Jurassic World... عندما عادت الدينوصورات لتحكم دور العرض


Jurassic World... عندما عادت الدينوصورات لتحكم دور العرض

نادر أسامة . عن موقع السينما .

لم يكن أحد يتوقَّع في أقصى خيالاته جموحًا أن يحقِّق فيلم Jurassic World كل هذا النجاح في ظل موسم صيف صعب ومشحون مثل هذا... حتى هؤلاء الذين توقَّعوا تحقيق الفيلم لإيرادات عملاقة لم يحلموا ولو للحظة أن يفعلها بمثل هذه السرعة. هذا الكلام مُوثَّق وغير مُلقى على عواهنه، وخارج مباشرةً من فم خبراء تحليل أرقام صندوق الإيرادات العالمي. في مقال قديم كتبته منذ عامين عن أفلام 2015، السنة الأعنف على الإطلاق، أشرت إلى أن الفيلم في حالة النجاح الكاسح قد تصل إيراداته إلى مليار و200 مليون دولار، وشعرت وقتها أن هذه مبالغة مني، ربما لعشقي الشديد للجزء الأول. لكن ها هو العالم الجوراسي يكسر كل التوقُّعات وكل المبالغات، ويحطِّم الأرقام القياسية واحدًا تلو الآخر بمنتهى السهولة... لقد عادت الديناصورات مرةً أخرى لتحكُم دور العرض، وتفرض هيمنتها بطغيانٍ هائل على صندوق الإيرادات بعد 22 سنة كاملة. Jurassic World أصبح رسميًا الفيلم الأسرع الذي يصل إلى المليار دولار عالميًا، استطاع أن يفعلها في 13 يوم فقط! محطمًا بهذا رقم Furious 7 السابق، والذي فعلها في 17 يومًا. أيضًا الفيلم يحتل المركز الأول كصاحب أقوى افتتاحية عطلة نهاية أسبوع في التاريخ داخل أمريكا بـ 208.8 مليون دولار، وعالميًا بـ 512 مليون دولار، متفوقًا على The Avengers صاحب الرقم السابق (207.4 مليون دولار داخل أمريكا). أيضًا هو في المركز الأول كصاحب أقوى أسبوع افتتاحي على مستوى أمريكا والعالم، وصاحب أقوى عطلة نهاية أسبوع ثانية في أمريكا بـ 106.5 مليون دولار مقابل 103 لـ The Avengers، هذا على الرغم من افتتاح فيلم بيكسار المنتظر بشدة Inside Out، الذي جمع 90.4 مليون دولار ونافس بضراوة، لكنه هُزم في النهاية. لتعرف مدى قوة ما صنعه Jurassic World في عطلة نهاية أسبوعه الثاني تحديدًا، يجب أن تعلم أن The Avengers وقت نزوله كان عليه أن يواجه في عطلة نهاية الأسبوع الثانية فيلمًا بضعف Dark Shadows، وهو الفيلم الذي جمع إيرادات طيلة مدة عرضه في أمريكا بلغت 79.7 مليون دولار فقط، أقل من تلك التي جمعها Inside Out في ثلاثة أيام! الفيلم الآن هو الأسرع وصولًا لـ 100 مليون دولار، الأسرع لـ 200 مليون، الأسرع لـ 300 مليون، الأسرع لـ 400 مليون... وهو صاحب أعلى إيرادات في الأيام الثلاثة والأربعة والخمسة والستة والسبعة والثمانية والتسعة والعشرة الأولى في التاريخ. حسنًا كفانا أرقامًا، فالمقال لن يتسع لذكرها كلها على أيَّة حال (تابع كل الأرقام وتحديثاتها القادمة من هنا)، وتعال الآن لنتحدث قليلًا عن الفيلم نفسه. بالتأكيد مُشاهدة Jurassic World هي تجربة ممتعة بكل المقاييس، رحلة خلَّابة في حديقة خيالية آسرة من العصر الجوراسي ستجعلك تتمنى لو أن كل هذا كان حقيقيًا (تبًا للعلم من وغدٍ بطيء الخُطى!).

