الامبراطور الأخير رائعة برتولوتشي الخالدة


الامبراطور الأخير رائعة برتولوتشي الخالدة

ليس سهلا أبدا ، أن ينسى أحد فيلما كما الامبراطور الاخير لبرتو لوتشي . في هذا الفيلم تعرض المخرج لقصة حقيقية حدثت في الصين ، كانت فيها السياسة والخسارة والحروب . رشح الفيلم لعشرات الجاوئز السينمائية العالمية . وفاز بمعظمها . وفي رصيده تسع جوائز أوسكار .
تناولت الفيلم كثير من المواد النقدية والصحافية . التي ثبتت كثيرا من تفاصيل العمل فيه . هذه عينات منها :
" كنت مسافراً من ميلانو الى روما، وفي زحمة الجري داخل المطار، يبدو أنني فقدت (نظارتي) التي لا أكاد استغني عنها، وعندما جلست في الطائرة، رحت أبحث عنها، ولكنني كنت قد فقدتها، فرحت أفكر في موضوع أكبر هو ماذا تعني الخسارة والفقدان، ورحت أفكر بشكل أوسع وأكثر عالمية، حتى وصلت الى ما يسمى بالخسارة الأكبر، وهي تتمثل في خسارة امبراطور الصين الأخير لعرشه... فأي خسارة هي؟
ويأتي الفيلم، بعد حوار مطول بين برتولوتشي والكاتب مارك بيبل، الذي يصيغ مفردات ذلك العمل الذي يذهب الى عمق التاريخ من أجل استقراء المستقبل، وهو حينما يستدعي التاريخ والشخصية والتغيير الذي عاشته الصين، لا ليمارس النقد، بل ليقدم الحقيقة والوثيقة بصيغ عالمية وفعل سينمائي، هو الأكبر فيما قدم من أعمال عن الصين ذلك البلد العظيم.
يتناول الفيلم قصة حياة آخر أباطرة الصين الإمبراطور بوئي من سلالة تشينغ المنشورية من آل أيسين غورو. الذي خلعته ثورة شينخاي وبقي لفترة وجيزة حاكماً صورياً إلى ان طردته القوات الثورية من المدينة المحرمة هو وبلاطه عام 1912. ثم هرب للشمال وأسس دولة منشوريا (أعيد تسميتها لاحقاً إمبراطورية منشوريا) التي هيمن عليها اليابانيون، وكان الإمبراطور هناك خلال فترة الحرب الأهلية الصينية والحرب العالمية الثانية إلى أن ألقى القبض عليه الجيش الأحمر وسلمه للصينيين.ليخضع لمحاكمة بتهمة العمالة لليابانيين والتعاون معهم وتأسيس دولة تابعة. سُجن عدة سنوات ثم أطلق سراحه وعاش مواطناً عادياً في الصين وعمل بستانياً حتى وفاته
الفيلم تحفة فنية بكل المقاييس نحتها المخرج الإيطالي برناردو بيرتيلوتشي واستحق عليها 9 جوائز أوسكار من ضمنها جائزة أفضل فيلم وأفضل تصميم ازياء وأفضل ديكور وأفضل إخراج وأفضل مونتاج وأفضل موسيقى تصويرية...

وقد أنتجت هذه الدقة التاريخية ثمارها حيث حاز الفيلم على ترحيب كبير من الجمهور ومن النقاد لدى خروجه: عام 1988، حصد تسع جوائز أوسكار وجائزتي سيزار وجائزة بافتا. عام 2001، كان برتلوشي أول من حاز في مهرجان كان على السعفة الذهبية الفخرية لمجموعة أعماله.
والذي يرصد المتغيرات في حياة أمة وشعب عظيم هو الشعب الصيني، من خلال حياة الإمبراطور الأخير للصين.

