السينما الأوروبية أفلام من الشرق والغرب
كمال رمزي
منشورات وزارة الثقافة – المؤسسة العامة للسينما /140/
هذه المجموعات من المقالات كتبت على فترات متباعدة، ذلك أن الأفلام التي تتعرض لها ليست متداولة في حياتنا الثقافية، بالرغم من أنها جديرة بالمشاهد والمنافسة والتأمل، فهي أولاً تعبر عن اتجاهات متنوعة شديدة الثراء، لسينمات أوربية لا يفصلنا عنها سوى البحر الأبيض المتوسط، وربما مساحات صغيرة من اليابسة، وهي ثانياً لمخرجين مرموقين، من أصحاب الرؤى والأساليب، وهي ثالثاً حظيت باهتمام النقاد والدراسين في معظم بلاد الدنيا، والكثير منها نال أرفع الجوائز في المهرجانات الدولية.
بعيداً عن بحث أسباب عدم اكتراث صالات السينما عندنا، بعرض هذه الأفلام، يغدو لزاماً على الناقد أن يطل مع القارئ، من خلال تلك النوافذ القليلة، الصغيرة، على مناطق سينمائية شاسعة.
في فيلم (امرأة ضائعة) في فرنسا 1956، تدور معظم مشاهد الفيلم في الليل، مما يعطي إحساساً مقبضاً بحياة فقراء باريس القرن التاسع عشر، ولكن المشاهد التي تتم بين "جيرفيز" و "جورجيه" فإنها تتم في الدور الساطع في النهار، ذلك أن العلاقة المبهجة الوحيدة في حياتها.
ويحقق الممثلون جميعاً مستوى بديعاً في الأداء، خاصة "ماريا شل" في دورها المتعدد الجوانب، فهي رقيقة تارة، شرسة تارة أخرى، محبة أحياناً، كارهة أحياناً أخرى.... ومن أبلغ مشاهدها مشهد عيد ميلادها عندما تغني "يا إله السماوات" فتفاجأ بعشيقها الوغد "لانتير" ينظر لها من وراء النافذة فيضطرب صوتها الرقيق المنطلق وينكسر على نحو يعبر بدقة عن وصف "إميل زولا" لإحساسها "وشعرت بالبرودة تسري في جسمها ابتداء من ساقيها، متسللة إلى رأسها، مارة بقلبها".
إن فيلم "جيرفيز" يدفعنا لمشاهدته أكثر من مرة، ذلك أنه يقدم لنا عدداً من الدورس الهامة.
قرية ثائرة.... أم قرية ظالمة؟ أذا كانت بعض الكتابات النقدية تعني بالكلاسيكية تلك الأعمال التي أصبحت مميزة في تاريخ الإبداع الإنساني، وأصبحت، بما يحويه من قيم ومعالم فينة، مادة للدراسة، ذلك أن إنجازاتها، تصبح معايير نقدية، تقاس بها إنجازات الأعمال اللاحقة... فأن "ابنه رايان" بهذا المعنى، يصلح لأن نطلق عليه صفة الكلاسيكية..... فنحن بإزاء عمل، يثير فينا نفس المشاعر الجياشة، التي أثارها عندما شاهدناه منذ أكثر من عشر سنوات.... وأغلب الظن، أنه قادر على البقاء والتواجد والصمود في وجه الأرض، وسيثير في قلوب الأجيال القادمة، أحاسيس قريبة من تلك التي أثارها في أجيال سابقة.