استعراض الطبيعة رائع، والحبكة جيدة جدًا، لكن الفيلم على مستوى السيناريو أعرج قليلًا، ويفتقد للشحن المُتمهِّل والرصانة النسبية والشخصيات الكاريزمية التي تعلقنا بها جميعًا ونحن أطفال في تحفة سبيلبرج الأولى Jurassic Park ( المُشاهدة الأولى للعالم الجوراسي أحبطتني، صحيح أن الفيلم جيد جدًا في إثارته، ويحمل بعض التتابعات التي تدفعك إلى طرف المقعد والمصنوعة بحرفية وإبهار كاملين، لكنه رغم هذا لم يرق للتوقُّعات التي وضعها له عشَّاق السلسلة المتحمسين... العالم الجوراسي قد يكون فيلمًا جيدًا، لكنه يفتقد إلى شيءٍ ما ليس من السهل توصيفه...

روح ربما. لهذا خرج الجميع من دور العرض بمشاعر مختلطه تجاه الفيلم... لا أحد يستطيع أن ينكر أنه قضى ساعتين من المتعة المغامراتية الكاملة، لكن من ناحية أخرى الفيلم لم يهز أحدًا من الداخل كما فعل الجزء الأول منذ 22 عامًا. توارت الرصانة كثيرًا في هذا الجزء، واختفى بالكامل تقريبًا النقاش الأخلاقي حول العلم غير المقنن، وخطورة أن يلعب الإنسان دور الرب.

هذا من وجهة نظري ما أفقد Jurassic World الشيء الذي منح الجزء الأول خلوده ورونقه، وهو أنه فيلم خيال علمي موجهًا للكبار، لكن بخلطة يستطيع الأطفال التعلق بها. الجزء الجديد خاطب الأطفال بالأساس (وبالأطفال هنا أقصد الأطفال من كل الأعمار)، كل ما أراده المخرج كولين تريفورو -حسب تصريحه شخصيًا- هو أن يجعل الجميع يشعرون أنهم عادوا لسن الثانية عشر مرةً أخرى، وهو الأمر الذي نجح فيه بالفعل. هذا في حد ذاته -وبشكل مُجرَّد- هدفًا محمودًا لا غبار عليه، بل وميزة كبيرة إذا أتت المعالجة بالنضوج الكافي كما شاهدنا في فيلم Hook مثلًا، لكنه هنا تحوَّل لعيبٍ جسيم مع ضعف السيناريو وعدم الإتقان الكافي أثناء كتابته... وهكذا خرج العمل خفيفًا زيادة عن اللزوم.

لم يأخذ كولين تريفورو وقته في البناء والتحضير بشكل جيد، وألقانا في الجزيرة بعد 5 دقائق فقط من بداية الفيلم، هذه كانت السقطة الأولى...

لم نتمكن من الارتباط عاطفيًا بأيِّ من الأبطال، وانشغلنا بالحديقة نفسها (التي كانت رائعة بالمناسبة)، وبالطبع لم يكن هناك وقت كافي وسط الأحداث الصاخبة في أن يحدث تطور حقيقي للشخصيات يمكن أن يوحِّدنا معها. نعم الفيلم كان كاسحًا في إثارة الحنين للجزء الأول، ومُترعًا إلى الحافة بإحالات لا تنتهي ولا تنقطع له... هناك لحظات بعينها ستجعل الدموع تكاد تقفز من مقلتيك إذا كنت من عشاق السلسلة، لكن ما سيمنعها غالبًا هو عدم تورُّطك الكافي مع الأبطال الذين تخوض المغامرة معهم. أعتقد أن الـ «تي ركس» كانت هي الممثلة الوحيدة -من بين كل من على الجزيرة من بشر ودينوصورات- التي جعلت قلوب المشاهدين تخفق بشدة خوفًا عليها...

