(الدوبلاج) بين الخطر المُحدق والضرورة


(الدوبلاج) بين الخطر المُحدق والضرورة

فؤاد مسعد :

هو حديث قديم جديد ، وربما مستمر ، إنه (الدوبلاج) الذي جمع حول أعماله الأولى التي انتشرت على الفضائيات العربية جمهوراً واسعاً ، لا بل تسببت بعض أعماله عند عرضها في ذلك الحين إلى حالة تشبه حالة منع التجول أحياناً ، ولكن ما لبث هذا الحشد من الجمهور أن انفك عنه تدريجياً وتراجع رويداً رويداً وانحسر إلى حد ما . بعضهم رأى فيه أخطبوطاً قد يبتلع الدراما السورية أو في أبسط الأحوال قد يسحب البساط من تحت قدميها ، وأدرجوا لذلك الكثير من الأسباب التي لم يكن أولها اللهجة (فغالباً ما تكون اللهجة المُقدمة خلاله سورية) والاستعانة بأصوات فنانين محبوبين إضافة إلى الحرفية في العمل ، وليس آخر تلك الأسباب أنه بات يشكل منافساً شرساً في المحطات العارضة ، ولدى الحديث بلغة الأرقام فهناك محطات تخصص ساعات معينة للمسلسلات ومنها السورية ، وعندما يأتيها العمل المُدبلج ذو الحلقات كثيرة العدد تفضله على سواه لسعره ولكثرة عدد جمهوره ، وبالتالي هو يأخذ مكان المسلسل السوري على هذه المحطة او تلك ، ولكن هناك من ينفي هذه الادعاءات ، أو بأحسن الأحوال يقلل من أهميتها ويرى أنه مبالغ فيها فكل عمل يفرض نفسه ، وليس من عمل يأخذ مكان آخر .

ـ السلبي والإيجابي : ولكن بين هذا وذاك تبرز مجموعة من العوامل المؤثرة والتي تلعب دوراً رئيسياً في العملية ككل ، ففي ظل ما تعانيه الدراما من أمراض كالشللية والمحسوبيات والواسطات وفرض وجوه بعينها وتغيّيب أخرى إضافة إلى قلة الإنتاج في السنوات الخمس الأخيرة وانكماش عمليات التصوير في الكثير من الأماكن والمواقع ، ربما وجد العديد من الفنانين في الدوبلاج مجالاً واسعاً ليقدموا خبرتهم وإبداعهم من جهة وليكونوا في مكان لا يزاحمهم عليه النجوم كمصدر رزق مقبول من جهة أخرى ، وفي كل الأحوال يبقى أفضل من الجلوس في المنزل وانتظار دور كبير أو صغير ، قد يأتي أو لا يأتي أصلاً ، كما أن هناك فنانين أحبهم الجمهور من خلال الدوبلاج حتى دون أن يعرف شكلهم ، مما يؤكد أنه في النهاية هو فن وله مقوماته ومتطلباته وشروطه ومبدعوه ، ويمكن أن يقدم تحت عنوانه العريض أعمالاً جيدة وأخرى سيئة ، منها ما يتمتع بسوية فكرية أو بصرية جيدة ومنها ما يهبط بالمستوى البصري وبالطروحات الفكرية والفنية المقدمة من خلاله ، لا بل قد يشوه بعض المفاهيم ويكرس قيماً غريبة عن مجتمعنا وقصصاً بعيدة كل البعد عنا ، خاصة أن المسلسلات التي بات يتم اختيارها لم تعد محصورة في بلد معين أو منطقة بعينها فنجد أعمالاً من الشرق والغرب ، المهم المسلسل الذي يضمن جذب أكبر قدر من الجمهور ويخدم المُعلن في القناة العارضة .

ـ تأثيره على الدراما : ضمن هذا الإطار دحضت الفنانة لورا أبو أسعد أكثر من مرة فكرة أن يكون لهذه المسلسلات تأثيراً سلبياً على الدراما السورية أو أنها تهدد حضورها ، قائلة أن (العمل الجيد ستسعى المحطات كلها لعرضه) ، وإن كان لايزال للمسلسل المدبلج الرونق نفسه عند الجمهور أكدت أن جمهوره في ازدياد ، وفي لقاء سابق معها قالت حول هذا الموضوع أن السبب في جماهيرية هذه المسلسلات أنها جميلة وطويلة ، فكثيرون انتقدوا المسلسلات العربية بالقول أنها قصيرة وتخضع لموسم رمضان (ثلاثون حلقة فقط) في حين أن عدد حلقات الأعمال المدبلجة كبير ، وبالتالي هناك من لديه وقت فراغ ويحتاج لمسلسل يعيش معه ثلاثة أو أربعة أشهر ليقدم له التسلية ، أضف إلى ذلك كله أن العمل المدبلج يحوي صورة مبهرة ويظهر الجمال مع قصة بسيطة وجاذبة .

