بشار إبراهيم
منشورات وزارة الثقافة – المؤسسة العامة للسينما /139/ في تكريم الفنانين دريد لحام ونهاد قلعي، توطد المؤسسة العامة للسينما عميقاً نيتها بإجراء تلك المصالحة التاريخية فيما بين سينما القطاع العام، وسينما القطاع الخاص، بعد عقود من حالة من البرودة، إن لم نقل الجفاء أو الخصام، تلك الحالة التي تجلت على الأقل من خلال عدم تعامل المؤسسة العامة للسينما مع هذين الفنانين الكبيرين، في أي من أفلامها، حتى اليوم. وفي وقت لا يحق لأحد الحديث باسم المؤسسة العامة للسينما، إلا إدارتها، يمكننا الانتباه إلى عنايتها بإعادة الاعتبار لسينما القطاع الخاص, وكبار نجومها، والعمل على تشجيعها لولادة متجددة، انطلاقاً من القناعة الراسخة بأن السينما السورية ينبغي لها أن تقوم على قائمتين: أولاهما سينما القطاع العام، وثانيهما سينما القطاع الخاص، كل منهما معاً، بما تمتلك من سمات ومميزات وإمكانيات لا يستطيع الآخر القيام بها. وفي الإطار ذاته، تأتي دعوة الفنان دريد لحام لتحقيق فيلمه القادم بإنتاج المؤسسة العامة للسينما، وهي بادرة فريدة من نوعها، تأتي استكمالاً للخطوات المتتالية التي تقوم بها المؤسسة لتطوير حال السينما السورية، تلك الخطوات التي بدأت منذ التخلص من "قانون حصر الاستيراد"، الذي اعتبره الكثيرون السبب في تردي حال السينما السورية، إنتاجاً، وتسويقاً، وتوزيعاً، وعلى مستوى العروض والصالات، كما جرى الحرص على إصدار ما يمكن من تشريعات قانونية وإدارية تسمح للمنتجين السوريين، وأصحاب الصالات، بالعودة إلى سوق الإنتاج والعرض السينمائي في سورية. وعلى هذا النحو، يمكننا القول إن كتاب "دريد ونهاد"، هذا، وإن جاء متوافقا مع قرار المؤسسة العامة للسينما بتكريم هذين الفنانين الكبيرين، فإنما هو في الوقت نفسه يتكامل مع كتاب "سينما القطاع الخاص في سورية"، ويسلط الضوء مقترباً من التجربة الحياتية الإنسانية، والتجربة الفنية الإبداعية، ويقدم قولاً في أعظم ثنائية فنية عرفها العالم العربي في القرن العشرين، ومطالع القرن العاشر الواحد والعشرين، تلك الثنائية التي مازالت نابضة حية، تستعاد في كل حين، ومناسبة، على الرغم من قصر عمرها، إذ لم تتجاوز 16 سنة، فقط، من العمل المشترك، وكذلك على الرغم كم مرور قرابة ثلاثين سنة على توقعها بسبب المصيبة المبكرة التي أصابت الفنان نهاد قلعي، عام 1976، وعطلت الكثير من إمكانياته الصحية الجسدية، وجعلت الفنان دريد لحام، منذ ذلك الوقت، يبحث عن خيارات فنية أخرى سواء منفرداً أو بالتعاون مع الشاعر والمسرحي محمد الماغوط، محكوماً بمقولة أن الحياة تستمر، حتى وإن كانت تستمر على وجع ، ومن ألم وفراق!..... يأتي هذان الكتابان: "سينما القطاع الخاص"، و "دريد ونهاد"، إذا، نتاج تكليف ومتابعة مباشرة، وعناية واهتمام، من قبل الاستاذ الناقد محمد الأحمد، مدير عام المؤسسة العامة للسينما، الذي أبدى كل حرص على أن يكون الكتابان متوفرين في الوقت المناسب، وبالشكل الأنسب، بما يحقق سياسة المؤسسة العامة للسينما، وخياراتها، بصدد التعامل