ملكة الجزيرة المتوَّجة التي خطفت أنفاس الجميع مع ظهورها الأسطوري في تتابعات النهاية (بالمناسبة هذه هي ذات الـ «تي ركس» التي ظهرت في الجزء الأول؛ لاحظ الجروح على رقبتها الناتجة من معركتها مع الطيور الجارحة في تتابعات نهاية الفيلم القديم)... والمشهد الذي استدرجتها فيه برايس دالاس هاورد بالشعلة إلى خارج عرينها كان أفضل مشاهد الفيلم قاطبة... أفواه عديدة فُغِرَت في تلك اللحظة.

أيضًا الموسيقى التصويرية كانت أستاذية... مايكل جياشينو استخدم شذرات من مقطوعات جون ويليامز الخالدة من الجزء الأول ليعتصر كل الحنين بداخلنا، ونجح في هذا باقتدار، وأضاف مقطوعاته الخاصة التي أجرؤ أن أقول أنها تضاهي مقطوعات ويليامز روعة. أحد أكثر الأشياء جمالًا في الفيلم بجانب الـ «تي ركس» هي موسيقاه التصويرية بكل تأكيد. الجميل أيضًا أن معظم الأشياء التي كانت مثار قلق قبل طرح الفيلم والتي تخوَّف منها الجميع، أتت في الواقع أفضل عناصره. أتحدث هنا عن الـ «إيندومينس ركس»، الدينوصور الهجين الجديد...

الكل كان قلقًا من الفكرة (لماذا تخلق هجينًا؟ أليست الدينوصورات رائعة كفاية؟)...

لكن الحيوان كان مرعبًا جدًا بالفعل، وتم توظيفه بشكل ممتاز. أيضًا الطيور الجارحة المُدرَّبة، البعض كان يخشى أن تتم معالجة الأمر بطريقة ساذجة ومبتذلة، لكن كل المشاهد التي ظهرت فيها الـ «رابتورات» ضمن الأحداث جاءت موفَّقة للغاية، وخصوصًا ذلك التتابع الطويل الذي كانت عُصبة الطيور الجارحة تركض فيه بجوار كريس برات وهو يقود دراجته النارية. هذا واحد من أكثر المشاهد الأيقونية التي ستعلق في ذاكرة التراث الشعبي من الآن، وربما إلى الأبد. البعض يقول أن الفيلم الجديد تفوَّق على الجزء الثاني من السلسلة The Lost World، في الحقيقة أنا لا أعلم إذا كان هذا صحيحًا أم لا... بالتأكيد هو يحمل نقاط تفوُّق عليه، لكن الجزء الثاني أيضًا له لحظاته، وأنا لم أحسم قراري بعد... لماذا لم أقارن الفيلم بالجزئين الأول والثالث؟ حسنًا، الأول قطعة أستاذية لم ولن يصنع أحد مثلها وخارج المنافسة تمامًا، أما الثالث فهو أحد أكثر الأفلام رداءة، وهو إهانة كبيرة للسلسلة ككل، فكان لابد من تحاشي ذكره. الآن لننتقل إلى الخدع... المؤثرات البصرية في الفيلم ممتازة، خصوصًا إذا رأيتها على الشاشة الكبيرة.

