ال الميهي مرة : (.... إنني لا أجد سبباً واضحاً لتحولي للإخراج .. فقط شعرت أني أريد أن أُخرج ، وذلك مثلما أريد أن أشرب أو أنام .. لك أن تعتبره تطور بايولوجي ، إنه تحول منطقي وعادل .. ربما كانت بداخلي رغبة في إمتلاك العمل بصورة كاملة...). رأفت الميهي ، الكاتب والمخرج السينمائي ، الذي حفل نشاطه الفني بالصدام بينه وبين الجهات العامة وأحيانا الأهلية في مصر . درس اللغة الإنكليزية ثم السيناريو ، وأخيرا أستقر به العمل في الإخراج . وبدأ الميهي مسيرته السينمائية كسيناريست بفيلم "جفت الأمطار"، ولمع بعد شراكته مع المخرج كمال الشيخ الذي قدم معه أفلام "غروب وشروق"، و"على من نطلق الرصاص"، و"الهارب"، و"شيء في صدري".
اتجه بعدها رأفت الميهي إلى الإخراج عام 1981 بفيلم "عيون لا تنام" الذي أشاد به النقاد، وتبعه بفيلم "الأفوكاتو" مع عادل إمام عام 1983 ثم "للحب قصة أخيرة" مع يحيى الفخراني عام 1986.
وقدم الميهي الكثير من أفلام الفانتازيا الغريبة على المشاهد العربي كان أخرها "علشان ربنا يحبك" الذي أنتجه بنفسه عام 2001 معتمداً فيه على وجوه جديدة، ولكن عدم تحقيق الفيلم للإيرادات المنتظرة أدى إلى ابتعاد الميهي عن الإخراج وإنشائه أكاديمية تحمل اسمه لتدريس السينما،
وكان آخر أفلامه "سحر العشق" لجمال سليمان، أما بالنسبة للتلفاز فأخرج الميهي مسلسل واحد للتلفزيون هو "وكالة عطية" عام 2009 عن رواية للكاتب خيري شلبي.
عن فيلم الأفوكاتو كتبت صحفي . واقعة شهيرة حدثت في أواخر عام 1983، عندما قدم رأفت الميهى واحدا من أهم وأنجح الأفلام في تاريخ السينما المصرية وهو فيلم "الأفوكاتو"، والذي صدم به الرأي العام، حيث قدم بصورة ساخرة الفساد المستشري في السلطة القضائية والداخلية وعالم المحاماة، فكان من الطبيعي أن يقف أكثر من 150 محام، ضد الفيلم.
بالفعل استشاط الجميع غضبا من شخصية "حسن سبانخ" الذي قدمها عادل إمام، وكذلك كل الرموز التي قدمها الميهي في الفيلم الذي جسّد انحلال مجتمع خارج لتوه من سياسة اقتصادية "منفتحة" في السبعينيات، وأقيمت الدعاوى ضد الميهي وضد الفيلم، مطالبين بوقف عرضه، وحصولهم على تعويض مؤقت 101 جنيه، لأن الفيلم يصور رجال القضاء والمحاماة بصورة غير لائقة ومشينة، ما يسئ إلى سمعة مصر.
ولسوء طالع الميهي أن القضية كان يحكم فيها مرتضى منصور، الذي قيل إنه شاهد نسخة الفيلم، وشاهد القاضي وهو يقوم بمغازلة الشاهدة "إسعاد يونس" في المحكمة بطريقة لا تليق، فانفعل مرتضى، وحكم بحبس رأفت الميهى ويوسف شاهين (موزع الفيلم) وعادل إمام، سنة مع الشغل، وكفالة عشرة آلاف جنيه لإيقاف التنفيذ.
لكن بعد تدخل نقابة السينمائيين وبعض الشخصيات أصدر المحامي العام لنيابات الجيزة قرارا بإيقاف حكم مرتضى، فما كان للأخير أن يقدم استقالته، وتحول خصما في المعركة، بعد أن اتهمه عادل إمام بمحاولة الحصول منه على رشوة، فتقدم بدعوى سب وقذف، حُكم على الزعيم بسببها بالحبس ستة أشهر وغرامة مليون جنيه، إلا أنها ألغيت بعد اعتذار إمام لمرتضى في الصحف.
يعتبر كثير من النقاد، فيلم "إسماعيلية رايح جاي" لمحمد هنيدي ومحمد فؤاد، عام 1997، هو أول أفلام موجة سينما الشباب الجديدة، إلا أن الفيلم اعتمد على نجوم الصف الثاني وقتها، ثم أتى رأفت الميهي عام 2001 ليصنع أول تجربة سينمائية مصرية تعتمد على وجوه جديدة بالكامل، وهو فيلم "علشان ربنا يحبك"، الذي قام ببطولته أحمد رزق وداليا البحيري ولؤي عمران وجيهان راتب، حيث كان الرباعي وجوها جديدة.
لقد غامر الميهي بالتجربة، محاولا الوقوف أمام موجة كاسحة لأفلام الكوميديا كان أبطالها هنيدي والراحل علاء ولي الدين وأحمد آدم، لكنه لم ينجح على المستوى الجماهيري ولا النقدي، بسبب طبيعة الفيلم الغريبة التي لم تكن تستهوي جمهور السينما في هذا الوقت.
