روبير بريسون

الإصدار: العدد مائة واثنان و عشرون

روبير بريسون

منشورات وزارة الثقافة – المؤسسة العامة للسينما /239/
قديماً قيل "زيد" يغرف من بحر و "عمرو " ينحت في صخر. قد تصح هذه المقولة عند كلامنا من روبير بريسون وأعماله. فهذا الفنان الذي لم ينتج خلال أكثر من أربعين عاماً سوى ثلاثة عشر فيلماً كان، بشكل ما، ينحت في صخر، عالج الفيلم كما يعالج الفنان مادة مستعصية (لوحة كانت أم صخراً أم شريطاً سينمائياً) بكل تأنّ وصبر وخبرة وهذا ما جعل أفلامه أبقى وأقدر على مقاومة عوادي الزمن.... مع مستحدثات التكنولوجيا تعامل بحذر مبدع. لم يسع إلى ما يسهل عليه عمله بل على العكس كان متحمساً لكل ما يستفز عبقريته وإبداعه. وحتى في تعامله مع الأشخاص، نراه يعزف عن اللجوء إلى الممثلين المحترفين من ذوي الخبرة ويسعى خلف "المادة الخام" أي إلى وجوه جديدة ليس لها خبرة في التمثيل ليضع منها "نماذج" يستخلص منها ما يكمن في مكنوناتها من الطاقة (كما يستخلص النحات الشكل من الحجر).
عزيزي القارئ، أن تقرأ عن رواية شيء، وأن تقرأ عن فيلم أمرٌ آخر. فلا شيء يغني عن مشاهدة الفيلم بالذات كي تكتمل الصورة لديك، وهذا الكتاب – على صغره – غني بالمعلومات المكثفة عن تجربة (المعرب). وكذلك سعياً إلى توضيح بعض ما غمض في المتن أضفت في نهاية الكتاب عرضاً وتلخيصاً للأفلام الثلاثة عشر.
يعتبر روبير بريسون نسيج وحده ويشغل مكانة فريدة في تاريخ السينما، أذ يعتبره الكثيرون أكبر شخصية من بين فنانين الفيلم، ولكننا لسنا الآن بصدد وضع التصانيف والتحديدات. وما علينا سوى الإشارة إلى المكانة المرموقة التي بلغتها أعماله والتي جعلت منه مرجعاً جامعاً مانعاً بالنسبة لعدد كبير من المخرجين، أياً كان أسلوبهم، وكذلك بالنسبة لعدد كبير من هواة السينما، على اختلاف مشاريهم ورغم التباين والتنوع في أذواقهم. يجسد روبير بريسون، وعلى مستوى، فكرة عن السينما بالمعنى الأسمى للكلمة. تلك الفكرة التي تشمل أوجه السينما كافة (علاقتها بالعالم الواقعي، وبالخيال وبالممثلين وبالجمهور وكذلك مفهومها الخاص عن مكانة المخرج ومساعديه) تسري عبر الأعصر والبلدان والأنواع. إنها من القوة بمكان بحيث استخدمت كنقطة علام، إن لم نقل المكانة التي حازها روبير بريسون في وقت مبكر والتي لم تتزعزع فيما بعد، نجمت عن الجمال الأخاذ والمربك الذي اتصف به كل واحد من أفلامه. وعلى هذا فقد شكلت أفلامه الطويلة الثلاثة عشر التي أخرجها بين 1943، 1983 مجموعة متماسكة تماسكاً لا نظير له.
هذه الأفلام هي قبل كل شيء، في فرادتها، ثلاث عشرة مغامرة يعيشها البصر والانفعال والفكر، ثلاثة عشر عملاً نلتقيها واحداً واحداً، بمنتهى الحرية والعفوية. فلا شيء أكثر بعداً عن العقل والمنطق من أن تدع الهالة التي تحيط بأعمال روبير بريسون تخيفك مهما كانت هذه الهالة ضخمة ومبررة. أفلامه تروي ببساطة أحداثاً عاشها أناس بسطاء عاديون. أما الأحداث بالذات فليست ببسيطة. إن فيها انعطافات غربية كما قيل في النشال، وهي في الغالب مأساوية. لا شيء فيها يصدمنا فيبعدنا عن جو الفيلم. لا التضمينات الثقافية (اعتمد بريسون على نصوص من برنانوسوديدر و ودوستويفسكي وتولستوي وقصة فرسان المائدة المستديرة)، ولا التضمينات التاريخية (جان دارك، حدث من أحداث المقاومة) ولا التضمينات الدينية العديدة. عند بريسون، النساء رائعات، بل هن بأروع ما تكون الأنوثة، حتى الراهبات الطيبات والقديسات والمجرمات, عند بريسون، يضطرم الرجال بنور داخلي، نور من شأنه أن يخلصهم أو أن يضيعهم، ولكنه في كلا الحالتين يضفي عليهم شكلاً رائعاً من أشكال الحياة، عند بريسون، العواطف جياشة، أما العلاقات بين الناس فتبنى على أساس الأفعال، الشخصيات عبارة عن وجوه وأجساد متحركة فاعلة، يشهد على ذلك أهمية تلك الفكرة التي تتكرر كاللازمة من فيلم لأخر، والمتمثلة بالتركيز على تصوير اليدين. في أفلام بريسون، تقوم الشخصيات بفعل أشياء. إنها تقوم بالعمل بأنفسها محاولة، مهما كلف الأمر، أن تكون سيدة مصيرها.