منذ اللحظة الأولى، يأخذ برتولوتشي إلى عمق الزمن، كي يرصد نصف قرن من الزمان من تاريخ الصين، والمتغيرات التي أحاطت بذلك البلد، اعتباراً من لحظة اعتلاء الامبراطور (بو لي) العرش وهو لايزال طفلاً صغيراً، فكيف لذلك الطفل ان يعتلي عرش التنين، وهو عرش الامبراطور في بلد يعيش كماً من المخاضات المحلية والدولية... رحلة تمتد لأكثر من خمسين عاماً، تنتهي بذلك الامبراطور، لان يصبح (مزاري) في القصر الذي كان يمتلكه بعد قيام الثورة الحمراء بقيادة ماو تسي تونغ.
السينما في هكذا نوعية من الأفلام، تذهب الى التاريخ والوثيقة، لتقدم لنا الزمن.. وتوثق مرحلة.. وترصد المتغيرات بكل اشكالياتها وتداخلاتها.
المشهديات الأولى للفيلم، تمزج بين زمنين، الأول النهاية حيث الامبراطور، وهو مسجون (1950-1959) بالذات في المراحل التي قام بها الروس بتسليمه الى الصينيين، بعيد انهيار حكم (الكومنتانغ) وهروب الجنرال (كاي شيك) الى جزيرة فورموزا (تايون) وهيمنة الشيوعيين والرايات الحمراء على الصين بكاملة.
وقد واجه الامبراطور السابق تهمة التعاون مع الاحتلال الياباني في مطلع القرن العشرين، وتتداعى المشهديات لتقدم لنا العلاقة بين الامبراطور السابق والسجانين الشيوعيين، الذين كانوا يعملون على اعادة تعليمه وتأهيله.. ولربما غسل مخه.. كل ذلك كان يأتي مع العودة الى الماضي، حيث يرصد الفيلم ثلاث مراحل أساسية، من مشوار وحياة الامبراطور الأخير، وهي مرحلة الطفولة، التي بدأت في الثانية والنصف من عمره، عند تربعه على العرش، ثم العاشرة من عمره والخامسة عشرة (الطفولة والمراهقة) وهي المرحلة التي اقترنت بعلاقته مع أحد المحاربين الإنكليز (بيتر اوتول) والذي كان يمثل بالنسبة له المعلم والمدرب، الذي يحاول ان يأخذ الى المستقبل، بعد ان ظل (محاصراً) بالعادات والتقاليد القديمة، التي يحكمها الجيل والمحاربون والمستشارون القدماء في القصر.

وهي تلاحظ النظرة التحليلية العميقة في سلوكيات الامبراطور في مراحل شبابه، بين ما يريده القصر والمستشارون وبين هاجسه للانطلاق صوب المستقبل وفي أحيان كثيرة، التماس مع قضايا الانسان والشعب الا ان القصر كان عائقاً دون ذلك...

ثم ننتقل الى مرحلة العشرينيات من عمره، حيث يتم نفيه، وعمله الدؤوب بالتعاون مع الغزاة اليابانيين من اجل اعادة بناء امبراطوريته في منشوريا، وهي مسقط رأس الامبراطور الاخير.

ويؤكد الفيلم خلال السرد الدرامي الى قدرية كانت تواجه الامبراطور الاخير، وهي الفشل الذي كان يلاحقه في كل شيء، وكأن هذه القدرية هي التي ساهمت في ان يخسر عرشه ويخسر الصين.

ومن مفردات ذلك الفشل وسوء الطالع توليه العرش وهو في طفولته لا يعي ما يدور حوله من مؤمرات ودسائس.. حتى أن عملية التغيير بدأت في تلك المرحلة المبكرة من تسلمه العرش، وتؤكد المعلومات كما يشير الفيلم الى انفصال قطاعات عدة من الامبراطورية وهو في الخامسة من عمره وتحولها الى النظام الجمهوري.

