وتلميحات. كما يمكنها أن تقترح الخيال، والفانتازيا، والأسلوب. ونأخذ اللقطة معناها الكامل من محتواها وترتيبه، وعلاقتها مع اللقطات الأخرى. يتعامل المخرج مع عناصر تشكيلية متنوعة، تعطى مضمونه تماسكاً، وفردية، وقيمة هي: الصورة، الحركة، الزمان، المكان، اللون، والصوت. وتشكل معاً المادة التي تتكون منها اللقطة، والتي تحدد هويتها، وتأثيرها، وأسلوبها. تعتمد أهمية اللقطة أولاً على المهارة في استخدام العناصر التشكيلية، ومن ثم على كيفية تفاعلها مع العناصر التشكيلية الأخرى ضمن سلسلة من لقطات ذات معنى. لكي نفهم الطبيعة الخاصة للعناصر التشكيلية، وإمكانياتها التعبيرية، وكيفية عملها في اللقطة، وفي العلاقة بين اللقطات، لابد من عزل ودراسة كل عنصر على حدة، وباتباع هذه الطريقة التحليلية لابد من تقسيم ما هو وحدة متكاملة في الأصل، إلى أجزاء. إن العناصر التشكيلية لا توجد أبداً بمفردها بل متحدة دائماً، اتحاداً قد يسيطر فيه واحد أو أكثر من هذه العناصر، تصور هنا، وحركة هناك، وصوت أو لون في مكان أخر. وفصلها هو عملية اعتباطية تماماً، نوع من التشريح بهدف الدراسة. وبهذا الخصوص من المهم ألا ننسى خطر انشغالنا أكثر مما ينبغي بوسائل التعبير، وإهمالنا الموضوع المعبر عنه، تعطي الأهمية الأولى كما في كل الفنون للموضوع، ولموقف الفنان من الحياة في معالجته، وتقنيات الفيلم، كما التقنيات في كل فن أخر، هي مجرد وسيلة تستخدم باتجاه هدف محدد. ويغدو استخدام العناصر التشكيلية وأسلوب التعبير قيماً، بقدر ما يخدم الموضوع والفكرة، أو ما يحقق إنجازاً جديداً في مجال التعبير السينمائي. وفي التحليل الأخير، فإن العنصر الحاسم لمعنى فيلم هو شيء أكثر من مجرد تقنياته وشكله، ويجب ألا نفترض بإن ما يكشفه فيلم عن اهتمام الإنسان بالعيش، أو اهتمامه بموضوع ما، يمكن أن ينقل إلينا دون التواصل مع الكائن نفسه الذي استخدم الوسيط التعبيري، من حيث فرديته وخياله. وكما في كل وسائل التعبير، من المهم أن نعلم أن هناك شرطاً واحداً مسيطراً يتحدى عملية التحليل، وأن المكون الفريد دائماً، هو الفنان نفسه، وإن إمكانياته، وقراراته، وأفعاله، هي التي تخلق العمل الفني، ويبقى ما يميز فيلماً عن أخر، باعتباره فنياً يحمل رؤيا شخصية وفردية، عصياً على التحديد.

الفهرس

- الفصل الأول:

أهداف ومواقف... - مخرجون يتحدثون... -

الفصل الثاني: طبيعة التعبير السينمائي... - المادة الخام (لويس جاكوب)...

- الفصل الثالث: العناصر التشكيلية.... - 1 – الصورة: الصورة ذات الدلالة (لويس جاكوب).... - التباس الصورة الفوتوغرافية (أرثور غولدسميث)... - حول الصورة والكلمة (نيكولا كيارومونتيه)... - الكاميرا الذاتية (هيربرت لايتمان)... - تكوين الصورة المتحركة (غريغ تولاند)... - 2 – الحركة: الحركة الحقيقية والحركة السينمائية (لويس جاكوب)... - الحركة في الأفلام (ايزرا غودمان).... - أفكار حول الحركة (هيلاري هاريس)... - الاستخدامات الحديثة للكاميرا المتحركة (ستانلي سولومون)... - تبدل وجهة نظر الكاميرا (ايرفين بيشل)..

. - 3 – الزمان والمكان: تعبير المكان والزمان (لويس جاكوب)... - وجوه الزمن (روبرت جيسنر)... - الزمن والتوتر (مايا ديرين)... - الزمان والمكان (جون هوارد لوسون)... - الإيقاع (ضايفور مونتاغو)...

- 4 – اللون: حركية اللون (لويس جاكوب)... - اللون والأفلام الملونة (كارل دربير)... - السبيل الوحيد إلى اللون (سيرجي آيزنشتين)... - بناء على علاقة مع اللون (ويليام جونسون)...

- 5 – الصوت: الصوت ككلام، ومؤثرات، وموسيقى (لويس جاكوب)... - عالم الصوت (بيلا بيلاج).... - معالجة الصوت في "المدينة" (هنوار روداكيفيتز)... - الموسيقى في الأفلام (كيرت ويل)... - الفصل الرابع: البنية التشكيلية... - التكوين الدينامي (الكسندر باكشي)... - حس الشكل في السينما (أرثور لينغ)... - الاتجاه الأخر (جوناس ميكاس)....







مواقع صديقة

 

آفاق سينمائية

مجلة إلكترونية أسبوعية