ـ فن قائم بحد ذاته : على الرغم من الانتقادات الكثيرة الموجهة للدوبلاج باللهجة السورية وبأنه يساهم في سحب البساط من تحت أقدام الدراما السورية ، إلا أن الفنانين يصرون على العمل فيه .. فما السر وراء ذلك ؟ .. يجيب عن هذا السؤال لآفاق سينمائية الفنان مروان أبو شاهين قائلاً : مما لا شك فيه أن الدوبلاج فن قائم بحد ذاته ، فهو مرتبط بالدراما إلى حد كبير وقد يكون العمل فيه أصعب لأنك مضطر لاستخدام أداة واحدة من أدواتك كممثل وهي الصوت والتعبير عن كل حالات الممثل الذي تقوم بأداء شخصيته من خلاله (الصوت) وهنا تكمن صعوبة هذا المجال ، إضافة إلى أنك مضطر للانسجام بشكل أو بأخر مع طبيعة هذا الممثل والذي في معظم الأحيان قد لا يشبهك ولا يتقاطع معك بشيء . ويتابع الفنان مروان أبو شاهين كلامه : أما بالنسبة للهجه السورية فقد أضافت طابعاً خاصاً للدوبلاج تقبّله كل الناس برحابة صدر، و لاقت اللهجة السورية (الشامية) نجاحاً كبيراً لبساطتها وسلاسة مفرداتها ، وساهمت بنجاح أعمال عديدة من الدوبلاج لاقت النور من خلالها ، فالدوبلاج لم يسحب البساط من تحت أقدام الدراما بل على العكس تماماً إذ ساهم في تطورها ورواجها بشكل كبير وملحوظ ، ولا ننسى أن الفضل الكبير يعود له في تحسين الوضع المادي لكثير من الفنانين الذين استُبعِدوا من الأعمال الدرامية ، وبالتالي كان له الفضل في استمراريتهم بالعمل لحد كبير . ولكل الذين ينتقدون هذا الفن وأخص بالذكر الدراميين أقول لو أنكم تشعرون بمأساة الأشخاص الذين حُرمِوا من فرصتهم في الدراما لكنتم الآن تجلسون خلف (مايكات الدوبلاج) .. فكل الاحترام للقائمين على هذا الفن لأنه يستحق وبجداره أن يتصدر المراتب الأولى في هذه المهنة .

ـ كلمة لا بد منها : المسلسل المُدبلج بات منذ سنوات عديدة أمراً واقعاً ، وإن كان يرى فيه العديد من النقاد خطراً محدقاً إلا أن جدية التعامل معه ورغبة المحطات والمعلنين بإنجازه كلها عوامل فرضته على الساحة وجعلته وجبة درامية جاهزة ومطلوبة ، وإن خف عدد راغبيها إلى حد ما ، ولكن مع الأيام تم فرزه ليكون ضمن نوعه أي أنه عمل درامي مُدبلج وليس مسلسلاً سورياً نصاً وإخراجاً وكتابتاً وتمثيلاً ، ورغم ما يحمل من جاذبية إلا أنه لم يستطع مقارعة حضور المسلسل السوري لعدة أسباب لعل أهمها أن كلاً منهما ينتمي إلى نوع مختلف تماماً عن الآخر وهو الأمر الذي بات يدركه الجمهور جيداً ، ويتعامل مع ما يُقدم له بناء على هذا الأساس ، إضافة إلى ما تمتلكه الدراما السورية من أساس متين وصلب وأصالة تجعل منها دراما مطلوبة ولها حضورها الهام في قلوب الناس وعلى الشاشات . وبعيداً عما تحمل الأعمال المدبلجة من ميزات سلبية أو إيجابية على الصعيدين الفني والفكري إلا أنها استطاعت أن تحقق مجال عمل جيد أمام الكثير من الممثلين ، ولكن المفارقة المخيفة اليوم أن هناك مسلسلات درامية سورية وعربية تحاول تقليد هذه الأعمال المدبلجة والسير على خطاها ، دون دراية من قبل البعض أن لكل عمل بيئته وهويته فإن خرج منهما ظهر هجيناً وغريباً .







مواقع صديقة

 

آفاق سينمائية

مجلة إلكترونية أسبوعية