منشورات وزارة الثقافة – المؤسسة العامة للسينما /149/
السينما وحدها هي التي استطاعت أن تعطي للذاكرة وهجاً وبريقاً يشبه هذا الخيط من الدور الذي يتسلل من النافذة الصغيرة التي تختفي وراءها آلة العرض ويتسلل وتبدأ مدهشاَ عبر الصالة المظلمة... حتى يصل إلى الشاشة البيضاء فينيرها بوهجه وضيائيه... هذه الخيوط المتناثرة من ذاكرتي.... هي التي أضعها اليوم أمام القارئ العاشق للسينما... فتجعله هو أيضاً يحرك صناديقه الخفية لتخرج منها الخيوط الخاصة به بقارئها بخيوطي... يحبها أو يبعدها... ولكنها على كل حال تكون قد خرجت من قاع الظلمة لتواجه النور من جديد بأحداثها ونجومها وشعلة الفن التي تحركها.... ليس كين لوش اسماً جديداً في دنيا الإخراج وعالم السينما المضيء، فهو رغم بداياته في التلفزيون انطلق في عالم السينما، أسلوب (لوش) السينمائي يعتمد على واقعية قاسية يقدمها المخرج في إطار جمالي خلاب... مما لا ينقص من واقعيتها قدر ما يؤكدها بإحساس سينمائي متدفق بالمكان... وبهالة من الحنان والتعاطف يحيط بهما شخصياته الرئيسية التي تقف دائماً في مواجهة خطر اجتماعي أو سياسي أو نفسي. من الصعب جداً مشاهدة فيلم يأتيك محملاً بعشرات الجوائز الكبرى التي حصل عليها في مهرجات هامة....
ومرشحاً لعشرات مثلها في الأشهر القادمة من أهمها جوائز الجولدن جلوب والأوسكار. ومن الصعب أن يحكم الإنسان بحيادية مطلقة على مخرج يتربع الآن بعد كفاح طويل على عرش السينما كواحد من أهم العاملين فيها اليوم.... والذي يعتبر أي فيلم يخرجه حدثاً سينمائياً لأحد لأهميته. فولفير أو (العودة) مثل إسبانيا في مهرجان كان الأخير وحازت بطلاته الأربع على جائزة التمثيل النسائي....
(حدث فريد قلما يحدث في مهرجان كبير كمهرجان كان) كما سبب فيلمه قبل الأخير (التربية الخاطئة) سيولاً من الآراء المختلفة بشأنه.... دون أن يقلل أحد من أهميته والنظرة السينمائية الجديدة التي يطرحها. منذ بدايات المسرح وقصص الملوك مادة خصبة لكتاب جعلوها محورا ً لتراجيدياتهم التي مازالت حتى اليوم تقاوم الزمن بكل ما تملكه من جمال المعنى وقوة الدراما انطلاقاً من أوديب الملك.... وانتهاء بميديا.....
هذه الحياة التي تتضمن الصعود والهبوط... الارتفاع إلى مستوى النجوم ثم الهبوط إلى أعماق الأرض والتي يصبح فيها الطموح والجريمة ندين يتواجهان وحيث تنعكس مسؤولية الإنسان تجاه نفسه وتجاه مجتمعه وتجاه الأخرين. قصة الطموح والتنازع على السلطة وانتشار بذور الشر... وصل بها شكسبير إلى أعلى مستوياتها عندما كتب الملك لير وهنري الخامس وريتشارد الثالث وهاملت وسواها.... وحتى الدراما الحديثة لم تخل من اللجوء إلى حياة الملوك وصراعاتهم لتجعل منها مادة خصبة للمسرحيات كما فعل جان أنوي في "بكيت أو شرف الله...." وجان دارك ومسرحياته عن أخلاق الساسة في عهد الثورة الفرنسية... تيرنس ماليك..... اسم له خصوصيته الشديدة في عالم السينما المعاصرة... فهذا المخرج الذي لم يقدم خلال ثلاثين سنة أو تزيد إلا أربعة أفلام فقط.... (بما فيه فيلمه الأخير العالم الجديد) تمكن من وضع اسمه بأحرف من نور خارطة السينما العالمية كواحد من أكثر مخرجيها موهبة ورؤية...
