الدراما والطفل .. غياب واستسهال


الدراما والطفل .. غياب واستسهال

آفاق سينمائية ـ فؤاد مسعد :
هي محاولات فردية هنا أو هناك غالباً ما يُرصد لها ميزانيات خجولة ، ولكن بالمجمل لدى قراءة الخارطة الإنتاجية الحقيقية للدراما التلفزيونية نجد غياباً كاملاً للطفل ولليافع عن ذهنية من يفكرون في وضع معالم ومفردات هذه الخريطة فالهم الاول للبزنس ومحاولة جذب المشاهد بشتى الوسائل ، أما الفئات العمرية التي تحتاج إلى أعمال خاصة بها فهي مغّيبة تماماً وبعيدة كل البعد عن آلية الإنتاج ، ولدى السؤال تُصدم بأجوبة تقليدية جاهزة تسعى إلى التبرير والتهرّب ورمي الكرة في ملاعب الآخرين ، ومفاد الإجابات أنه ليس هناك من نصوص تحاكي هذه المرحلة العمرية وهمومها وآمالها وآلامها ، ونادراً ما تجد من يمتلك القدرة الحقيقية على الغوص في عوالمها على اختلاف مستوياتها ، فهي تحتاج إلى ذكاء وخيال وتعامل خاص وإيجاد البنية الحكاية الجاذبة والمفردات المناسبة المقنعة التي تساير الشريحة المقصود التوجه إليها ، إضافة إلى ما يمكن أن تتضمنه من مفاهيم وأفكار ورسائل ، ويضاف إلى ذلك كله موضوع البذخ الإنتاجي الذي تتطلبه هذه الأعمال لتخرج بالصورة المقنعة وهو الأمر الذي يتم تحاشيه خاصة أن المحطات لا تدفع ما يتناسب مع هذا البذخ وتسعى لأن تتعامل معه كما تتعامل مع أي عمل درامي آخر .. ولكن هل هذا هو الجواب الحقيقي ؟..
المُتابع لآلية الإنتاج الدرامي يكتشف دون عناء أن تهميش هذه الشريحة والاستعاضة عنها بمسلسلات موجهة لكل العائلة هو الحل الأبسط والأسهل والأسرع للمنتج ، لأن الخوض في غمار إنجاز أعمال موجهة لشريحة معينة ينبغي أن يحقق مجموعة من الشروط ، أولها وأهمها الإقناع والتناول بصيغة تُلائم الشريحة العمرية الموجه إليها العمل وأن يتمتع بلغة بصري تحترم المشاهد مهما صغر عمره ، وهي شروط قد يخشى من الخوض في غمارها المنتجون ويفضلون الذهاب باتجاه آخر ، والأمر هنا لا ينحصر ضمن الدراما التلفزيونية السورية وإنما يتعداها ليشمل الدراما العربية ، كما يمكن أن يجيّر إلى مفاصل إبداعية أخرى كالسينما والمسرح والقصة .. وضمن هذا الخضم قد يخرج أحدهم مُدافعاً خاصة أن هناك مسلسلات يكون فيها حضور هام لطفل عبر أحد خطوطها ، ولكن يبقى هذا الخط مندرجاً ضمن صيرورة العمل ككل الموجه أصلاً للكبار .. وأمام ذلك كله أقول : فلنصمت خجلاً عندما نُتهم بأننا نترك أطفالنا فريسة سهلة للأفلام والمسلسلات القادمة إليهم من أصقاع العالم والتي تحمل ما تحمل من أفكار في الكثير منها هي أفكار غريبة عنا إن لم نقل أنها أفكار هّدامة للمجتمع والأسرة . لنصمت عندما نعجز عن إدراج الطفل ضمن سلم أولوياتنا الدرامية ونكتفي بطرح شعارات كبيرة عنوانها العريض (الطفل هو المستقبل) وبأيدينا نسلّم هذا المستقبل إلى مسلسلات غربية لتقوم هي بالمساعدة في تربيته فتبث مفاهيم خطيرة وتغذي روح العنف والعدوانية مما يؤدي إلى إفراز شخصيات طفولية متلبدة المشاعر تعشق الرعب ومناظر الدماء . لنصمت عندما نستسلم لجلوس أطفالنا معنا لمتابعة المسلسلات العربية والمدبلجة ولنمعن في صمتنا عندما نكتشف أنهم باتوا يقلدون ما يرونه ، لأننا لم نمنحهم خيارات أخرى للمُشاهدة ، علماً أن التلفزيون لمن في عمرهم هو أحد أهم وسائل إكساب المعرفة والسلوك والقيم والاتجاهات .
أليس من حق الأطفال أن يروا أنفسهم على الشاشة بشكل أو بآخر ؟ هو سؤال يحتاج للإجابة عليه عملاً حقيقياً بعيداً عن التصريحات ، عملاً يحوّل الأمنيات إلى واقع ملموس ، خاصة أن هناك الكثير من الطاقات والمواهب الموجودة فعلاً والتي تنتظر أن تُتاح أمامها الفرصة لتظهر بالشكل الحقيقي وتأخذ دورها ضمن هذا الإطار من العمل الجاد والمثمر مادياً ومعنوياً ، والسؤال لماذا لا يسعى القائمون على الصناعة الدرامية التلفزيونية لإيجاد حلول منطقية وإحياء هذا الجانب من العملية الإنتاجية ، ومن الحلول على سبيل المثال لا الحصر إقامة ورشة كتابة من الأطفال واليافعين أنفسهم فيطرحون أفكارهم وهمومهم وهواجسهم وفق طريقة تفكيرهم بها وبالصيغة القصصية الأقرب إلى ذهنهم وتفكيرهم لتكون الأساس في عمل درامي موجه إليهم يصوغه سيناريست متخصص ؟.. ربما هي فكرة يُمكن أن تُضم للكثير من الأفكار الأخرى التي تصب في هذا المجرى للوصول إلى النتيجة المرجوة ، واليوم بعد كل ما تعرض له الطفل السوري من ضغوط ألا يستحق أن نخاطبه من خلال شاشته المحلية لنكون الأقرب إليه ؟.
هي دعوة جادة وحارة لمحاولة الولوج إلى هذه العوالم الغنية التي يمكن أن نغرف منها الكثير من الأفكار والأعمال ، ومما لا شك فيه أن العمل الجيد سيسوق نفسه في النهاية ، ولنا في ذلك أمثلة ناجحة على مستوى الوطن العربي منها على سبيل المثال لا الحصر مسلسل (كان يا مكان) .. وبالتالي أين هو المنتج الذي يمكن أن يُدرج الطفل واليافع ضمن حساباته الإنتاجية فيقدم على هذه الخطوة بجدية ربما نحن أحوج ما نكون إليها في إنتاجنا اليوم .







مواقع صديقة

 

آفاق سينمائية

مجلة إلكترونية أسبوعية