منشورات وزارة الثقافة- المؤسسة العامة للسينما /83/
شهدت التسعينات أو العقد العاشر والأخير من القرن العشرين الميلادي، قرن السينما تحولات كبيرة في السينما المصرية على مختلف المستويات. في بداية القرن لم يكن في مصر أكثر من 20 دار عرض درجة أولى، أي لعرض الأفلام الجديدة، وفي نهايته وصل العدد إلى ما يقرب من مائة دار. وفي بداية العقد كان متوسط إنتاج الفيلم المصري ربع مليون جنيه مصري، ووصل في نهايته إلى مليون جنيه، وفي بداية العقد كان أنجح فيلم مصري من حيث الإيراد لا يحقق أكثر من مليون جنيه، وفي نهايته أصبح 20 مليون جنيه. في بداية العقد كانت وزارة الثقافة تدير كل الاستوديوهات والمعامل وأهم دور العرض في القاهرة والإسكندرية، وقد قامت بتطويرها تمهيداً لإيجارها إلى القطاع الخاص بعد انتقالها إلى وزارة قطاع الأعمال.
وبعد تأجيرها للقطاع الخاص تدهورت الاستديوهات والمعامل في نهاية العقد حتى مصر عام 1935، وتحولت دور العرض التي كانت تديرها وزارة الثقافة إلى درجة أولى من الناحية الشكلية ودرجة عاشرة من الناحية الفعلية. في بداية العقد كان أحسن فيلم مصري يحصل على جائزة أو جائزتين في المهرجانات السينمائية، وفي نهايته فازت الأفلام المصرية عام 1999 بــــ 42 جائزة في المهرجانات السينمائية وهو أكبر عدد من الجوائز حصلت عليه في عام واحد في كل تاريخها. ولكن بينما كانت الجوائز تزيد من الإقبال على الأفلام الفائزة في بداية العقد، أصبحت تعني عند الموزعين وأصحاب دور العرض في نهايته عرض الفيلم لمدة أسبوع واحد، أو عدم عرضه على الإطلاق!. في بداية العقد كان صدور كتاب عن السينما حدث يحتفى به، وفي نهايته أصبح متوسط عدد الكتب التي تصدر عن السينما كل عام عشرة كتب مؤلفة ومترجمة.
وفيد بداية العقد كان معهد السينما، وكل معاهد أكاديمية الفنون أقرب إلى الأطلال، وفي نهايته أصبحت جميعاً من الصروح الشامخة للتعليم والثقافة، وتم بناء ستوديو حيث يتبع معهد السينما، وإنشاء مكتبة فيديو وأخرى لأحدث المراجع العلمية. في بداية العقد كانت أكبر شركة مصرية تعمل بعشرين مليون جنيه، وفي نهايته تكونت خمس شركات برأي مال 200 مليون جنيه، ثم تكونت شركة عملاقة بمليار جنيه لتدخل صناعة السينما لأول مرة في السوق العالمي حيث وصفها مديرها عن حق بأنها شركة كبيرة على مستوى مصر، ومتوسطة على مستوى العالم العربي، صغيرة على المستوى العالمي، أي بالمقارنة مع كولومبيا أو وارنر في هوليود. في بداية العقد، وبالتحديد عام 1991، عادة المسابقة إلى المهرجان القاهرة السينمائي الدولي، وأقيم المهرجان القومي لسينما المصرية بواسطة صندوق التنمية الثقافية. وفي نهاية العقد أصبح المهرجان القومي أهم حدث سينمائي سنوي في مصر، ولكن مهرجان القهرة السينمائي الدولي لم يصبح بعد أن أحداث السينما على أي مستوى.
أما مهرجان الإسكندرية فقد ظل يعاني من البؤس على المستويات!. أما المركز القومي للسينما، وهو المنتج الرئيسي للأفلام التسجيلية والقصيرة، والذي يتبعه أرشيف الأفلام، فلم ينتج ولا حتى عشرة أفلام في السنة، وجاء ألغبها من دون قيمة فنية، ولم يستطع إنجاز إنشاء أرشيف للأفلام بدلاً من مخازنه الرديئة، وأما التلفزيون فقد توقف تقريباً عن إنتاج الأفلام القصيرة، وبدأ في نهاية العقد إنتاج الأفلام الطويلة بأسلوب المقاولات، وجاء أغلب هذه الأفلام التي أنتجت خلال العقد، بل وفي العقود الأخيرة!. كان العقد الأخير من القرن إذن أشبه بمرحلة مخاض، تماماً كما هو بالنسبة للنظام العالمي الجديد بعد سقوط الاتحاد السوفيتي، ومثل النظام العالمي الجديد الذي لم يولد بعد، أو بالأحرى لم يستقر شكله القابل للاستمرار لفترة، يصعب التنبؤ أيضاً بما ستكون عليه السينما المصرية بعد كل هذه التحولات، وفي إطار كل هذه التناقضات.