عبد المنعم ابراهيم ، بسمة السينما الحزينة


عبد المنعم ابراهيم ، بسمة السينما الحزينة

غالبا ، ما ظهر الفنان الكبير عبد المنعم ابراهيم ، في الأفلام السينمائية المصرية القديمة ، وكان بلا منازع بطل الصف الثاني من الممثلين حينذاك ، وكان لوجوده في السينما وحتى المسرح ، دور حاسم وظهور لطيف ، محبب لدى الجمهور ، خاصة في الاداء الكوميدي . عاش حياة مليئة بالقسوة والحزن ، رغم مساحات السعادة التي كان يوجدها في فنه الكوميدي الراقي الذي كان يقدمه . كتبت عنه الصحافة العديد من المواد . كان منها هذا المختارات : الفنان عبدالمنعم إبراهيم، محترفً في أداء الأدوار المساعدة، ولا سيما أدوار صديق البطل، فقد شكل نظرية ناجحة في إضفاء أجواء الكوميديا على الأفلام جميعها وشكل في الجانب الآخر، ثنائيات فنية في كل فيلم يقوم بأدائه، وقد أطلق عليه العديد من الألقاب وأهمها وأحبها إلى قلبه “شارلي شابلن العرب”. عشق عبد المنعم إبراهيم ابن قرية "ميت بدر حلاوة" المسرح منذ الطفولة، عندما كان يأخذه والده باستمرار لمشاهدة عروض فرقة علي الكسار، وكان يلهو مع أقرانه عندما يعود للبلد ويجسد بعض الشخصيات من القرية، وفي ظل بحثه عن أي نشاط فني في مدرسته "عابدين الابتدائية"؛ التحق بفريق الموسيقى وتعلم البيانو، قبل أن يقدم عرضا مسرحيا عن قناة السويس أذاعته الإذاعة المصرية وقتها، حيث كانت كل مدارس القاهرة في ذلك الوقت تقدم بعض الأنشطة إسبوعيا. في المرحلة الثانوية التقى عبد المنعم بطالب يهوى التمثيل مثله وهو عبد المنعم مدبولي، وكونا مع العديد من الطلاب فرقة للهواة، قدمت أكثر من عمل من إخراج مدبولي، وقام جورج أبيض بإخراج أحد العروض لتلك الفرقة.

لم يتقدم عبد المنعم إبراهيم لمعهد الفنون المسرحية مع افتتاحه عام، 1944 خوفا من إغلاقه على غرار ما حدث مع المعهد الذي افتتح عام 1933 وأغلقوه بحجة أن التمثيل حرام، ثم تقدم للمعهد برفقة عبد المنعم مدبولي عام 1945 ضمن 1500 طالب ونجحا معا، إلا أن والدته توفت قبل الاختبار النهائي للقبول بالمعهد، وكان من المفترض أن يجسد دورا كوميديا لكنه لم يقم بالدور بشكل جدي، وعندها طلب منه زكي طليمات أن يؤدي مشهدا تراجيديا فألقى أبياتا من قصيدة "مجنون ليلى" لأحمد شوقي، ثم نجح والتحق بالمعهد بعدها ليسند إليه زكي طليمات بعدها أغلب الأدوار التراجيدية. لعبت الصدفة دورا هاما في تحول مسار عبد المنعم إبراهيم من التراجيديا إلى الكوميديا، ففي عام 1946 وقبل امتحان النقل للسنة الثانية من المعهد، قام مع زملائه المعهد بتقديم مسرحية شعرية عن الجامعة العربية، وقوبل بترحيب كبير وضحك شديد من الجمهور، ما أدى إلى نقله للعام الثاني من المعهد دون اختبار، ثم وجه انتباه أساتذته لقدراته الكوميدية التي تفجرت ولم تنضب حتى وفاته. عاني عبد المنعم إبراهيم من أزمات كثيرة في حياته، كان أشدها وفاة زوجته الأولى بعد معاناة شديدة مع المرض، تاركة له 4 أطفال أصغرهم طفل عمره سنة، وقت أن كان يقدم أدوارا كوميدية تسعد الناس، ويحكي الفنان الراحل عن حزنه الشديد وقت مرضها، وكيف كان ينام بصعوبة بعد أن أخبره الطبيب أنها لن تعيش سوى ستة أشهر. اختار عبد المنعم إبراهيم البعد عن كوميديا "الفارس" وفضل الكوميديا الأخلاقية الراقية في المسرح، ولم يكن يقبل بأي دور مسرحي لا يتناسب مع قدراته عانى الكوميديان الرائع هو وجميع جيله من ضعف دخل الممثل المسرحي الحكومي، مما اضطرهم لقبول بعض الأدوار غير اللائقة في السينما، وهو ما أكده زميله توفيق الدقن في حوار إذاعي مع محمود السعدني عندما أكد أن الممثل المسرحي وقتها كان يحصل على 50 جنيها يتحصل منهم على 19 جنيها بعد الضرائب والمستقطعات، مما اضطره أن يؤدي بعض الأدوار السينمائية التي أكد خجله منها.

