د. رياض عصمت
تساءل كثيرون عن الدافع وراء إنتاج فيلم جديد بعنوان "العظماء السبعة" (2016) بعد النجاح المتفق عليه حتى الآن لفيلم الوسترن الكلاسيكي "العظماء السبعة" (1960). تبدو الأسباب غامضة بالفعل، لكن أنطوان فوكوا اختار ببساطة أن ينافس فيلم جون ستورجس الشهير، الذي اقتبس بدوره عن فيلم أكثر كلاسيكية للمخرج الياباني الكبير أكيرا كوروساوا بعنوان "الساموراي السبعة" (1954)، علماً أن كتاب السيناريو للفيلمين الأمريكيين استلهما النصين من الفيلم الياباني. الواقع، إن نجاح "العظماء السبعة" القديم أغرى منتجي السينما للقيام بإنتاج جزئين لاحقين سينمائياً لم يلقيا سوى نجاحٍ محدود، ثم ما لبث أن أنتج مسلسل تلفزيوني (1998-2000) في موسمين ضما 21 حلقة دون أن يترك أثراً عميقاً في الذاكرة، نظراً لأن أبطال الفيلم الأمريكي القديم لا يضاهون، فقد ضم فيلم 1960 الشهير من النجوم: يول براينر، ستيف ماكوين، تشارلز برونسون، جيمس كوبورن، روبرت فون، هورست بوكهولز، براد دكستر، فضلاً عن إيلي والاك في دور الشرير. جدير بالذكر، إن مصر أنتجت أيضاً فيلماً مقتبساً عن القصة نفسها بعنوان "شمس الزيناتي" (1991) من إخراج سمير سيف وبطولة عادل إمام، بينما لعب دور الشرير فيه محمود حميدة. إذن، نحن في الألفية الثالثة أمام اقتباس جديد للقصة التي أطلقها كوروساوا الياباني، وكرسها جون ستورجيس في واحد من أشد أفلام الوسترن نجاحاً وخلوداً. بلا شك، هذا اختبار صعب يصل إلى درجة التحدي، خاضه المخرج أنطوان فوكوا بجرأة وثقة، واستقطب له باقة من النجوم المعاصرين، في طليعتهم دنزل واشنطن، كريس برات، إيثان هوك، بيتر سارسغارد في دور الشرير، والممثلة هيلي بينيت.
لم يتغير جوهر قصة "العظماء السبعة" سوى في التفاصيل. هناك بلدة يتحكم بأرزاق أهلها مجرم مقيم في مدينة أخرى مع عصابة يتجاوز عدد أفرادها مائتي مقاتل. إنه بارثولوميو بوغ، الرجل ذو المظهر الناعم الذي يخفي وراءه قسوة سامة كالأفعى. بدمٍ بارد، ينهب خيرات أهلها ويردي في عرض الشارع شاباً اعترض على الظلم أمام عيني زوجته. لا يملك سكان البلدة المسالمين حلاً سوى الاستسلام لقدرهم، دفن ضحايا المجرم والدعاء لله كي يخلصهم من هذا المصاب، لكن زعيم العصابة ورجاله لا يتورعون عن حرق حتى الكنيسة، مغادرين البلدة إلى حين كي يجمع لهم أهلها الأتاوات أو يتخلوا لهم عن أملاكهم مقابل أبخس الأثمان. تصمم الزوجة الثكلة المفجوعة على الانتقام لزوجها الفقيد، وتذهب إلى مدينة مع أحد المواطنين بحثاً عن مقاتلين محترفين يمكن أن يقبلوا مهمة التصدي للمجرم وعصابته، وحماية البلدة وأهلها من شرهم وطغيانهم، مقابل أجر زهيد. هناك، تتعرف إلى صائد المكافآت المحترف الأسود (دنزل واشنطن)، ولاعب القمار المغامر (كريس برات)، اللذين يثبتان مهارتهما في القتال بالمسدسات. يقبل الاثنان بالمهمة ويشرعان بتجنيد ثلة من المقاتلين الأشداء، بينهم رامٍ شهير بالبندقية (إيثان هوك،) ضارب سكاكين ياباني خطير، صياد ضخم الجثمان كالدب، مكسيكي ماهر باستخدام المسدس، ومحارب من الهنود الحمر يستخدم القوس والسهام والبلطة ببراعة. يزيدنا السيناريو تعرفاً بشخصيات هؤلاء جميعاً عبر الرحلة الشاقة الضنية عبر البراري القاحلة نحو البلدة الصغيرة النائية، فنكتشف بينهم من يخفي جبنه، ومن يحركه الجشع، ومن تدفعه الشهامة، ومن يحرضه الثأر. يصل العظماء السبعة إلى البلدة، ويخوضون معركة يردون فيها جميع أفراد العصابة الذين خلفهم زعيمها وراءه، باستثناء شريف البلدة العميل كي يرحل ويبلغ الزعيم أن يكف أذاه عن البلدة وسكانها. لا يتورع زعيم العصابة عن قتل ذلك الشريف، ثم قيادة عصابته بكامل عدتها وعددها لسحق تمرد سكان تلك البلدة وتلقين المحترفين السبعة درساً لا ينسى. خلال ذلك، يحاول العظماء السبعة عبثاً تلقين أهالي البلدة فنون القتال والرماية، وحفر الخنادق ونصب الأفخاخ وزرع المتفجرات. يخوض العظماء السبعة مع المجرمين معركة بالغة العنف والشراسة، يسقط خلالها بعضهم صرعى، لكنهم يبيدون العصابة عن بكرة أبيهم. أخيراً، تحدث المواجهة الأخيرة بين المحارب الأسود وزعيم العصابة في الكنيسة المحترقة، حيث يهزمه ويكشف له قبل أن يقضي عليه أن دافعه هو الانتقام لما اقترفه ذلك المجرم بحق أمه وأخته من جريمة مروعة في الماضي. يدفن أربعة من السبعة في مقبرة البلدة، بينما يرحل الثلاثة الباقون، ربما إلى مغامرة جديدة!