الـ Texture أو النسيج الرقمي الخاص بالحيوانات مذهل للغاية ومفعم بالتفاصيل... سترى كل حرشفه وكل نتوء على أجساد الدينوصورات بمنتهى الوضوح، وفي لقطات مقربة جدًا... الفيلم يُسجِّل أول مرَّة تستخدم فيها خدع التقاط الحركة أو الـ Motion Capture لتقديم الدينوصورات على الشاشة. الجزء الأول استخدم أسلوب الـ Key Frame في التحريك، والذي فيه يقوم المُحرِّك أو الـ Animator بتحديد الرسومات الحاسوبية التي ستُشكِّل نقطة البداية والنهاية لحركة الحيوان في تتابعٍ ما... هذه الرسومات يطلق عليها إطارات أو Frames، وهذا لأن وقت ظهورها على الشاشة يتحدَّد بناءً على سرعة دوران الفيلم (24 إطار في الثانية)... أي تتابع Key Frame يقوم فيه المُحرِّك بتحديد ما يريد أن يُريه للمشاهد منه خلال الثانية الواحدة، ويقوم برسم 3 أو 4 إطارات للحيوان تؤسس لبداية الحركة ونهايتها... ولكن لأن 3 أو 4 إطارات غير كافية لخلق حركة كاملة سلسة، فيتم ملء الإطارات المتبقية بما يسمى Inbetweens، وهي إطارات شبحية Blurry تخدع العين وتوهمها بنعومة وانسيايبة الحركة. أما تكنولوجيا الـ Motion Capture فتعمل بشكل أكثر تعقيدًا، وتمنح طبيعية وسلاسة أكبر لحركة الحيوانات، وتعطيهم وزنًا حقيقيًا على الشاشة، هذا نابع في الأساس من أن الحركة تكون مسحوبة من ممثل حقيقي يتعامل مع جاذبية حقيقية، ثم يتم تركيب حركته التي تم التقاطها بواسطة مجسات خاصة على المخلوق الرقمي لينفِّذها كما هي بالضبط.

هذا بالطبع يساعد العين كثيرًا على تقبُّل المخلوق، ويخلق حركة أكثر مصداقية، فقط إذا تم التنفيذ بشكل جيد. وبخلاف الـ CGI، تضمَّن الفيلم مشهد واحد استخدمت فيه النماذج الميكانيكية بالحجم الطبيعي أو الـ Animatronics، وهو المشهد الذي يجلس فيه كريس برات وبرايس دالاس بجوار «أباتوسوروس» مُحتضر طويل الرقبة.

الدينوصور قام بتمثيل دوره ببراعة منقطعة النظير، وكان حقيقيًا للغاية، هذا راجع إلى فريق عمل ستديو Legacy Effects الجبار من مهندسين ونحاتين ومُحركي العرائس الذين قاموا بصنعه (شاهد الفيديو الذي يريك كل خطوات صناعة الديناصور)، هؤلاء هم تلاميذ العبقري ستان وينستون الذي صنع النماذج الميكانيكية للجزء الأول، وكثير منهم شارك معه في خلق حيوانات الفيلم القديم. تطلَّب الأمر أكثر من مشاهدة كي أستوعب كل شيء قاموا بصنعه في هذا العالم الصغير المليء بالتفاصيل. الحديقة الجوراسية قد عادت أخيرًا، وأضخم بكثير من ذي قبل، لكن تُرى هل ارتقت للتوقعات؟ حسنًا، لا أعتقد. قد أقوم بالتصديق على حديقة كولين تريفورو في النهاية، لكن الأمر قد يستغرق بعض التفكير ومشاهدات تالية لأهضم كل شيء. ربما الانتظار الطويل كان هو السبب الرئيسي الذي رفع توقُّعاتنا إلى السماء، ربما الفيلم أفضل مما يبدو لكننا لم نشعر بهذا بعد، ربما نحن كبرنا ولم نعد نستمتع بالأفلام مثلما كنَّا أطفالًا، لا أدري... لكن ما أنا واثق منه تمام الثقة هو أن حديقة سبيلبرج الجوراسية ستظل هي الحديقة الأفضل، وهي الوحيدة التي اجتازت اختبار الزمن بنجاح ساحق، وأعتقد أنها ستستمر في اجتيازه







مواقع صديقة

 

آفاق سينمائية

مجلة إلكترونية أسبوعية