كاتب سيناريو هذا الفيلم هو "روبرت بولت" المؤلف المسرحي الإنجليزي، المولود في عام 1924، "روز"، "ابنة رايان" صاحب الحانة... أنها تبدو فعلاً كالوردة، تثير البهجة فيمن حولها، شابة صغيرة وهبتها الطبيعة نوعاً من الجمال الآسر، يخفق قلبها برغبات أكبر من القرية المنسية التي ولدت فيها، تسير وحيدة مع آمالها العريضة على شاطئ البحر، وعندما يحدثها المدرس عن "دبلن" تلك العاصمة البعيدة، بأنوارها المتلألئة، وفرقها الموسيقية المتعددة، تتشبث بمورد الصور الجميلة فتنجذب له بقوة.... أنها فتاة أقرب إلى الفراشة، ترتدي ملابس ذات ألوان زاهية، وتحاول أن تطير، بجناحين ضعيفين، نحو مصدر الضوء.... وهي بلا حذر، تلقي نفسها في قلب الوهج، فتحترق مرتين: مرة عندما تتزوج من مدرسها الذي يكبرها بعدة عقود، فتعاني ما يعانيه الشباب المتقد بالرغبات، مع من هم يتحركون إلى مشارف الكهولة.... ثم ها هي تحترق مرة أخرى في علاقتها المستحيلة مع ضباط من أعداء بلادها وقريتها.
يرحل من الربيع..... إلى الشتاء... "سندباد"..... فيلم بالغ السخاء، يفيض بأحاسيس جياشة وعواطف مضطربة... و"سندباد" هنا يذكرنا بــ "سندباد" القديم، فكلاهما يخضع لنوع غريب من الأشواق... القديم يحركه شوقه لارتياد الآفاق والوصول لمشارف بلاد جديدة وبحار جديدة... أما حفيده فيحركه شوقه الغامض للحياة، للفن، للتجربة، للمعرفة... وبقدر ما في فيلم "سندباد" من ثراء، بقدر ما يبعث على الحيرة، ذلك أن الفيلم لا يخاطب العقل بقدر ما يخاطب الوجدان، ولا يقدم أفكاراً بقدر ما يقدم مشاعر... وهذا لا يعني أن الفيلم خال من الآراء والأفكار، فالمشاعر التي يقدمها تتضمن بالضرورة موقفاً من الوجود. وربما كان أحد أسباب دهشتنا إدراكنا بأن هذا العمل المغرق في الذاتية يأتي من أحد البلاد الاشتراكية التي يهتم فنها – عموماً – بإيجابية البطل، فضلاً عن رصد العلاقة الجدلية بين سلوكه وأحاسيسه من جهة وقيم المجتمع وحركته من جهة أخرى.... لذلك يجب أن نتوقف عند تاريخ السينما المجرية، لنحدد موقف "سندباد" الغريب منها.
"قوة الإحساس" ينصحنا فيلليني، في أحاديثه وما أكثرها، بأن نرى أفلامه دون حكم مسبق وبذهن متفتح وأعين واعية، وألا نبحث عن أفلامه عن أشياء لا وجود لها.
ومنذ المشاهد الأولى من " إني أتذكر" نجد أنفسنا في قلب عالم فيلليني العالم الذي عشنا فيه من خلال "ساتيريكون" و"روما" و "المهرجون" و"جوليتا الأرواح، ذلك أن فيلليني من أصحاب الأساليب شديدة الخصوصية، إلى الدرجة التي تستطيع أن تكشف أعماله حتى إذا لم يكتب عليها اسمه... وهذا لا يعني أن فيلليني يكرر نفسه، بالعكس، فعلى الرغم من أننا شاهدنا طاووس "إني أتذكر" الجميل في "ساتيريكون" من قبل وشاهدنا قبلة بائعة السجائر الشهوانية في نظريتها العاهرة في "2/1 8" وبرغم من أننا قد نجد بعض مشاهد "إني أتذكر" قريبة من مشاهد طالعتنا في أفلام فيللينية أخرى، إلا أن الغريب أننا هنا نراها كما لو كانت جديدة كل الجدة، لم تفقد سحرها ومذاقها الخاص.
" إنسان لا يعرف الشر" ألمانيا 1974، مثل معظم الأعمال الفنية الكبيرة، يأتي فيلم "كاسبار هاوزر" متعدد المستويات، والدلالات... وهو لا يتضمن مغزى ضيقاً، محدوداً، بقدر ما يعبر عم رؤية خاصة للوجود الإنساني... وهو مثل الأعمال الفنية الكبيرة، يعطي للنقاد فرصة لتفسيره – بلا تعسف –تفسيرات قد تقترب وقد تتباعد عن بعضها، ولكنها في النهاية تساهم في إثراء هذا العمل السينمائي الفني...