مع سينما القطاع الخاص، وتجربتها السالفة والراهنة، والنظر إلى توسيع آفاقها المستقبلية. ويبقى أنني كمؤلف لهذين الكتابين، واشتغلت عليهما شوطاً من الزمن، معني بإبداء كل معاني الشكر الجزيل له، وعبره كل من ساهم في توفير هذه الفرصة وتشجيعها، وإيصالها إلى الدور، في المؤسسة العامة للسينما، ممن كان لمتابعتهم واهتمامهم الدور المؤثر في تحقيق هذين العملين. يبقى التنويه، أخيراً، إلى أن هذا الكتاب، والهوامش والإحالات هي جزء أساس منه، عرض أصواتاً متعددة، وقدم أراء ومواقف مختلفة، منها ما يتفق معها، ومنها غير ذلك، وهذا أمر طبيعي، على الأقل لأننا إزاء تجربة استثنائية في الحياة والفن والتاريخ، تجربة لابد أن تتعدد قراءاتها، بتعدد أطرافها، وزواياها، ومراحلها، ووجهات النظر، ورؤى الناظرين فيها، والمتأملين بها.... ومن الجدير القول هنا، إن عرض هذا الصوت والرأي، أو تلك الفكرة، أو ذلك الموقف، لا يعني أبداً تبنيه تماماً، ولا رفضه كلياً، بل إنما هو في سبيل فتح الطريق للحوار والنقاش، ومساءلة تجاربنا في الحياة والفن، خاصة تلك التي ساهمت في صناعة التاريخ العام، أو التاريخ الفني، في البلد، مشعة على الحوار مؤثرة ومتأثرة. وما تجربة "دريد ونهاد" إلا في المقدمة من هذه التجارب.. وما هذا الكتاب، إلا تحية للفنانين الكبيرين: دريد لحام ونهاد قلعي. "نحن بحاجة لعمرين: عمر لنتعلم فيه، وعمر لنعيش" جملة قالها الفنان نهاد قلعي، الفنان الإنسان، القادم من شتى تجارب الحياة المختلفة، والذي مر على عدة مهن ووظائف، وبني أحلاماً، وشرع أمالاً، وصال وجال، دون أن يدري أن القدر أن يفيض عليه إلا بعمر واحد فقط (1928-1993)، كان عليه أن يتعلم ويعمل ويعيش ويتألم، فيه.... لا يمكن لأحد، بحال من الأحوال، الإذعاء أن هذا العمر (65 عاماً),كان عمراً طويلاً، أو مديداً، كما أنه لم يكن أبداً فسحة من الزمن الهانئ الرائق، فالفنان نهاد قلعي عاش أكثر من ربع عمره الحقيقي، يعاني من المرض الذي داهمه نتاج حادث أليم، وتكاثرت عليه الأوجاع والمصائب، بل إنه لم يكن حينها قد حط على شواطئ الخمسين من عمره بعد!. كان الفنان نهاد قلعي في الثامنة والأربعين من عمره، فقط، عندما خرب المرض حياته، وعطل الكثير من إمكانياته، وأضحى "خارج الخدمة الفنية"، وفق ما جرى... ومع ذلك فإن ما حققه خلال أقل من خمسين عاماً، كان قد أضحى تراثاً فنياً سورية وعربياً على السواء، وكانت قامته الفنية قد استطالت وعلت فوق الجميع، ونشأت في ظلال كتاباته وإبداعاته عشرات الشخصيات الفنية، سواء تلك التي قام بخلقها فنياً، أو تلك التي أعاد إنتاجها بشكل لم يسبقه إلى ذلك أحد، ولم يستطع أن يحذو حذوه أحد، حتى بعد قرابة ثلاثين سنة من توقفه، وصارت بمجملها جزءاً من ذاكرة ووجدان السوريين والعرب، وعموداً أساسياً من أعمدة الفن السوري، المنفتح على آفاق عربية رحبة.... إنه يقول باعتراف المبدع الكبير، وتواضعه: "أنا لم أدرس الفنون، لكني مارستها بالتجربة"، "ولم يكن لذي فكرة عن السينما.... لم أكن أعرف لماذا ينقلون الكاميرا من هنا