لا شك أن "العظماء السبعة" (2016) فيلم وسترن قوي سينمائياً، تضاعفت فيه جرعة المعارك إلى عنف مضاعف تماشياً مع الذوق الدموي السائد في الألفية الثالثة. ولا شك أيضاً أن وجود بطلة فيه (لعبت دورها بتميز هالي بينيت) أعطى نكهة جديدة. لكن الفيلم الجديد لم يستطع التفوق إطلاقاً على "العظماء السبعة" القديم. أول الأسباب أن السيناريو لم يستفد كفاية في تطوير القصة وعلاقات شخصياتها من كون دنزل واشنطن أسود اللون، ولم يكن هناك كبير مغزى من وجود الياباني والهندي سوى الإمتاع التجاري. أشيع أنه جرى التفاوض مع كل من كريستيان بيل وتوم كروز لأداء دور قائد العظماء السبعة، مما يدل على أن السيناريو لم يحسب حساباً للون بشرة البطل في الأساس، لكن المخرج الأسود أنطوان فوكوا اختار نجماً أسود شهيراً ومفضلاً لديه عبر أفلامهما السابقة معاً دون مبرر درامي نابع من داخل النص. من ناحية أخرى، فإن سيناريو الفيلم القديم كان أكثر إخلاصاً لسيناريو فيلم كوروساوا "الساموراي السبعة" في جعل الأبطال يقعون في فخ ينصبه زعيم العصابة لهم، ويمنحون فرصة للنجاة بأرواحهم جميعاً، لكنهم يختارون عدم التخلي عن عهدهم، والتمسك بكلمة الشرف، متصدين للدفاع عن المضطهدين من أهل البلدة ولو على حساب حياتهم. كما أضاع الفيلم إلى حد كبير قصة حب محتملة، بينما احتوى القديم قصة حب ممتعة. من ناحية أخرى، بدا إخراج أنطوان فوكوا كأنه مزيج غير متجانس من سام بكنباه، سيرجيو ليوني. ليس هناك ضير في ذلك سوى أن الفيلم افتقد تلك اللحظة الدرامية الرائعة التي يختار فيها الأبطال مصيرهم في المواجهة التراجيدية بشهامة وشرف، مهما حملت شخصياتهم من هنات ومهما ارتكبوا من هفوات، كما في فيلم "العظماء السبعة" القديم نفسه، وفي فيلم "العصبة المتوحشة" إخراج سام بكنباه، وفي فيلم "شمس الظهيرة" إخراج فريد زينيمان، وفي فيلم "شهامة حقيقية" إخراج هنري هاثاواي، وفي فيلم "فيرا كروز" إخراج روبرت آلدريتش، وفي فيلم "المحترفون" إخراج ريتشارد بروكس، وفي فيلم "آلامو" إخراج جون وين، وفي فيلم "غير المسامح" إخراج كلينت إيستوود، وأخيراً وليس آخراً في فيلم "دجانغو طليقاً" إخراج كوينتين تارانتينو.
لا شك أن فيلم "العظماء السبعة" (2016) أعطى قدراً من المبرر لإنتاجه، ولا شك أيضاً أنه لم يفشل جماهيرياً، لكن المخرج أنطوان فوكوا – المعروف بمهارته في إخراج أفلام الحركة والإثارة – كان بمقدوره أن يقدم فيلماً أشد عميقاً ونضوجاً لو أحسن تطوير السيناريو، ولو اتجه نحو إفادة أفضل من شخصيات أبطال بعيدين عن النزعة التجارية. رغم هذا، نال الفيلم تقديراً جيداً مقداره 7.2 درجة، وحظي بإقبال جماهيري طيب لينضم إلى قائمة أفلام الوسترن المميزة القليلة في الألفية الثالثة.