ترك لنا عبد المنعم إبراهيم تاريخا ضخما من الأعمال الفنية أبرزها على سبيل المثال لا الحصر، في السينما "ثلاثية نجيب محفوظ، إسماعيل ياسين في الأسطول، السفيرة عزيزة، بين السما والأرض، إشاعة حب، سكر هانم، السفيرة عزيزة وسر طاقية الإخفاء".

أما في التليفزيون فقدم لنا الكثير من الأعمال المتميزة التي تركت عالمات في ذاكرة الدراما المصرية منها "ولسه بحلم بيوم، الشهد والدموع، ألف ليلة وليلة، أولاد آدم، لا إله إلا الله، محمد رسول الله، رحلة السيد أبو العلا البشري وزينب والعرش".

الأعمال المسرحية والإذاعية كان لها نصيب كبير من وقت الكوميدان الراحل، فقدم أكثر من عمل من خلالهما كان أبرزها في الإذاعة برنامج "ساعة لقلبك"، وفي المسرح "علي جناح التبريزي وتابعه قفة"، وبذلك لم يترك الفنان عبد المنعم إبراهيم نافذة يطل منها علينا ليسعدنا بفنه إلا وفعل، ليرحل عن عالمنا في السابع عشر من نوفمبر سنة 1987،

كتب الكاتب الساخر محمود السعدنى فى كتابة المضحكون يقول (أنا أضحك أذن انا سعيد وبعد فترة طويلة من الزمن اكتشفت أن العكس هو الصحيح واكتشفت أن كل رجل ضاحك رجل بائس وانه مقابل كل ضحكة تفرقع على لسانه تفرقع مأساة داخل أحشائه وأنه مقابل كل ابتسامة ترتسم على شفتيه تنحدر دمعة داخل قلبه) وقد صدق السعدنى فى قول تلك الكلمات فﻷول مرة أرى هذا الفنان الكوميدى الجميل الذى كان دائما يرسم البسمة على شفاهنا وتعلو ضحكاتنا على أدائه التمثيلى الجذاب بتلك العيون الممتلئة بالدموع وأنفاس متقطعة لا يقدر على التعبير عن ما بداخله من ألم عندما أخبره الطبيب فى يوما مشئوم إن زوجته الحبيبة وأم أطفاله ستغادر الحياة بعد أيام قليلة وعليه أن ينتظر بجوارها ويتعايش مع تلك اللحظات المريرة صامدا لا يشعرها بشىء.. عبد المنعم إبراهيم الذى يطلق عليه الضاحك الباكى تفاجأت عندما شاهدت وقاره وجديته وحزنه المختلط بخفة دم فى أحدى لقاءاته التليفزيونية القديمة فتشعر أنك أمام شخص أخر عكس ماتعودت عينيك رؤيته على الشاشة ولا يخطر ببالك أن هذا الشخص قد لعب دور فتافيت السكر فى فيلم سكر هانم أو الصحفى فى سر طاقية الإخفاء. شعبيته الحقيقية جاءت عن طريق السينما التى لعب فيها أدوار عديدة ولكنها فى النهاية لم تكن كافية ﻷظهار موهبته الحقيقة فكان دائما يظهر فى دور صديق البطل الذى يضيف على الفيلم خفة ظل ويكسر حدة أحداث الرواية وكأنه يخرج المشاهد قليلا ليستريح ويلتقط أنفاسه ثم يعود مرة أخرى لاستكمال الأحداث وهذا هو القالب الذى وضع فيه عبد المنعم إبراهيم فرغم موهبته الجبارة كان يقبل أدوار عديدة بسبب حاجته الشديدة للمادة وما أشد قسوة على الإنسان من قبوله شيئا يرفضه عقله بسبب احتياجه للمادة فيصبح طوع أمرها بدلا من أن تصبح هى طوع امره وعلى الرغم من ذلك لا نغفل أيضا كم الرصيد الهائل من الأفلام التى لعب فيها شخصيات متنوعة مثل دوره فى فيلم الوسادة الخالية، والسفيرة عزيزة، إسماعيل ياسين فى الأسطول، إشاعة حب، وقد لعب فى بداية حياته كوميديا فارس وهى نوع من أنواع الكوميديا التى تعتمد فى ضحكها على المبالغة فى الحركات ولكنه قال إنه لا يحب هذا النوع من الكوميديا لذلك أتجه إلى مدرسة الكوميديا الأخلاقية التى ينبع الضحك منها من خلال المواقف الانسانية داخل سياق الرواية وبجانب ذلك كشفت الدراما التليفزيونية فى نهاية حياته عن وجه تراجيدى من العيار الثقيل وذلك فى مسلسل أولاد أدم ورغم عبقريته فى الأداء التراجيدى فتشعر أنه ممثل أخر تماما عن عبد المنعم الكوميدى وهنا تكمن سر عبقريته.







مواقع صديقة

 

آفاق سينمائية

مجلة إلكترونية أسبوعية