تأويل النص الشكسبيري في الخطاب السينمائي


تأويل النص الشكسبيري في الخطاب السينمائي

بان جبار خلف

منشورات وزارة الثقافة – المؤسسة العامة للسينما /148/

لقد كانت معالجة النصوص الأدبية وإعدادها سينمائياً سمة بارزة من سمات الإنتاج السينمائي، وهذه السمة تزداد أهمية كلما كان النص الأدبي مشهوراً له بالبراعة والتفوق. وإن بعضا ً من هذه المعالجات ارتقت أحياناً إلى مستوى النص الأدبي الأصلي، بما حاولته هذه المعالجات بالاقتراب أو خلق مقاربات نصية تستطيع أن تصمد هي الأخرى كما صعدت النصوص الأدبية. أن المعالجة السينمائية لنص من النصوص تعني تكييف هذا النص بالوسيط التعبيري السينمائي عبر أشكال الاقتباس المعروفة.

أما التأويل فيعني المعالجة مضافاً إليها انشاء نص جديد يستند في مرجعياته إلى النص الأصلي وبالأخص بتأسيس الاحالات الأصلية، وكيفية اشتغالها في النص الجديد.

أن الفهم والتفسير هو الخطوة الأولى فيما يعرف الآن بـ (علم التأويل) أو (الهيرومنيوطيقا) بعيداً عن أن يكون هذا العلم أجراءً كيفياً مزاجياً قائماً على مشاكسة لنص مشهود له بالبراعة والتفوق، بل أن المنطق التأويلي يخضع لمتطلبات كثيرة لعل من أهمها التصدي للنصوص المستحقة عناء التأويل، والمعرفة الموسوعة للمؤول، ومرجعيات النص، ومن ثم قيام المؤول بتأسيس الاحالات الموجودة في النص الأصلي إلى النص الجديد (الفلم) أي النص المؤول. لقد خضعت النصوص الشكسبيرية لتأويلات شتى، وفي الحقل السينمائي فان لدينا أكثر من تأويل لأي عمل شكسبيري معروف، لكون النص الشكسبيري نصاً إبداعيا على شتى المستويات، ويأخذ البحث على عاتقه معرفة حدود المنطق التأويلي للنص الشكسبيري، المعد للسينما. لقد انتظم البحث على أربعة فصول تسبقها مقدمة وتمهيد أهتم التمهيد بحياة مصطلح التأويل عبر مضانه في المراجع المختلفة وكان الفصل الأول وهو: (التأويل: النظرية والمفهوم): اعتبر الفصل الأول أن التأويل ينصب على النصوص المفتوحة، وهو قد عرج قبل هذا كله على جهود منظري التأويل أمثال (شلير ماخر) و (دلثاي) و (غادامير) ونظريات القراءة والتلقي.

أما الفصل الثاني فكان تحت عنوان: (التأويل وانفتاح النص في المسرح والسينما) وهذا المبحث يقترب من عنوان الرسالة من حيث ما يتسم به من محتوى باتجاه النص المفتوح تخصصياً في السينما والمسرح والنتيجة هي أن التأويل يجب أن ينصب على النصوص التي فيها ما يجعل التأويل عبارة عن نص جديد مرجعيته النص الأصلي، وبذا فإن النصوص ليست كلها تستحق عناء التأويل. من هنا فأن النص المسرحي المفتوح له منطق يتعلق بالوسيط التعبيري للدراما، كذلك ينفتح النص السينمائي للأسباب نفسها والمقارنة هنا بين النص المسرحي والسينمائي عامة ليست دقيقة لأن كل نص يقرن بوسيطه واختتم هذا المبحث بالحديث عن عناصر التأويل في السينما على وفق كون التأويل علماً يجب أن ينظر فيه.

