توهج فني صاعق قصيرومدوي ، تلك كانت حياة المطربة و السينمائية السورية أسمهان ، أقل من ثلاثين عاما ، بفيلمين و أوبريت واحدة وعدد قليل من الأغاني ، بنت فيها مجدا فنيا خالدا عاش منذ عشرات السنين وسيبقى للآماد بعيد . أسمهان (آمال فهد الأطرش ) كانت تحفة فنية إنعدم نظيرها ، فكانت حدثا فنيا عربيا متفردا وخالدا . كانت حياتها بركانا فوضويا من الترحال والزيجات و المشاكل السياسية والوطنية على إمتداد العالم العربي . "ولدت أسمهان في 24 تشرين الثانيمن العام 1912واسمها الحقيقي آمال فهد فرحان إسماعيل الأطرش ابنة الأمير فهد الأطرش من جبل العرب في سوريا ووالدتها علياء المنذر لبنانية من حاصبيا في لبنان. ولدت آمال الصغيرة في عرض البحر على متن إحدى سفن الشحن اليونانية التي كانت متجهة إلى بيروت. قدمت للسينما فيلمين أولهما "انتصار الشباب" عام 1941 مع أخيها الفنان فريد الأطرش و الفيلم الثاني "غرام و انتقام" عام 1944 مع يوسف بك وهبي والذي ماتت في حادث اليم قبل ان تكمله ومن ثم تغيرت النهاية فيه أول أغنية غنتها كانت من الحان محمد القصبجي وهي " ليت للبراق عينا " ثم غنت بعدها أغنيتين كانتا السبب في شهرتها أولهما أغنية " دخلت مرة الجنينه " ألحان مدحت عاصم والثانية "يا حبيبي تعالي الحقني "وبعد ذلك غنت العديد من الأغاني من أشهرها: " ليالي الأنس في فيينا " ، " أنا أهوي " ، " أمتي هتعرف " ، " يا طيور" ، "عليك صلاة الله " "يابدع الورد" ، " أنا اللي أستاهل" ، و غنت من ألحان الموسيقار محمد عبد الوهاب أغنية "محلاها عيشة الفلاح"وقامت ببطولة أوبريت "قيس و ليلي" مع وصول الفرنسيين سوريا واندلاع الثورة ضدهم شاءت الأقدار أن تسقط طائرة فرنسية فيتم أسر جنديين،ولضمان بقاء الطيارين على قيد الحياة أمر الجنرال غورو بإلقاء القبض على عائلة فهد الأطرش كرهائن، فالتحق فهد بالثوار وبقيت عائلته في سوريا، قبل أن تعلم علياء بالخبر، وتقرر الهرب دون جواز سفر ودون أوراق هوية، فذهبت إلى حيفا، وعند وصولها للقنطرة لم يسمح لها بدخول الأراضي المصرية لأنها لم تكن تحمل جواز سفر، إلا أنها استطاعت الوصول إلى الزعيم سعد باشا زغلول تليفونياً، الذي كان على علاقة طيبة بعائلة الأطرش، فتوسط لها وسمح لها بدخول القاهرة، في القاهرة أقامت العائلة في حي الفجالة وهي تعاني من البؤس والفاقة، الأمر الذي دفع بالأم إلى العمل في الأديرة والغناء في حفلات الأفراح الخاصة لإعالة وتعليم أولادها الخمسة الذين سرعان ما نقص عددهم بوفاة الصغيرين أنور ووداد.