(بابل) الأفلام التي تخالف العرف السينمائي التقليدي والذي يقوم على التركيز على بطل وبطلة تدور من خلالهما الأحداث...
وتتفرع أحياناً لشخصيات ثانوية لها أهميتها ولكنها عموماً تدور في رحى البطلين الرئيسيين.... رجعت إلى الأديب تستمد من بعض تقاليده فهناك دون شك... أدب خاص.... يركز على الجماعات أكثر مما يركز على الأفراد، ولعل في تجربة كاتبنا الكبير نجيب محفوظ أصدق مثال على ذلك...
بروايات مثل ميرامار أو زقاق المدق أو ثرثرة فوق النيل وأحاديث الصباح والمساء... وكذلك تجد هذا "البناء الجماعي" في قصص أديب أمريكا اللاتينية الكبير جارسيا ماركيز أو أدب الأمريكي "دوس باسوس"...... فيلمان (بوليسيان) في مظهرهما يتكلمان عن أشياء أكثر خطورة وأشد عمقاً في داخلهما.... الأول يعيد لنا نجمة محبوبة غابت عنا زمناً هي "ديمي مور" التي تعود إلينا في دور كتب على مقاسها... وفتح لها مجالاً للتعبير عن امكاناتها المتعددة، وهو "ضياء نصفي" والأخر فيلم كبير لمخرج من أهم مخرجي جيله هو "ديفيد كرونبرج" والذي عرض في مهرجان كان قبل الأخير ونال مخرجه عليه جائزة الإخراج الكبرى ويحمل عنوان "تاريخ العنف" ..... في فيلم كراسات الفضيحة....
تلعب جودي دينش دوراً معقداً شديد الصعوبة يضاف إلى أدوارها الشهيرة التي صنعت مجدها... والتي ابتدأت بفيلم (غرفة بمنظر) الذي أخرجه جميس ايفوري، أتبعته بأدوار شكسبيرية أخرجها كينيث براناج كهنري الخامس وهاملت... يضعنا فيلم أخر ملوك أسكتلندا الذي يروي جزءاً من حياة عيدي أسين دادا وحكمه لبلده أوجاندا بالدم والحديد..... والأهوال التي قام بها حتى أطاح به انقلاب عسكري...
واضطره إلى الهرب خارج البلاد.... حيث التجأ إلى المملكة العربية السعودية التي قبلت لجوءه السياسي إليها.... وحيث ظل فيها إلى أن وافته المنية في مطلع التسعينيات... أقول يضعنا هذا الفيلم الذي يقدمه مخرج إنجليزي شاب بجرأة واقتدار.... أمام خيار صعب...
هل نحكم عليه من وجهة نظر سياسية... لأنه يقدم لنا شخصية سياسية حقيقية لعبت دوراً مهماً في تاريخ أفريقيا الحديث...
وكثر الحديث عنها وتشعبت الآراء حولها إلى حد الاختلاف المطلق... أم من وجهة نظر فنية غير عابثين بالخلفيات السياسية والاجتماعية التي يقدمها... مركزين على قوة الإخراج وروعة التمثيل..... ربما كان وودي آلان أكثر الشخصيات السينمائية الأمريكية إشكالية منذ أورسن ويلز... فهذا المثقف النيويوركي اليهودي الذي يمثل فئة خاصة من مثقفي أمريكا، استطاع أن يعطي للكوميديا الأمريكية طابعاً واسلوباً خاصين به... ينفرد بوساطتهما عن جميع كتاب ومخرجي الكوميديا الكبار الذين عرفتهم هوليود....
نادرة جداً الأفلام الفرنسية التي تتكلم عن الحرب... ولكن عندما يقرر المخرجون الفرنسيون الكبار التصدي لهذا الموضوع الأليم، فهم يقدمون أفلاماً طافحة بالمعاني وممتلئة بالمرموز الحية، ويعرفون جيداً كيف يعزفون على أوتار القلب الإنساني. الماسة الدموية...