أما الفصل الثالث فكان عنوانه: (التأويل والنص الشكسبيري في السينما) وهذا الفصل هو جوهر الرسالة واكتفت الكاتبة بأن ناقشت بتفحص المعالجات التي أولت نصوص شكسبير الأخرى، وتوصلت إلى أن تأويل النص الشكسبيري وجد في الوسيط التعبيري للسينما مديات واسعة تستطيع أن تصل إلى اللامرئي من النص المكتوب على شرط أن يكون المؤول على استعداد لأن يلاقي النص الأصلي على أرضه الخاصة ومع الالمام بالوسيطين التعبيريين الدراما والفلم، وهنا توصلت الباحثة إلى مؤشرات للإطار النظري تصب في فحوى، أن التأويل للنص الشكسبيري هو ذلك التأويل الذي يؤلف نصاً سينمائياً جديداً متماشياً مع إلغاء شكسبير أو مسخه أو تحميله بما ليس فيه.

أما الفصل الثالث فهو الفصل المعني بإجراءات البحث عبر اتخاذ مؤشرات الإطار النظري أداة للتحليل عبر ثلاثة نماج فلمية تصدت للنص الشكسبيري "روميو وجوليت" الذي جرى تحليله والتأويلات المستمدة منه عبر ثلاثة نماذج فلمية هي: - روميو وجوليت: باز لوهارمن. - قصة الحي الغربي : روبرت وابز – جيروم روبنز.

- شكسبير عاشقاً: جون مادين. ووجدت الباحثة أن خطوط التأويل تراوحت ما بين الابتكارية المستندة إلى النص الشكسبيري المكتوب والفشل الذي حمل النص بما لا يتفق وروحه. أن الباحثة وهي تتصدى لموضوعة التأويل قد جوبهت بمصاعب متعددة لعل من أهمها: أن معظم ما كتب عن التأويل قد انطلق من بيئة ثقافية أجنبية، وما توفر من اللغة العربية، لا يعدو كونه مصطلحات معجمية تحاول أن تفسر الأشياء على قدر محدود، ولو أخذنا كمثال ما يقوله: (محمد بن أبي بكر عبد القادر الرازي) في معجمه "مختار الصحاح" عن كلمة: "أول – (التأويل) تفسير ما يؤول إليه الشيء وقد (أوله) تأويلاً و (تأوله) بمعنى". ولو استرسلنا في مناقشة مصطلح التأويل لوجدنا في المعاجم العربية الشيء الكثير، وحتى المفاجئ أحياناً ففي كتاب (العين) للعالم (الخليل بن أحمد الفراهيدي) وتحت باب "التأول والتأويل":

تفسير الكلام الذي تختلف معانيه ولا يصح الببيان غير لفظه قال: نحن ضربناكم على تنزيله فاليوم نضربكم على تأويله هنا يضيف "العين" لتفسير "الصحاح" أن الكلام يفسر عندما تختلف معانيه ولا بد من الايتان بألفاظ أخر لتيسير الفهم. وفي "لسان العرب" و "أول الكلام تأوله: دبره وقدره وأوله وتأوله: فسره" في هذا الاستهلال يبين أن تأويل الكلام هو الإحاطة به، وتدبره بمعنى الالمام بما يقوله الكلام والسيطرة عليه، وقدره (الكلام) أي قاسه وحكم عليه، وهنا نحن إزاء طرف من المفاهيم المعاصرة لمبحث التأويل كما سيرد لاحقاً، فنحن لسنا بشراح ومفسرين بل نتدخل بقوة حتى نحكم على الكلام من حيث صحته أو خطئه، قوته وضعفه ومغزاه وهل وفق في ذلك؟ على أن أبلغ ما في "لسان العرب" هو استرساله في وضع مرادفات للتأويل حتى يصل إلى القول إلى أن التأويل علم وبهذا فأن المعجم يتفق وأحدث المناهج الهيرومنيوطيقية عندما يقول: "وقوله عز وجل: (ولما يأتهم تأويله): أي لم يكن معهم علم تأويله وهذا دليل على أن علم التأويل ينبغي أن ينظر فيه" فهل يعني هذا التعريف عن علم ونظرية ومصطلح شغل الخطاب النقدي والأدبي والفلسفي منذ أن بدأ الأنسان يتعامل مع النصوص التي تهمه؟ ومع هذا فأن الباحث لا يدع شيئاً يفلت منه طالما يضيء له طريقاً إلى المعرفة. يستعمل مفهوم (التأويل) في السينمائية بمعنيين مختلفين، يرتبطان بفرضية الأساس، الذي يحيل عليه ضمنياً، أو مباشرة، أي الشكل – المضمون. و(التأويل السينمائي) بعيد – إنتاج نفس التمفصلات، ويمكن أن تقدم تحت نفس قواعد الشكل المؤول، وهنا يمكن التحديد الممكن شلغات الشكلية، من الوجهة السينمائية. ونعتمد (التأويل) على تفسير النص، وبحث معناه وتخريج قواعده وترجمتها إلى لغة ثانية وثالثة.