حالة العزلة

فيلم «الامبراطور الاخير» يذهب بعيدا في تحليل حالة العزلة التي كان يمشيها الامبراطور الذي لم يستطع ان يبرح المدينة المحرمة التي لم يفارقها أو يبرحها الا مطرودا في مطلع العشرينيات من عمره ويومها تم تجريده من اللقب الامبراطوري وبلا رجعة.

فيلم ينطلق من خلال شخصية الامبراطور الاخير (بولي) لكن يتجاوزها الى التحليل والرصد وتقديم كم من المعلومات عن الصين اولا وعن الظروف والمتغيرات التي أحاطت بها، وهي المرة الاولى التي تقترب بها السينما العالمية الى حد الحد أو هذا القرب، لتأتي بعدها أعمال عدة.
اللغة السينمائية
باحتراف عال تعامل برناردو برتولوتش مع الوثيقة والتاريخ والشخوص وايضا الصين الامس والمستقبل.
وحينما نذهب الى الفيلم تأسرنا اللغة السينمائية التي صاغتها عدسة المصور الكبير فيتريو ستراورو الذي ابدع في تقديم رؤية بصرية تذهب الى أدق التفاصيل في عوالم ذلك الفيلم الكبير. وهكذا الامر بالنسبة للموسيقى التصويرية التي صاغ الثلاثي الياباني ريكي سكاماتود البريطاني دايفيد بيرن والصيني كونغ سو. ونؤكد بأنه لولا الدعم الذي قدمه المنتج جيرمي توماس للفيلم لما كان له ان يتحقق بهذا المستوى الرفيع من الخدمات الانتاجية التي وصلت باللغة الانتاجية الى 23 مليون دولار، وهو أمر كبير بالنسبة لانتاج يصور في الصين في ذلك الوقت، وقد تم تحقيق الفيلم مع ستديوهات كولومبيا.

ونشير الى أن فيلم «الامبراطور الاخير» أول عمل سينمائي عالمي تفتح له حكومة بكين المدينة المحرمة وايضا تسخر له جميع الامكانات ليكون الحصاد في نهاية الامر تسع جوائز أوسكار عالمية من بينها أفضل فيلم واخراج للايطالي الرائع برناردو برتولوشي.

وعند المشهد الاخير من الفيلم الذي ينتهي مع جولة المجموعة من السياح يقودها احد المرافقين يروي لهم جوانب من حكاية الامبراطور الاخير وتحديد تاريخ وفاته تكون الصين يومها أمام مستقبل جديد وزمن جديد وعهد جديد، وهكذا هو ذلك البعد العظيم الذي يظل دائما ينشد المستقبل بحلم وعمل مشترك دؤوب يذهل العالم.

وحينما تضيء الصالة أنوارها يذهب الزمن الماضي.. لتبقى الذكرى والزمن والمستقبل الجديد.

كان برناردو برتلوشي حريصاً على الإشراف بنفسه على إعادة تأهيل فيلم "الامبراطور الأخير" الذي أخرجته Recorded Picture COmpany و Repremiere Group. خرج الفيلم في كان عام 1987 وتبقى هذه الملحمة التاريخية ومدتها ساعتان و45 دقيقة العمل الفني الأكثر شهرة للمخرج الإيطالي.

 

في الثالثة والسبعين من العمر، يبقى برلوتشي على اطلاع بالتطورات التقنية والفنية التي عرفتها السينما. وبمساعدة المنتج جيريمي طوماس والسينمائي فيتوريو ستورارو، قرر إعادة تأهيل نسخته من فيلم "الامبراطور الأخير" بصيغة 4k وبالأبعاد الثلاثة لإضفاء مزيداً من الرونق على هذا الفيلم التاريخي الكبير حول حياة الامبراطور بويي.

وقد اهتم بأدق التفاصيل لإظهار الصين كما كانت عليه في تلك الحقبة : 19000 شخص مشارك في المشاهم ومستشارون مهمون مثل بو شييه شقيق بويي" .







مواقع صديقة

 

آفاق سينمائية

مجلة إلكترونية أسبوعية