درس في السينما: ناني موريتي: تكلمتُ كثيرا عن نفسي في أفلامي


درس في السينما: ناني موريتي: تكلمتُ كثيرا عن نفسي في أفلامي

 

عن مجلة جمعية الفن السابع بسطات . ترجمة وتقديم : جميلة عناب

هو كاتب سيناريو، مخرج، منتج، موزع وممثل إيطالى، يدير شركات إنتاج ويمتلك قاعة سينما« Nuovo Sacher ». ولد فى برونيك فى جنوب تيرول بشمال إيطاليا سنة 1953. كان موريتي شغوفا بالسينما منذ صغر سنه، مما دفعه، بعد إنهاء دراسته الثانوية، إلى بيع جميع الطوابع البريدية التى جمعها طوال حياته، حتى يتمكن من شراء كاميرا «سوبر8».. وهكذا بدأ تجربته السينمائية من خلال فيلم قصير مع أصدقائه عام 1973. ومن أفلامه نذكر: «إيتشي بومبو» 1978، «بيونكا» 1984، «بالومبيلا روسا» 1989، «أبريل» 1998، «أمي» 2015.

اشتهر موريتي كسينمائي يؤلف أعمالا تعتمد سيرته وتجاربه الذاتية والحياتية، تلك التي تتأرجح بين الطرافة والمأساة، حتى أنه يجسد الأدوار الأقرب إلى شخصيته في أفلامه، ليرى بذلك واقعه المحيط من خلال عواطفه وأحاسيسه وانشغالاته. حاز ناني موريتي على السعفة الذهبية بمهرجان كان سنة 2001، عن فيلمه «غرفة الابن» والذي عرف أيضا تتويجات عالمية أخرى عديدة. في ما يلي درس سينمائي ألقاه ناني موريتي، خلال إحدى دورات مهرجان كان؛ وهو درس من تنسيق الناقد السينمائي «جون أنطوان جيلي» حيث صرح موريتي أن إنشاء شركته «لاشاسر» سمحت له بالعمل والإبداع دون قيد.. وأوضح المخرج كيف للمبتدئين في عالم السينما أن ينجحوا في أعمالهم انطلاقا من اختياراتهم ورؤياتهم الخاصة للعالم. لم أتعلم شيئا.. وليس لدي ما لأُدَرِّسه.. لدي أكثر من درس، الأمر يتعلق هنا بنوع من قصة علاقتي بالسينما كمخرج، وكمنتج ومستغل. كنت في نهاية صيف 1972، أخرج من الثانوية وعلي أن أقرر ماذا سأفعل في المستقبل.. أتذكر حديثا لي مع صديق كان يسألني ما الذي أريد فعله، أجيبه – بوجه محمرّ- : «أريد العمل بمجال السينما» ويصر: «لكن ماذا تحديدا؟ ممثل؟ مخرج؟...» أجيبه بارتباك: «الاثنان». في نهاية 1986، أسست بمعية أنجيلو بارباغالو شركة «لاشاسر فيلم».. لم تكن فقط شركة إنتاج صغيرة أعطتني الحرية لإخراج سيناريوهاتي مع الممثلين الذين أظنهم وافقوني على تقديم الأفضل: هذه الحرية، استفدت منها مع منتجين آخرين عندما أخرجت أفلامي السابقة، كنت أريد أن تكون لي شركتي الخاصة حتى يتسنى لي إنتاج أفلام المخرجين الشباب، وأستطيع العمل مع الذين أشعر معهم بالارتياح، بالرغم أنني لم أكن أعي الأمر.. عموما كانت رغبتي أن أتمكن من التصوير «في العلالي» أفلام وثائقية (كما فعلت لاحقا)، فتح قاعة سينما (تم افتتاح الساشر الجديد سنة 1991)، إنتاج وتصوير البعض من أفلامي بحرية أكبر... كلها أمور كانت ممكنة بفضل شركتي الخاصة للإنتاج.