عاشت اسمهان حياة عادية في ظل والدتها علياء المنذر وبجوار شقيقيها فؤاد وفريد الذي بدأ نجمه بالظهور في مصر,ظهرت مواهب آمال الغنائية والفنية باكرًا،فقد كانت تغني في البيت والمدرسة مرددة أغاني أم كلثوم ومرددة أغاني محمد عبد الوهاب وشقيقها فريد. عن طفولتها قالت أسمهان لصديقها محمد التابعي: بدأت والدتي تعمل في خياطة الملابس للسيدات وكان ما تحصل عليه قليلاً لكنه يقي شر الجوع والفاقة.وذات يوم شاءت المصادفة أن تلتقي أمي في دار صديقة سورية بالأستاذ داود حسني،وحين سمع علياء المنذر وهي تغني عند صديقتها وتنقر على الدف “الإيقاع”,سألها لماذا لا تحاول استغلال موهبتها هذه مثل ابنها فريد الذي كان قد بدأ باحتراف الفن,فأخذت تحيي الحفلات الخاصة عند بعض العائلات واتسع رزق العائلة قليلاً حيث أمكنها إدخال فريد وأسمهان إلى المدرسة وإتمام الدراسة التي توقفت في سوريا. وكانت عالية المنذر تعاقدت مع شركة “بيضافون” لتسجيل بعض أغنياتها على أسطوانات فتوسط الملحن داود حسني عند الشركة نفسها كي تسجل أسمهان بعض أغنياتها على أسطوانات أيضاً وتقبض بعض المال. ففي أحد الأيام استقبل فريد في المنزل الملحن السوري داود حسني أحد كبار الموسيقيين في مصر،فسمع آمال تغني في غرفتها فطلب إحضارها وغنت أمامه فدمعت عيناه وقال:“… كنت أرعى فتاة تشبه آمال وصوتها الجميل إلا أن الموت كان أسبق لها من الشهرة،لذلك فأنت من الآن ستحملين اسمها الفني ” أسمهان “. أخذت أسمهان منذ 1931 تشارك أخاها فريد الأطرش في الغناء في صالة ماري منصور في شارع عماد الدين بعد تجربة كانت لها إلى جانب والدتها في حفلات الأفراح والإذاعة المحلية،وراح نجمها يسطع في سماء الأغنية العربية،وصوتها السخي يفتن الأسماع ويغزو القلوب.
عام 1932 سجلت أسمهان أول أسطوانة غنائية لها كتب عليها إسمها وعمرها لم يتجاوز الخامسة عشر بعد،وكان ذلك نظير مبلغ كبير يقدر بعشرين جنيهاً لحنها لها داوود حسنى عام 1933 أتيح لأسمهان الغناء بدار الأوبرا الملكية المصرية وعمرها ستة عشر عاماً,وفي العام نفسه سجلت أسمهان ثماني أغنيات. تزوجت من الأمير حسن الأطرش وانتقلت معه إلى الجبل في سوريا لتمضي معه أميرة للجبل مدة ست سنوات رزقت في خلالها ابنة وحيدة هي كاميليا،لكن حياتها في الجبل انتهت على خلاف مع زوجها،فعادت من سوريا إلى عالم الفن.
عام 1940 تعرفت أسمهان على أحمد حسنين باشا رئيس الديوان الملكي فى ذلك الوقت،و كان نتيجة هذا التعارف أن وقع أحمد حسنين فى غرامها و إن اكتسبت عدوة لدودة و هي الملكة نازلي والدة الملك فاروق و التي كانت تحب حسنين باشا و تغار عليه إلى حد الجنون,و بدافع الغيرة و الانتقام قررت الملكة نازلي طرد أسمهان من مصر،و بالفعل اتصلت بحسين سرى باشا رئيس الوزراء و وزير الداخلية و الذى تولى عملية تنفيذ القرار، مبلغاً أسمهان بأن إقامتها فى مصر انتهت و أن عليها أن تغادر خلال أسبوع، ليصيبها هذا القرار الخطير بالجزع و الحزن الشديدين،و لم تجد من يقف بجانبها سوى الصحفي الكبير صديقها محمد التابعي الذى تمكن بصداقته لكبار المسؤلين أن يوقف تنفيذ هذا القرار و تجددت إقامتها مرة أخرى فى مصر.