وإذا جئنا إلى مؤلفي كتاب "دليل الناقد الأدبي" فسنجد أن هذا الكتاب يختلف عن معجم (سعيد علوش) بكونه يترسم خطى الموسوعات المعرفية الكبرى مثل "الموسوعة البريطانية" حيث يفرد لكل نوع مقال يعرف به وليس معقولاً في مثل بحثنا أن ننقل سبعة صفحات خصصها الباحثان لموضوعة التأويل والهيرومنيوطيقا ولكن سنأخذ مثالاً مختصراً فيقول: "التأويل في أدق معانيه هو تحديد المعاني اللغوية في العمل الأدبي من خلال التحليل وإعادة صياغة المفردات والتراكيب ومن خلال التعليق على النص مثل هذا التأويل يركز عادة على مقطوعات مجازية يتعذر فهمها، أما في أوسع معانيه فالتأويل هو توضيح مرامي العمل الفني ككل ومقاصده باستخدام وسيلة اللغة".

فالتأويل هنا هو شرح وتفسير لاستجلاء النص وتوضيحه، والتركيز يجري على المقاطع المبهمة في النص عبر صياغة جديدة، ومن ثم قال فإن التأويل يركز على قصدية النص أصلاً غير وسيلة اللغة، أي لغة النص. لقد تطرقت المعاجم العربية إلى أن علم التأويل يجب أن ينظر فيه، و "دليل الناقد الأدبي" يقول الهيرومينوطيقا نظرية التأويل وممارسته، من هنا نلاحظ التقارب، على أن الزيادة هنا: أن لا حدود تؤطر مجال هذا المصطلح سوى البحث عن المعنى وتوضيحه وتفسيره، وهذه مسألة شائكة في الخطاب الأدبي والفني، فكل علوم اللغة والفن، هاجسها الوحيد البحث.

عن المعنى، سواء أكان داخل النص أم خارجه، وتزداد الصعوبة عندما تستمر النبذة التعريفية فيقول: "كما لا تقتصر ممارسة الهيرومينوطيقا على التأويل الأدبي، ولا توجد مدرسة هيرومنيوطيقية معينة ولا يوجد ما يمكن أن يطلق عليه صفة الهيرومنيوطيقا ولا هي كذلك منهج تأويلي له صفاته وقواعده الخاصة أو نظرية منظمة".

من هنا إرتأت الكاتبة بعد سوقها كل هذه المداخلة لمصطلح تأويل أن تخرج بتعريف يتفق وهدف البحث لاعتقادها أن هذا التعريف جامع وشامل لمجمل الأفكار عن التأويل. التأويل: هو الفهم والتفسير لنص من النصوص بشكل كلي عبر مرجعية موسوعية للنص المؤول وما يحيطه والناتج نص جديد مستند إلى النص الأصلي معيناً بالإحالات وتأسيسها في النص الجديد منطلقاً من فاعلية النص وفاعلية القراءة.

فهرس

- مقدمة... - تمهيد.... - الفصل الأول: التأويل: المفهوم والنظرية.... - الفصل الثاني: التأويل وانفتاح النص في المسرح والسينما.... - الفصل الثالث: التأويل والنص الشكسبيري في السينما.... - الفصل الرابع: تطبيقات.... - ملحق رقم (1).... - ملحق رقم (2)..... - ملحق رقم (3)..... - ملحق رقم (4)..... - ملحق رقم (5)..... - ملحق رقم (6)..... - ملحق رقم (7)..... - ملحق رقم (8)..







مواقع صديقة

 

آفاق سينمائية

مجلة إلكترونية أسبوعية