إن طريقتي في إنتاج وإخراج الأفلام لم تكن دوما نفسها: «غرفة الابن» مثلا كان فيلما ذو بنية كلاسيكية، تطلب مني البدء باللقطات حسب سيناريو دقيق، خلافا للأفلام «بالومبيلا روسا»، «مذكرات»، «أبريل»، حيث كنت أتوفر على سيناريوهات أقل دقة، وقصة الفيلم كانت غالبا ترسم وتتحدد كلما تقدمنا في التصوير.. كان يحدث أن لا أنهي التصوير تماما.. عندما أمُر للمافيولا(Maviola) وأبدأ في توضيب الفيلم: مرحلتا التصوير والتوضيب تكونان أحيانا مختلطتان.. بدأت تصوير فيلم «مذكرات» دون أعي أنني باشرت إنجاز فيلمي الجديد: قمت بالتصوير طوال نهايتي أسبوع في فصل الصيف.. كنت أتجول في روما على متن دراجتي، كنت أفكر بإخراج فيلم قصير وعرضه قبل عرض فيلم مبرمج في «ساشر الجديد «، غير أن هذه المشاهد كانت مليئة بخفة أردت الحفاظ عليها.. وبلا مسؤولية ذكرتني بأفلامي القصيرة الأولى على شريط 8 ملم.. هاته النزهة على متن الدراجة سارت نواة فيلمي الجديد.

عندما صورت بواسطة شريط 16 ملم حصة من حصصي في العلاج الكيميائي الذي يتغيا – كما هو معروف- معالجة الأورام، لم أكن أعلم بعدُ لأي استعمال سأستخدمها.. بعد مرور سنتين، في فيلم «مذكرات» قررت أن أحكي علاقتي الكارثية مع الأطباء، فأقحمت هذا المشهد في الفيلم لأعطي قوة أكبر للمحكي الفيلمي.

مرات أخرى، حدث وأن صورت أحداث عامة بدت لي مهمة (كما هو الحال سنة 1994، موكب 25 أبريل، عيد ميلاد التحرير)، وهي أحداث أصبحت فيما بعد مقاطع لأحد أفلامي، كما حدث في فيلم "أبريل".

أن تتوفر على شركة الإنتاج الخاصة بك، يسمح لك باتخاذ قرارات سريعة، وتشجعك أحيانا على إنجاز أفلام وثائقية، أو أخرى قصيرة ربما لن تكون لنا فكرة إنجازها بشكل آخر بطبيعة الحال، عندما أوضح أنني في بعض الأحيان وجدت حلولا للحكاية أثناء التصوير، فإنني – حينها- لا أتكلم طبعا عن «الارتجال».. ببساطة، عندما نصل بلاطو التصوير دون إنجاز «واجباتنا» أو نبدأ تصوير فيلم دون سيناريو دقيق، نكون محكومين – حينها- بمحاولة ملء «الفراغات» أي فراغات الحكاية أثناء أخذ اللقطات. الارتجال شيء آخر، لا يوجد، لا تصدقوا أبدا هؤلاء المخرجين والممثلين الذين يقرون في الندوات الصحفية أنهم أمضوا أوقاتهم يرتجلون (وأنهم تسلوا كثير.. أولئك السعداء).

منذ البدء، منذ أولى أفلامي القصيرة بواسطة سوبر 8، تبين لي أنه من الطبيعي جدا أن أكون – ليس فقط- وراء بل أيضا أمام الكاميرا، وكأنه أمر يضخ في قوة أكبر (إنه التزام شخصي كبير)، كنت أريد أن أحكي من خلال القصة و الأحاسيس، لا أعرف إلى أي حد تغيرت خلال وقت طويل.. اعتبرت نفسي سينمائيا لم يستطع (وعليه أن لا يكون) أن يصور إلا الأفلام التي كتبها، كما هو حال الممثل الذي لا يستطيع اللعب إلا في الأفلام التي يديرها، أو كسيناريست في خدمة حصرية لأفلامه الخاصة. إلى حدود اليوم، كنت دائما البطل في أعمالي.. من دون شك يوجد ممثلون أكثر موهبة مني، وهم من جيلي، لكن بالنسبة لشخصيات أفلامي التي أخرجتها، أظن أنني كنت الأنسب

