أليف: وران جي. هاريس ترجمة: محمد علام خضر
منشورات وزارة الثقافة – المؤسسة العامة للسينما /146/
كلارك غيبل نجم الرجولية في أوج ازدهار هوليوود، ولد بعد عشرة أيام فقط من وفاة المملكة فيكتوريا وبعد شهر من بداية القرن العشرين، ويمكن القول إنه كان طفلاً من العهد الفيكتوري الذي ساد فيه استعمال مصابيح الكاز والعربات التي تجرها الخيول وغلب على الناس المحافظين طابع الاحتشام المفرط، كما اعتادت والدة كلارك أن تلبسه أثواباً بيضاء طويلة ككسوة غيره من أطفال تلك المرحلة وأن تفرق شعره الأسود الكثيف من المنتصف. من المحتمل أن اسمه الأصلي ويليام كلارك غيبل لكن المراجع اختلفت في هذا الشأن بما في ذلك قيود الولادة والسجلات المدرسية، ولعل اسمه الأول (ويليام) كان تيمناً بوالده (ويليام هنري غبيل) والمعروف أيضاً باسم (ويل هنري غيبل) الذي امتهن التنقيب عن النفط، أما اسم (كلارك) فهو لقب جدته. الوقت الذي وصل فيه كلارك إلى "أكرون"، أعلنت ولاية أوهايو حظر بيع وصناعة المشروبات الكحولية، أن وفرة الأمكنة التي يستطيع المرء أن ينفق فيها المال الكثير في عاصمة صناعة المطاط في العالم سرعان ما جعلها قبلة لأصحاب الكسب غير المشروع، بينما انغمس الكثيرون في نشاطات غير قانونية كالقمار والدعارة وترويج المخدرات، وتشير الأقاويل إلى أن كلارك غيل الشاب عمل لصالح رجال عصابات مدينة "أكرون"، لكن نشاطه الإجرامي، أذا صح التعبير، لم يتعد تسليم الخمور الموزعة بطريقة غير مشروعة أو قبض الرهانات. وفي "أكرون" أصيب بيلي غيبل أخر الأمر "بلسعة آفة التمثيل" لدى ذهابه لأول مرة لحضور مسرحية في قاعة "أكرون" للموسيقى في شارع البورصة، حيث كانت فرقة مسرحية محلية تقدم عرضاً لمسرحية "عصفورة الجنة" وهي ميلودراما لـ "ريتشارد والتون تالي" أخذت تغزو المسارح منذ عرضها الأول في مسرح برودواي عام 1912. كان بيلي يحوم حول باب خشبة المسرح في قاعة "أكرون" الموسيقية كلما سنحت له الفرصة لمشاهدة الممثلين أثناء مغادرتهم المسرح، ثم بدأ يلحق بهم إلى الأماكن التي يرتادونها فتمكن من مصادقة عدد من هؤلاء الممثلين ولم يمض وقت طويل حتى بدأ عملاً طوعياً وراء الكواليس بمهمة استدعاء الممثلين من غرف تبديل الملابس للظهور على المسرح عندما يحين موعد ذلك، كما تطوع أيضاً للقيام بجولات خدمية وكنس أرض المسرح. ومع أنه لم يتقاض أي أجر على هذه الأعمال لكنه شعر بالمتعة والإثارة لحصوله على فرصة لتعلم التمثيل وفنون المسرح عن كثب. مثل بيلي في مسرحيتين مع فرقة (فوريست تايلور) تحت اسم (دبليو. سي. غيبل) بالرغم من أن تايلور كان صديقاً لـ (ديلون) إلا أنه لم يثق بإمكانات تلميذها الفنية فأسند إليه أدوار ثانوية فقط. بعد أدائه الأخير في مسرحية "الشارع الرئيسي" غادر "بورتلاند" متجهاً إلى لوس أنجلس فاضطرت (فرانز دور فلير) إلى كتب كبريائها وقررت توديعه بأن تتمنى له التوفيق ولكن عندما ذهبت إلى حجرة تبديل ملابسه كان غيبل قد حزم أمتعته وحل عن المدينة ولم