الفانتازيا لم يتوقع أحد أن من قدم في أوائل الثمانينيات أفلاما كـ "عيون لا تنام" لفريد شوقي وأحمد زكي ومديحة كامل، و"للحب قصة أخيرة" ليحيى الفخراني، أن يتحول هذا التحول الرهيب لأفلام الفانتازيا في منتصف التسعينيات، بل ونال بعضها نجاحا جماهيريا مقبولا.
راهن الميهي على موهبته الفذة في تقديم أفلام غريبة المضمون، تميل إلى الكوميديا في محتواها، مثل "السادة الرجال" لمحمود عبد العزيز ومعالي زايد، و"سمك لبن تمر هندي" للثنائي نفسه، و"ميت فل" لشريهان، و"ست الستات" و"تفاحة" لليلى علوي. راهن أن يعرفه الجمهور بصاحب "الأفلام الغريبة" ففاز بالرهان.
كتب حسن حداد في موقع سينما تيك . قدم رأفت الميهي فيلم (عيون لاتنام ) عام 1981 كأول تجربة إخراجية له ، مستوحياً السيناريو من مسرحية أمريكية هي (رغبة تحت شجرة الدردار) للكاتب »أوجين أونيل« . غير إن الفيلم يبدو بعيداً جداً عن أحداث وأجواء الكاتب الأمريكي .. فقد غيَّر رأفت الميهي في الأحداث وفي بناء الشخصيات وعلاقاتها . فيقول الميهي ، في هذا الصدد: (...أنا مسئول عن نص »عيون لاتنام« من أوله الى آخره (...) فأنا لست ناشراً ، ولا أعيد نشر رواية ، فأنا أتناولها وأكتب وجهة نظري الخاصة...). كذلك يرى الميهي إن للمخرج ـ أيضاً ـ إستقلاليته عن كاتب السيناريو ، فالسيناريست ينتهي إبداعه على الورق كمؤلف ، وعندما يقف المخرج وراء الكاميرا لا يكون مترجماً لما هو مكتوب على الورق فقط ، وإنما الإخراج في رأي الميهي (...هو إضافة وإبتكار وخيال آخر يضاف إلى خيال السيناريست ، وإذا لم أكن أملك شيئاً أقوله ، فلا داعي إذن لإخراج الأفلام .. أعتقد إنني أستطيع أن أشتغل بأعمال أخرى...). وقد حمَّل رأفت الميهي فيلمه الأول فكرة تعتمد ـ أساساً ـ على الرغبة المرتبطة بالطبيعة الإنسانية ، وهي حب التملك . ولكنه قدمها بعيون ناقدة ومتفهمة لمدى خطورة هذه الرغبة ، فهي عندما تسيطر على الإنسان تحطمه وتقضي عليه . (الأفوكاتو ـ 1983) فيلم ينتمي الى ما يسمى بالكوميديا السوداء ، ليقدم لنا كوميديا راقية وهادفة ، إفتقدتها السينما المصرية منذ أيام نجيب الريحاني ـ إن صح التعبير ـ واضعاً نصب عينيه الرواج الجماهيري للفيلم الكوميدي ، ومستغلاً ذلك لتصحيح الإعتقاد الخاطيء والسائد عن الكوميديا ، خصوصاً إن الأفلام التي تناولت الكوميديا ـ وماأكثرها ـ تناولتها بشكل تجاري بحت ، متخذة من التهريج طريقاً للربح المادي . فالكوميديا هي أكثر الفنون الدرامية تعرضاً للظلم والإجحاف ، في كل زمان
ومكان . وذلك نتيجة ذلك الإعتقاد السائد بأن الكوميديا هي فن الإضحاك والتهريج فقط . علماً بأن الكوميديا ـ على غير ما هو شائع ـ ليست بعيدة عن مشاكل الإنسان وقضاياه الحقيقية . وهذا بالضبط ما فعله الميهي ، عندما قدم ( الأفوكاتو ) ليكون نموذجاً للكوميديا الهادفة ، مبتعداً عن الإسفاف والتهريج . يأتي فيلم رأفت الميهي الثالث (للحب قصة أخيرة ـ 1984) ليؤسس أسلوباً جديداً في السينما المصرية ، وليجمع بين الواقعية المؤلمة والجمال الشفاف في نفس الوقت. وإستطاع الميهي (كمخرج) بهذا الفيلم أن يصل بصورته السينمائية الى درجة عالية من الإتقان والجودة بقدر عنايته بمعالجة الواقع بصدق . إن فيلم (للحب قصة قصيرة) مزيج من العلاقات الإنسانية المتناقضة ، وهو ـ أيضاًـ مزيج من الحب والكراهية .. الحياة والموت ، إنه يتحدث عن الوضوح والغموض .. عن الصدق والزيف .. الصحة والمرض .. الخرافة والعلم . بعد فيلم (للحب قصة أخيرة) ، قدم رأفت الميهي ثلاثة أفلام ، تتناول جميعها الواقع من خلال رؤية كوميدية فانتازية ، وهي (السادة الرجال ـ سمك لبن تمر هندي ـ سيداتي آنساتي ) . إن المتتبع لأفلام رأفت الميهي يجد بأنها تتميز بعنصرين مهمين ، الأول هو ذلك التوازن بين عقلانية مركزة تحكم على الأشياء بمنطقها الخاص والذي يخرج عن المنطق المعتاد للأشياء .. وبين عاطفية مغلفة بحنان خاص يصبه الميهي على شخصياته ويجعلها قريبة من قلوبنا ، مهما كانت طبيعتها أو خروجها عن التقاليد المعروفة .