في فيلمي القصير الأول سنة 1976« Je suis autarcique » ، وكأنها الصدفة التي خلقت شخصية ميشال.. في أفلامي اللاحقة، وبطريقة أقل أو أكثر وعيا، تسليت بإعادة تلك الشخصية، أعمقُها كل مرة، بكل تشنجاتها، وساوسها وعاداتها السيئة: عشقها للحلوى، كرهها للأحذية، جانبها الخصامي والمتعصب، ثقتها المبالغ فيها في اللغة... وبعد ذلك، أتذكر الأماكن والمواقع: المحادثات الهاتفية، الوجبات العائلية، قطع الجرائد، الأرشيف، كرته التي يلعب بها في غرفته، الصيف في روما... إلخ. في فيلم «بالومبيلا روسا»، كان ميشال يعاني من فقدان الذاكرة.. وعند انتهاء الفيلم، ظننت أنني إذا اخترت شخصية نسيت من تكون، فلأني – ربما- لم أكن أريد، كمخرج وممثل وكاتب سيناريو، أن أعيد دوما هاته الشخصية البريئة والعدوانية في نفس الآن، التي تتفاعل بعنف مع سطحية أصدقائها.. لم أرد أن أكرر - إلى ما لا نهاية- الدينامية التي أنتهجها في كل أفلامي.. هي شخصية تتأسس مع الآخرين.. ربما أردت أن أعيد منذ البداية شخصية ذات طباع مختلفة.. غاب ميشال نهائيا مع فيلم «مذكرات»، عندما غابت شخصيتي الخيالية، فعندما يُشاهَد الفيلم من طرف شخص أول، وعندما ألعب دوري الخاص، لن أعتقد أنني أحكي قصة مرضي، إذا لم أكن مختبئا وراء شخصية خيالة.

بعد الفيلمين «مذكرات» و «أبريل» اللذان حُكيا على شكل فيلم يوميات(Film- journal)، بدأت من جديد في فيلم «غرفة الابن» في تأدية دور شخصية أخرى، محاولا بذلك أن أعطيها ميزات مختلفة نوعا ما عن سابقاتها، ميزة أكثر نضجا. كان «عملي» كمتفرج، دائما، يتأثر بعملي كمخرج، تجاربي وأحاسيسي كمتفرج أثروا على اختياراتي كمخرج.. شاهدت أفلام كثيرة، منها أفلام كثيرة رديئة.. أظن أن مشاهدة الأفلام الرديئة أمر مهم، إذ يسمح لنا بتطوير الحس النقدي، والبحث عن كيفية تجنب – في عملك- ما يثير الخيبة في أعمال الآخرين. خصوصا في البداية، عندما يصور مخرج أفلامه الأولى، إنه لمن الأهم أن يعي بالذي لا يريده، والذي لا يروقه.. عليه أن يعرف ما الذي لا يريده من العاملين معه: كاتب السيناريو، الممثلون، الموضب، مدير التصوير، مسؤول الديكور، مسؤول الملابس، مؤلف الموسيقى الذي غالبا ما يعتاد اقتراح حلول عادية، أفكار رتيبة وروتينية أكثر «مهنية».. دون مراعاة شخصية المخرج الذي يشتغل معه.

إنه لمن المهم بمكان بالنسبة لمبتدئ أن يعرف ما الذي يريد فعله، والأكثر من ذلك، أن يعي ما الذي لا يريد فعله، لأنه رأى مِئتيْ مرة الذي لم يرقه في أفلام بدت له بعيدة كل البعد عن أسلوبه في الحكي والإحساس







مواقع صديقة

 

آفاق سينمائية

مجلة إلكترونية أسبوعية