يلتقيا مرة ثانية إلا بعد مرور سنوات طويلة لقد تحو بيلي أنذاك إلى كلارك غيبل. في هذا الأثناء كان غيبل يدرس أيضاً عرضاً حصل عليه من أحدى الوكالات التي تتولى القيام بجولات فنية لرواد السينما الأوائل الذين أخذت تخبو شعبيتهم مع الزمن، أذا وافق غيبل على هذا العرض فإنه سيحظى بفرصة التمثيل مع (دوروثي دالتون) – تلك الممثلة التي ذاع صيت جاذبيتها الجنسية واغرائها- في سكتش مسرحي مدته 20 دقيقة. ما كان غيبل ليفوت عرض (دالتون) بأجر قدره 200 دولار في الأسبوع بالإضافة إلى فرصة الظهور على مسرح "القصر" الشهير في بروداوي، لكن (جوزفين ديلون) عارضت تلك الفكرة واعتقدت أنها لن تكون سوى مضيعة للوقت في مزيد من التدريب المسرحي لثلاث سنوات أخرى. ومما لا شك فيه أنها لم تر أثراً ايجابيا بما أنها لا تتمتع بالبراعة في التمثيل وإنما بسمعتها المشوية بإقامة العلاقات الجنسية المتعددة. في لوس انجلوس في نهاية شهر أيار فقد كان لدى غيبل شهران من وقت الفراغ قبل تنفيذ التزامه في برودواي لمسرحية "وداعاً للسلاح فقرر البقاء في لوس أنجلوس والالتقاء ببعض الوكلاء الذين لم ينفكوا عن الاتصال به منذ ظهوره في مسرحية "الميل الأخير"، وبما أن عقد غيبل مع (شامبرلين براون) كان يغطي النشاط المسرحي فقط، كانت لديه الفرصة للحصول على وكيل الأعمال السينمائية. ولكن قبل أن تسنح الفرصة للتحدث مع الوكلاء الآخرين، ظهرت سيدة أعمال نشيطة جداً تدعى (مينا واليس) وتسلمت زمام الأمور وكانت مصممة على أن يكون موكلوها من النجوم المحتملين ويبدو أن كلارك غيبل كان لديه تلك المقومات وبالخط العريض، وبينما كان يعمل غيبل في سان فرانسيسكو سمحت (مينا واليس) لنفسها أن تتصرف بترتيب اختبار تمثيلي سينمائي لغيبل للعمل في فيلم من أفلام رعاة البقر (الكاوبوي) وبأجر قدره 750 دولاراً في الأسبوع لصالح شركة "باثيه" للإنتاج السنيمائي. فكيف يتسنى لغيبل أن يرفض عرض كهذا؟. حمل الفيلم عنوان "الصحراء الملونة" وكان من أفلام رعاة البقر (الكاوبوي) المعاصرة حيث يتصارع رعاة البقر على تنقيب معدن التنغستن، وهو عنصر معدني نادر يستعمل في صنع الشعيرة الموجودة في المصباح الكهربائي. وتفيد في إحدى الروايات بأن (مينا واليس) عندما أخذت موكلها الجديد غيبل لمقابلة المخرج (هاورد هيغن)، أستلمت زمام الحديث وغفلت عن الذكر بأن غيبل لا يعرف ركوب الخيل وبأنه لم يقترب من أحدها في حياته، وبعد أن حصل غيبل على العمل في مشروع الفيلم، يقال بأن (مينا واليس) أرسلته إلى معهد تعليم ركوب الخيل في "غريفيث بارك" حيث تولى تدريبه واحد من المجازفين (الذين يقومون بأداء المشاهد الخطرة بدلاً من أبطال الأفلام) المتقاعدين ممن فقد أحدى عينيه ووضع هذا المدرب غيبل ضمن دورة مكثفة لتعلم ركوب الخيل خلال أربعة أسابيع. تم إتمام المراسم الخاصة التي استغرقت عشر دقائق داخل مكتب القاضي، خرج الزوجان الجديدان وأحاط بهما الصحفيون على الفور وأنهالوا بطرح الأسئلة الحساسة، فقد أراد رجال الصحافة