"مصاص الدماء... يفكر ويحس"... دراكيولا في هذا الفيلم، يختلف تماماً عن أسلافه الذين طالعونا بشكل موحد عن معظم الأفلام السابقة، وإن كان يمت بنسب إلى دراكيولا "رومان بولانسكي" في "قتلة مصاصي الدماء البواسل".... فدراكيول في هذه المرة، ليس مجرد الوحش الغريب الدموي، الذي يظهر لضحاياه، بعد منتصف الليل، ليغرز أنيابه في رقابهم... ولكنه يبدو رومانسياً، متأملاً، حزيناً، تكاد كلماته تقترب من بهائها ورونقها من روح الشعر، يبحث عن الحب الذي حرم منه، ويعاني من طول الحياة المملة التي يعيشها، ويكتشف أن ثمة أموراً أشد قسوة من الموت، وأن البشر يكرورن يومياً، نفس الحماقات والتفاهات.
الفيلم لم يجرد دراكيولا من الشر، ولكن أضفى عليه شيئاً من الفكر، ومنحه قدراً كبيراً من المشاعر والأشواق، وجعل له رؤية تتسم بطابع عدمي، وحاول أن يغنيه بأن يسقط عليه بعض أبعاد من شخصية "تريزياس" البطل الأسطوري اليوناني، الذي عذبته الآلهة بأن حكمت عليه بأن يعيش حياة طويلة، وحرمته من القدرة على الحب والوصال، وهو البطل الذي اعتمد عليه الشاعر الإنجليزي "ت.س. إليوت" في قصيدته "الأرض الخراب" التي تعد معرضاً للحضارات المنهارة والآلام المتجددة التي تتوالى على "تريزياس".
"تاريخ أمة في فيلم واحد" الأتحاد السوفيتي 1979، ربما يحس المرء بالحيرة عندما يتعرض لفيلم كبير مثل "سيبرياد" ولمخرج خلاق من طراز "أندريه ميخالكوف كونشالوفسكي" ذلك أننا إزاء عمل شاهق البناء، يعد تتويجاً لعشرات التجارب الفنية، التي قدمتها السينما السوفيتية خلال نصف قرن، سواء تلك الأعمال التي استفادت من الواقعية الاشتراكية، على نحو صارم، أو تلك الأعمال التي استفادت من ينابيع فنية أخرى، وهي الأعمال التي بدت مزعجة في البداية للتقليديين الذين تجمدوا عند بعض نماذج الواقعية الاشتراكية، فكان من الصعب عليهم أن يتقبلوا العديد من تجارب الشباب الجديدة.....أو التجارب الشابة لزملاء جيله الذين بدؤوا تقديم أعمالهم في سنوات "ذوبان الجليد" بعد المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي السوفيتي 1956.
"حق للمقهورين... كرامة" بريطانيا 1979، أخيراً... تحقق حلم "رومان بولانسكي" بأن يخرج أحد أعمال "توماس هاردي" وبالتحديد رواية "تس من دور برفيل". كان "بولانسكي" يأمل، ويتوقع أن تقوم زوجته السابقة "شارون تيت" بدور البطولة.
لكن مقتلها الفاجع على يد عصابة "مانسون" في المجزرة الشهيرة عام 1969 جعله يؤجل مشروعه... وكنوع من التطهر من الهواجس، والخيالات المفزعة، وصرخات الألم وصور المطاردات الأليمة التي قدمتها الصحافة الأميريكية لتفاصيل المذبحة.
بعد "ماكبث" الذي قدمه في لندن 1971 عاد "بولانسكي" إلى أمريكا ليقدم "الحي الصيني" 1974 وفيه يلجأ إلى أحدى الفترات الحالكة في تاريخ الولايات المتحدة، خلال أزمتها الاقتصادية قبل الحرب العالمية الثانية، والفيلم بعلاقات شخصياته المريضة أقرب إلى المتاهة المروعة.... يقوم فيها "رب الأسرة" المليونير المجرم بدور أقرب إلى المايسترو، يدفع برجاله العتاة وأفراد أسرته إلى مسالك فظيعة من الانحطاط بكافة معانيه ومستوياته، كما لو كان يريد من الجميع أن يشتركوا في عزف سيمفونية من الشر الخالص.
