فرانسوا تروفو

الإصدار: العدد مائة و واحد و خمسون

فرانسوا تروفو

 

تأليف: ديفيد نيكولس ترجمة: علام خضر

منشورات وزارة الثقافة – المؤسسة العامة للسينما (92)

أصبح فرانسوا تروفو خلال مهنته التي امتدت زهاء 25 سنة – أنجز خلالها 21 فيلماً روائياً- من أكثر صناع الأفلام الفرنسيين شعبية في زمنه. كما ذاع صيته ولاقى أعجاباً كبيراً في الولايات المتحدة وبريطانيا واليابان فاق الإعجاب الذي ناله في بلده الأم، كما اعتبره الأمريكيون أنه يمثّل السينما الفرنسية بوجه عام. وجد (مايلسون فورمان) لدى وصوله إلى الولايات المتحدة قادماً من تشكوسلوفاكيا بأن تروفو قد جسد السينما الفرنسية في نظر عشاق السينما الأمريكيين تماماً كما كان (فديريكو فيلليني) بالنسبة إليهم يمثل السينما الإيطالية و(إنغمار بيرغمان) يمثل السينما الاسكندنافية. لكن هذا الرأي شكل سوء فهم كبير للحالات الثلاث وخصوصاً بالنسبة لتروفو نظراً لافتقاره إلى الشعور القومي وإعجابه بالسينما الأمريكية. علاوة على ذلك، فقد حق تروفو هذه المكانة كسفير ثقافي لبلاده في أمريكا -مع أن هذه الصفة مشكوك بصحتها- بالرغم من طبيعة أفلامه المؤلفة من عناصر مستمدة من مصادر انتقائية سواء في الأسلوب أو في الموضوع بالإضافة إلى رفضه اتباع التيارات السائدة أو الأساليب الشائعة في ذلك الوقت. لقد أراد تروفو أن يكون أكثر كلاسيكية أو حتى أعتق طرازاً في أسلوبه في عصر قام فيه أهل الحداثة باستقطاب الاهتمام والتأثير على صناعة الأفلام التجارية نحو الأفضل أحياناً وباتجاه الأسوأ في أغلب الأحيان. مثل تروفو بالنسبة للشباب الأمريكي أنموذجاً مثالياً للحرية والثقافة والاستقلالية خصوصاً بعد عام 1974 حين نال فيلمه "ليلة أمريكية" جائزة الأوسكار كأحسن فيلم أجنبي وحقق نجاحاً باهراً في شباك التذاكر. لكن وقاع الأمر لم يكن وردياً مشرقاً بهذه الصورة لأن نجاحه خارج حدود فرنسا بدا يسيراً مع أنه مهنته السينمائية عانت صروف الدهر من حالات اليأس والابتهاج ولم تعرف الاستقرار إلا في السنوات القليلة الأخيرة قبل أن يفارق الحياة مبكراً وبشكل تراجيدي عام 1984 عن عمر يناهز الثالثة والخمسين، حيث حقق في أفلامه الثلاثة الأخيرة "المترو الخير" 1980 و"امرأة في الجوار" 1981 و "وأخيراً جاء يوم الأحد!" 1983 مسيرة متواصلة من النجاحات الفنية والمالية الباهرة. لقد شكل اسم تروفو جزءاً من المشاكل التي مر بها بسبب ارتباط اسمه الوثيق بتيار "الموجة الجديدة" في السينما الفرنسية حيث ثار هذا التيار الجديد على الأفلام المحلية التي كانت تغط في حالة من السبات وذلك عام 1958، وهو التاريخ الذي عاد فيه الجنرال ديغول إلى سدة الحكم في فرنسا. إن الخلافات والانطباعات الزائفة التي تولدت في أواخر الخمسينات وأوائل الستينات كانت طويلة الأمد وهذا ما جعل كل أفلام تروفو الصادرة في أواخر الستينيات والسبعينيات أعمالاً تصدى لها النقاد المعادون بصحيات نادت أن "الموجة الجديدة قد انتهت" وأن "تروفو ذلك الشاب الذي تمرد على كل المعتقدات والتقاليد الفنية قد أصبح بالياً" وغيرها من العبارات السطحية. إن هذه الحركة الفنية التي تعهدت بإحداث التبديل والتغيير في عالم السينما لم تحقق هدفها المرجو مما جعل تروفو -الذي حمل راية هذا التمرد السينمائي- يدخل