ليضعوها هناك؟..... ولماذا علي أن أنظر إلى اليمين وليس للشمال؟.... لكنني حاولت أن أتعلم". ويصف تجربته في فيلم "عقد اللولو"، قائلاً: "كان هذا أول عمل سينمائي لي... أول مرة أقف أمام الكاميرا... تعاملت معها ببساطة، لكن بتهيب لأني لم أر من قبل كاميرا سينما... حاولت أن أتعلم". دريد لحام: لعله لم يكن أول عمالقة الفن السوري، وربما لن يكون أخرهم، ولكنه دون أدنى شك أكثرهم تميزاً، وأوسعهم انتشاراً، وأعلاهم صوتاً، وأقواهم حضوراً، وأشكلهم في ميادين النقد والسياسة، وربما الفن والحياة، فبدا أن كل ما نقص نهاد قلعي زاد عنده، وأن كل ما نقص عنده زاده نهاد قلعي. وربما كان هذا هو جوهر أعظم ثنائية فنية، عرفها الفن السوري والعربي، تلك الثنائية التي اختصرت واشتهرت باسم "دريد ونهاد". ثنائية "دريد ونهاد" لم تعد ملكاً لأي من طرفيها، ولا للمساهمين فيها، بل باتت ملك التاريخ، والذاكرة، وهي مثل كل التجارب التاريخية بحاجة للعودة إليها لمعرفة أي شرط ولدها، وأي إضافة ولدتها، وكيف يمكن الانطلاق منها، والبناء عليها، دون الادعاء بتكرارها، بل بالمراكمة عليها، باعتبارها الاساس الذي قامت عليها عشرات التجارب الفنية، كما باعتبارها العتبة التي لم تستطع تجاوزها عشرات التجارب الفنية، التالية، رغم مرور ثلاثين سنة على خاتمتها, واليوم، بعد ثلاثين سنة من انطفائها، وإذ نعود للتوقف أمام هذه الثنائية فإنما هي محاولة في التأريخ، والتجربة، والفن، والإنسان. محاولة في رؤية مسيرة الكفاح التي ولدتها وجعلتها منعطفاً فنياً حقيقياً لا يمكن لعاقل وموضوعي نكرانه، أو التغافل عنه، كما هي محاولة في رؤية المأساة التي تلبستها بشكل تراجيدي، مع قتل أحد طرفيها بشكل أهوج، من جهة أولى، ومحاولة في رؤية الاستمرار العنيد لطرفها الأخر، منتقلاً من حال إلى أخرى، ومن تجربة إلى غيرها، والدأب في العمل الفني، بحثاً عن الجديد في المضامين والأشكال والأساليب والأدوات على الرغم من كل السهام التي صوبت إليه، والاعتراضات التي نهضت في وجهه، والأسئلة المعقدة التي وضعت بين يديه، من جهة ثانية. الكثير مما ينبغي قوله هنا، ورد في كتابنا "سينما القطاع الخاص في سورية"، الصادر عن المؤسسة العامة للسينما، عام 2006، وهنا استكمال للقول، دون تكرار، واقتراب ما أمكن من عالم "دريد ونهاد" دون الادعاء أنه قول نهائي، فثمة الكثير مما يمكن، وينبغي، أن يقال!.... ولكل منهما حصته. من بعض الأفلام السينمائية لدريد ونهاد - عقد اللولو، لقاء في تدمر، المليونيرة، فندق الأحلام، الشريدان، أنا عنتر، غرام في استنبول، الصعاليك، النصابين الثلاثة، خياط للسيدات..... الفهرس - توطئة.... - مقدمة.... - نهاد قلعي... - مأساة فنان أضحك الناس... وبكى.... - دريد لحام: - يتكئ على سماء الفن... وينظر إلى أعلى... - أعمال دريد ونهاد في التلفزيون والمسرح... - الأفلام السينمائية لدريد ونهاد..... - في البدء.... كان الكركتر.... - تحسين قوادري... وصناعة سينما دريد ونهاد... - بطاقات أفلام دريد ونهاد - هوامش وإحالات.... - ملف الصور