معرفة مقدار ثروة (ريا) وزيجاتها السابقة والأمور المتعلقة بأولادها الثلاثة ودورها في تعزيز مهنة غيبل ودفعها للأمام. حاول (هاورد ستريكلنغ) ومسؤول أخر من "إم. جي. إم" الحفاظ على تهدئة الوضع أمام الصحفيين لكن (ريا) إنهارت وانفجرت بالبكاء وطلبت أن يتركوها وشأنها. أحاطها غيبل بذراعه وقادها إلى سيارتهما وغادرا المكان، ولكن لم يذهب العريسان أبداً لقضاء شهر عسل. كان كلارك غيبل نجم الرجولية في أوج ازدهار هوليوود، فلعب القمار وعاقر الخمر وعاشر النساء بطريقة ملحمية، ولاغرو أن (سبنسر تريسي) بدأ يناديه على سبيل المزاح بـ "الملك" فأرتبط اللقب باسمه باستحقاق منذ لك الحين. غيبل المولود في أوهايو عام 1901 من أب عمل دون طائل في التنقيب عن النفط، كان فتى ريفياً لسعته آفة التمثيل حين بلغ السابعة عشر، ولعله أستمر في أداء الأدوار الصغيرة في الفرق التمثيلية الجوالة لولا المساعدة التي قدمتها سيدتان أكبر منه سناً ثم أصبحت كل منهما "حرم السيد غيبل" فالأولى "جوزفين ديلون" كانت معلمة محترفة في التمثيل المسرحي، لكن الثانية (ريا لانغهام) – أرملة ثرية من هيوستن – هي التي تدبرت وصوله أول الأمر إلى برودواي ثم إلى هوليوود حيث استخدامته "إم. جي. إم" بأجر منتظم وسرعان ما بدأ يلعب الأدوار الرئيسية أمام عدد من أبرز نجمات الاستوديو، أمثال (نورما شيرر) و(جون كراوفورد) و (غاربو)، التي مازالت على قيد الحياة بينما أصبحت الأخريات جزءاً من الماضي. أن الأسلوب المثير والحي الذي يسرد به (وارن هاريس) هذه السيرة الذاتية لا يكشف النقاب عن معلومات غير منشورة عن حياة غيبل الخاصة فحسب، بل يصف أيضاص مهنة غيبل الطويلة والمتنوعة والناجحة، بما فيها أوسكار أحسن ممثل عن فيلمه "حدث ذات ليلة" والدور الذي أكسبه الصفة السينمائية الخالدة بشخصية (ريت بتلر) في "ذهب مع الريح". من أفلامه: الصحراء الملونة، الطريقة الأسهل، ارقصوا أيها الحمقى أرقصوا، الستة السريون، أصابع الاتهام، المذنبون المرحون، النفس الحرة، المموضة الليلية، دماء رياضية، الراهبة البيضاء، تمسكي بعشيقك، الرحلة الجوية الليلية وغيرها كثيراً.
الفهرس
- الفتى.... - بيلي يشق طريقه نحو التمثيل.... - ممثل ثانوي في هوليوود.... - من فرق التمثيل المسرحي العادية إلى برودواي...ز - بداية زئير الأسد.... - غيبل معبود الجماهير.... - معاشرة النساء والبحث عن المتعة أينما كان.... - تنفيذ العمل في الاستوديوهات الصغيرة والعودة إلى "إم.جي.إم". - فورة التنقيب عن الذهب.... - العديد من النساء... - طيور الحب.... - موت وتين... - زوجة غيبل الثالثة.... - (ريت) لا يحظى بالأوسكار.... - "لجنة النصر" في هوليوود... - جيل "تيبل روك"..... - غيبل.... ضابط في سلاح الجو.... - أصحاب وصاحبات جدد.... - دخول ليدي (سيلفيا) في حياة غيبل.... - "المنفى" لتجنب الضرائب.... - زوجة غيبل الخامسة..... - غيبل أب ينتظر مولوداً.... - نهاية العصر الذهبي.... - شكر.... - أفلام كلارك غيبل..