نحن أمام فيلم مهم بجميع المقاييس، سواء بالموضوع الذي يطرحه أو بالأسلوب الذي لجأ إليه لتبيان هذا الموضوع أو بالتفوق التقني المدهش الذي أظهره الفيلم سواء عن طريق الأداء أو الإخراج أو المونتاج والموسيقى وجميع العناصر الفنية الأخرى، الذي يلعب بطولته ليوناردو دي كابريو (المرشح لأوسكار أحسن ممثل) إلى جانب الممثلة الصاعدة جينفيركونيللي، وعملاق أسود جديد يعزو السينما الأمريكية هو دنجن هانسو.... شكسبير في أحداثه وشخصياته وعمق رسمهم... والهالة التراجيدية التي تحيط بأقدارهم هو الذي يتمثل لنا بقوة عند رؤية فيلم مارتين سكورسيزي الأخير "المنحرفون" الذي كان جوهرة أفلام مهرجان البندقية الأخير والذي أن دل عل شيء....
فإنما يدل عل النضج الفني الكبير الذي وصل إليه هذا المخرج العبقري، الذي تعتبر سلسلة أفلامه تصويراً حقيقاً لتاريخ أمريكا الحديث... من خلال العنف والقسوة والطموح والحنان فمنذ سائق التكسي ومن قبله الشوارع الرئيسية... ونظرة سكورسيزي إلى مجتمعه لا تتغير... وإنما تأخذ في التطور شيئاً فشيئاً إلى أن تصل إلى هذه الدرجة من الاتقان والكمال التي أطلت علينا في فيلمه الأخير "المنحرفون" (إجازة) يعود بنا هذا الفيلم الممتع الذي أخرجته مخرجة شابة هي بانسي مايرز إلى عهد الكوميديات الذهبي في هوليود... هوكس كابرا وأرنست لويتش وبيلي وايلدر وجورج كيكور والذين كانوا يتنافسون في تقديم أفلام كوميدية مدهشة تمتع العين...
وتشحذ الفكر... وتنجح من خلال المواقف الضاحكة في تشخيص وتجسيد الكثير من المشاكل الاجتماعية والعلاقات العاطفية وتضع يدها في حساسية بالغة... على أكثر المواقع الحساسة في المجتمع الأمريكي... دانييل كريج الذي اختير ليلعب دور "جيمس بوند" في الفيلم الأخير كازينو رويال المأخوذ عن قصى إيان فلمنج الشهيرة والتي كانت الأولى في سلسلة طويلة كتبها هذا المؤلف الذي فتحت أمامه أبواب السماء والتي نقلت كلها إلى الشاشة الكبيرة بعد أن استحوذت شخصية عميل المخابرات الإنجليزي جيمس بوند على عقل الجماهير وخيالهم وقد كان لشين كونري الذي كان أول من جسد هذه الشخصية دور كبير في جماهيرية هذه السلسلة التي لعب خمس أو ستة أفلام منها.... قبل أن يسأ منها ويترك لغيره من الممثلين متابعة هذه المهمة التي أصبحت عبئاً عليه وعلى مسيرته الفنية وسجنته ضمن قالب خاص...
فهرس - الريح التي هزت حقل الشعير... - فوليفر (العودة) - الملكة - العالم الجديد - بابل - تاريخ العنف والإضاءة الناقصة - كراسات الفضيحة - اخر ملوك إسكوتلندا - ماتش بوينت - خطوبة طويلة الأمد - الماسة الدموية - المنحرفون - إجازة - كازينو رويال - فريدا - الكبرياء والهوى - كلاس... إلى الأبد - الشيطان في برادا - مركز التجارة العالمي - ضوء النجوم - سوبرمان يعود - ماري - برستيج - لسان الفراشة - ميامي فيس - سيدة الماء - قراصنة الكاريبي - لاترافيانا - الحرب... والجنون - جريمة الحاجز.... وعيون التلال - رقم الحظ سبعة - ملكتان - فيرا دراك - سكوب