إلى تلك المؤسسة ليصبح مخرجاً عتيقاً ولي عهده. إن تروفو الذي ظهر بادئ الأمر كناقد متشبث بآرائه يهاجم الرموز المزيفة في السينما الفرنسية أصبح نفسه هدفاً لرواد السينما الجدد وموضوعاً للانتقاد. كما أن محاولات تروفو الرافضة للتنصل من "الموجة الجديدة" والأهمية التي أولاها للوفاء والإخلاص والصداقة والمبادئ ونقده الذاتي الصارم التي لم تساعده جميعها في الدفاع عن قضيته. ولكننا نستطيع وبمرور الوقت النظر إلى "الموجة الجديدة" بمعزل عن الجدل أو النظريات المتطرفة كي نتمكن من تقييم حياة تروفو وشخصيته وإنجازاته بطريقة معقولة ومنطقية. تروفو خلال تصوير فيلم "امرأة في الجوار" عام 1981. يمكن القول أنه تحتم على أولئلك الذين انغمسوا في "الموجة الجديدة" الدفاع عن هذا التيار الجديد، وقد أوضح كل من تروفو و (شابرول) هذه النقطة لاحقاً في تعليق مفاده أن مهاجمة فيلم ينتمي إلى "الموجة الجديدة" إنما يتضمن الهجوم على كافة أهل تلك الحركة بغض النظر عن تمايزهم. لذلك اضطر الأمر إلى الدفاع عن كل أفلام "الموجة الجديدة" -أو الأفلام التي وصفت بأنها تنتمي "للموجة الجديدة". وقد نظر العالم إلى جماعة "دفاتر السينما" بمن فيهم تروفو و(شابرول) و (جاك دونيول فالكروزيه) و(جان لوك) و (جاك ريفيت) و(إيريك رومر) على أنهم نواة "الموجة الجديدة". لكن مع مرور الوقت تبين مدى اختلاف شخصياتهم الفنية. فقد اتحدوا بادئ الأمر بالتزامهم فقط بالسينما كوسيط للتعبير عن الذات ولكن بحلول عام 1964 -وهو التاريخ الذي أعلن فيه عن انتهاء فترة "الموجة الجديدة" -اضطروا إلى مساندة بعضهم بعضاً. وقد قام كل من تروفو و(غودار)- الذي انفصل فيما بعد بشكل عنيف -بمدح أعمال الآخر من خلال مقالات نشراها في هذا الخصوص ثم تعاونا فنياً ومالياً في بدايات مهنتيهما المختلفين. إن التراث الدائم "للموجة الجديدة" تمثل في إبراز عدد من الموهوبين إلى السينما الفرنسية والعالمية على حد سواء. ولم يكف تروفو أبداً عن الدفاع عن تلك الموجة ومد يد العون لزملائه بدءاً بأيام المجد ولغاية الستينيات (باستثناء غودار) والسبعينيات. أما من الناحية الفنية صمد تروفو منذ البداية كشخصية غير نموذجية "للموجة الجديدة" تماماً كما أدرك النقاد المعادون الشيء عينه. ولم يقصد تروفو أبداً أن تتميز آراؤه بالحداثة وفضل الاستشهاد بنصيحة (سلفادور دالي) الموجهة إلى الرسامين الجدد: "لا تقلقوا من الانتماء إلى الحداثة لأنكم ولسوء الحظ ستصبحون من أصحاب الآراء العصرية مهما فعلتم". وقد رغب تروفو عضواً عن ذلك في وصف نفسه كشخص ينتمي إلى الثلاثينيات والأربعينيات وتميزت أفلامه بتصوير طفولته خلال الاحتلال بالإضافة إلى السينما الصامتة وسينما هوليوود الكلاسيكية. وقد كان انشغال تروفوف على الدوام بمنأى عن المخاوف الفكرية التي عبر عنها (غودار) أو (ريفيت) الذان اتسما بالبساطة والعاطفية. وكي نكتشف الأسباب وراء هذه النقطة ينبغي أن ننظر أولاً إلى السنين الأولى من حياة تروفو ومسيرته نحو صناعة الأفلام.

الفهرس...

1. الموجة الجديدة. 2. السينما وسيلة للحياة. 3. تصوير الأفلام مع "العائلة". 4. أخلاقيات الحرية. - تاريخ أفلام فرانسوا تروفو - ملاحظات. - مراجع. - شكر.







مواقع صديقة

 

آفاق سينمائية

مجلة إلكترونية أسبوعية