فهرس...
- مقدمة...
- جيرفيز...............
امرأة ضائعة...
فرنسا 1956
إخراج: رينيه كليمان
- ابنة رايان..............
قرية ثائرة... أم قرية ظالمة؟
بريطانيا 1970
إخراج: ديفيد لين
- سندباد...............
يرحل الربيع... إلى الشتاء
المجر 1971
إخراج: زولتان هوساريك
- إني أتذكر............
قوة الإحساس
إيطاليا 1973
إخراج: فيلليني
- كاسبار هاوزر.........
إنسان لا يعرف الشر
ألمانيا 1974
إخراج: فيرنر هيرتزوج
- نوسفيراتو..............
مصاص الدماء... يفكر ويحس
ألمانيا 1978
إخراج: فيرنر هيرتزوج
- سيبرياد...............
تاريخ أمة في فيلم واحد
الاتحاد السوفيتي 1979
إخراج: أندريه ميخالكوف
- تس من دوربرفيل.........
حق للمقهورين... كرامة
بريطانية 1979
إخراج: رومان بولانسكي
- موسكو لا تؤمن بالدموع.....
قوة الإرادة تجفف الأحزان
الاتحاد السوفيتي 1980
إخراج: فلاديمير منشوف
- تعالوا وانظروا.....
العودة إلى الينابيع
الاتحاد السوفيتي 1985
إخراج: ايليم كليموف
- الندم.......
نزع هالات القداسة... المزيفة
الاتحاد السوفيتي 1985
إخراج: تنجيز أبولادزه
- كارمن.....
الضحية... فمن هو الجلاد
سلوفينيا – روسيا 1996
إخراج: ميتود بيفيك
- مسرح الحرب والحياة جميلة.....
احتجاج
ايطاليا 1998
إخراج: مسرح الحرب: ماريو ماروتي
الحياة جميلة: روبرتو بينين
- تانجو........
البحث عن التناغم المفقود
اسبانيا 1998
إخراج: كارلوس ساروا
- الحفل العائلي والبلهاء....
الوصايا العشر لـ"دوجما 95"
إخراج: الحفل العائلي: توماس فيتنسربرج
البلهاء: لارس فونترير
- حلاق سيبريا......
الماضي يلقي ضوءا على الحاضر
الاتحاد السوفيتي 1998
إخراج: نيكيتا ميخالكوف
- الجنرال واسمي جو....
المدرسة الواقعية... تجدد نفسها
أيرالندا – بريطانيا 1998
إخراج: الجنرال: جون بورمان
اسمي جو: كين لوش
- راقصة في الظلام.....
دقت ساعة القصاص الظالم
الدانمارك 2000
إخراج: اليخاندور امبنار
- الآخرون........
أشباح الأحياء ترعب الموتى في قصر معزول
بريطانيا 2001
إخراج: اليخاندرو امبنار
- الحدود......
مأساة أخوة الأمس... أعداء اليوم
فرنسا 2001
إخراج: دانيس تانوفيتش
- معلمة البيانو....
إبداع في التمثيل... داخل فيلم وحشي
النمسا 2001
إخراج: ميشيل هانك
- أنا عائد إلى البيت.....
الحنين إلى الأيام الخوالي
البرتغال 2001
إخراج: مانويل دي أوليفيرا
- غرفة الابن..........
فيلم رقيق... يهز أوتار القلب
ايطاليا 2002
إخراج: ناني موراتي
- عازف البيانو..........
درجة من تعديل التوازن المفقود
فرنسا – بولندا 2002
إخراج: رومان بولانسكي
- أخيراً، سيداتي سادتي......
ما بعد القول
فرنسا 2002
إخراج: كلود ليلوش
- كل شيء أو لا شيء..........
عن الصامدين..... في دوامة الحياة
بريطانيا 2002
إخراج: مايك لي
- الأقارب......
ما الذي حدث في البيت الكبير؟
روسيا 2004
إخراج: ديمتري ميسخييف