فتحت الشهرة التي نالتها كمطربة جميلة الصوت والصورة أمامها باب الدخول إلى عالم السينما،فمثلت 1941 في أول أفلامها انتصار الشباب إلى جانب شقيقها فريد الأطرش،فشاركته أغاني الفيلم.وفي خلال تصويره تعرفت إلى المخرج أحمد بدرخان ثم تزوجته عرفياً،ولكن زواجهما إنهار سريعًا وانتهى بالطلاق دون أن تتمكن من نيل الجنسية المصرية التي فقدتها حين تزوجت الأمير حسن الأطرش. وفي سنة 1944 مثلت في فيلمها الثاني والأخير غرام وانتقام إلى جانب يوسف وهبي وأنور وجدي ومحمود المليجي وبشارة واكيم وسجلت فيه مجموعة من أحلى أغانيها،وشهدت نهاية هذا الفيلم نهاية حياتها. وقد سبق لها أن شاركت بصوتها في بعض الأفلام كفيلم يوم سعيد،إذ شاركت محمد عبد الوهاب الغناء في أوبريت مجنون ليلى،كما سجلت أغنية محلاها عيشة الفلاح في الفيلم نفسه،وهي من ألحان محمد عبد الوهاب .
يوم 14 تموز عام 1944 توفيت الفنانة أسمهان غرقاً فى مياه ترعة مياه بطريق القاهرة – رأس البر
قالوا عنها:
ـ محمد القصبجي عندما زار عائلتها في حي الفجالة،وسمع صوتها:“…هذا صوت من الجنة.” ـ الشيخ محمود صبح سمع أسمهان تغني لأم كلثوم فقال: “…عندما ينضج صوتك يا أسمهان سيكون لك شأن عظيم. ـ محمد عبد الوهاب : “… إن أسمهان فتاة صغيرة لكن صوتها صوت امرأة ناضجة.”
ـ حسب الموسيقي سليم سحاب،فإنه لم يكن ثمة جدل في عظمة صوت أسمهان.لكن الجدل كان في المفاضلة بينها وبين أم كلثوم،سيدة الغناء العربي بلا منازع. ـ فريد الأطرش قال إنها ربما تنافس أم كلثوم عبر ألحان القصبجي،لو تسنى لها العيش سنوات أطول.
يقول الموسيقي سليم سحاب في “كتاب السبعة الكبار لم “…التعبير الإنساني يبقى أعظم ما في غناء أسمهان،وهو تعبير يكاد لا يستثني حالة من حالات المشاعر والأحاسيس الإنسانية.ففي أغنية “ليالي الأنس” مثلاً،تنتقل أسمهان بسرعة من مزاج إلى مزاج آخر وفقاً للحن والمعاني.فمن:“خيال ساري مع الأحلام” حيث تغني بشفافية وإشراق بالصوت،إلى عبارة:“تفوت من غير ما تتهنّى” حيث تضفي حساً درامياً على النهاوند،وذلك لا استعراضاً أو رضوخاً لإغراءات الاستعراض،بل تعبيراً فنياً عن مزاج يظل شديد الوضوح في كل الحالات. ويتابع سحاب: في أغنية “يا حبيبي تعال الحقني”،أربعة مقاطع على لحن يتكرر. والعبارات “من بعدك”،“أتألّم”،“في يدّك”،“يلين قلبك”،تقولها أسمهان بأحاسيس مختلفة تؤدي تعبيراً مختلفاً في كل مرة،وفقاً للمعنى المطلوب،على الرغم من أن اللحن هو نفسه في العبارات الأربع.وعلى الرغم من أن العبارات المذكورة قصيرة للغاية،ولا مجال فسيحاً فيها للتعبير الإنساني الزخم،إذ أنها تتشكل من علامتين موسيقيتين فقط.وتلاحظ في هذه الأغنية الشحنات العظيمة والحرارة الإنسانية المتدفقة في عبارة “وغرامي هالكني”.
ويتناول سحاب قدرة أسمهان في الوصول إلى مستوى عبد الوهاب في التعبير المسرحي في المغناة المسرحية “قيس وليلى”. فيما بلغت في تعبيرها الغنائي أعماقاً مأسوية مؤثرة للغاية في أغنية “أيها النائم” من لحن السنباطي
من بين هذه الآراء ما قاله الملحن الكبير رياض السنباطي عندما أشار إلى أن أسمهان هي المطربة الوحيدة التي استطاعت منافسة أم كلثوم،أما الصحافي الياس سحاب فكان يقول ان صوت أسمهان أكثر أنوثة ودفئا إنسانيا،ولكن مساحات صوت أم كلثوم الصوتية أوسع،ما يمنحها تملكا أكبر من الصوت وعظمة أكبر.