25 أيلول 1901: ول في بومون –لاموت، غربي كليرمون فيران بخمسة وعشرين كليومتراً. ترعرع قرب باريس حيث أتم دراسته التقليدية بنجاح باهر (لاتيني، يوناني، فلسفة) في ثانوية لا كانال في بلدة سو. ثم أتم دراسته الجامعية.
أبدى ميلاً شديداً للرسم. وربما درس في كلية الفنون الجميلة 1920 (هناك مصادر عدة تؤكد ذلك، أما هو فقد أنكره خلال حديث أجراه مع فرنسوا فييرغانس في 1965). مارس التصوير الضوئي بشكل احترافي وبالأخص لمجموعات كوكو شانيل التي أصبح فيما بعد صديقاً لها.
1933 أولى مساهماته في الفن السابع في فيلم "كان موسيقياً" لموريس غليز حيث ظهر اسمه في الشارة بصفة كاتب حوار.
1934 أخرج فيلمه الأول. الفيلم القصير "قضايا عامة"، أثار الفيلم فضيحة نوعاً ما إذ قوبل بتكسير زجاجات ورمي الشاشة في ستوديو راسباي بالمحابر (يشبه هذا الاستقبال العنيف ما وقع لفيلم "الملياردير الأخير" لـ رينيه كلير).
1936 شارك في سيناريو "توءما برايتون" لـ كلود هايمان و "بريد الجنوب" لـ بيير بيون.
1940- 1941 تم تجنيده سجن في آذار 1941 وبقي ثمانية عشر شهراً في معسكر اعتقال في ألمانيا.
1941 عاد إلى باريس وبدأ العمل بأول أفلامه الطويلة: ملائكة الخطيئة.
1943 عرض ملائكة الخطيئة.
1945 سيدات غابة بولونيا.
1947 في روما، كتب روبير بريسون سيناريو فيلم عن حياة إغناطيوس دي لويولا وشاركه في الكتابة جوليان غرين إلا أن المشروع لم ينجز.
1949 بمرافقة جان كوكتو، كان عراب مغامرة عابرة ولكنها كبيرة الأهمية، وهي إنشاء نادي السينما أوبجكتيف 49 الذي كان يدير النقاش فيه روجيه لينهارت ويدعمه رينيه بازان ويرتاده جاك ريفيت وإيريك رومر والذي كان البوتقة التي صهرت فيها وصيغت دفاتر السينما المؤسسة في العام 1951.
1950 بدأ كتابة "ملاحظات حول السينماتو غراف" الذي نشرته مؤسسة غاليمار في 1975.
1951 يوميات كاهن في الريف.
1952 استوحى من الملحمة الأرتورية سيناريو لـ "غزال" كمرحلة أولى من بحث طويل لم يؤت أكله إلا بعد عشرين عاماً في لانسلو البحيرة.
1953 عمل في اقتباس لـ "أميرة دي كلف". فبعد فرسان المائدة المستديرة كان لابد من التطرق أيضاً إلى عمل مؤسس للثقافة الفرنسية ورواية بحث وسعي خلف المطلق: إننا نرى جيداً ما يجذب روبير بريسون، وما هي الرهانات التي يسعى إلى تحقيقها عن طريق السينماتوغراف.
1956 هروب سجين محكوم بالإعدام.
1959 النشال.
1962 محاكمة جان دارك.
1963 في الصفحة 127 من "ملاحظات حول السينماتوغراف"، نجد الإشارة الوحيدة التي كتبها روبير بريسون عن أحداث تختص بحياته وبصعوبات العمل. كتب "(1963) غادرت روما بشكل مفاجئ وتركت إلى غير رجعة التحضيرات لفيلم "التكوين" من أجل قطع الطريق على اللغط الأحمق والعصي الموضوعة بين العجلات التي تجفف القريحة. أشد ما يدعوني إلى الاستغراب أن يطلب منك أناس فعل شيء ما بينما يمتنعون هم أنفسهم عن فعله لأنهم لا يدركون ما هو فعلاً!. كان من المقرر أن ينتج هذا المشروع دينو دي لورنتيس إلا أن بريسون لم يتمكن من التفاهم معه، مشروع يعتبر القفزة الأولى لفيلم أمضى المخرج جل حياته وهو يحلم بإنجازه، ولم يجد إلى ذلك سبيلاً. كان الأمر عبارة عن اقتباس للفصول الأحد عشر الأولى من الكتاب المقدس، منذ خلق العالم حتى بناء برج بابل. في الكتاب الذي خصصه فيليب أرنو لبريسون، يقول المؤلف عن الفيلم: "إنه فيلم المحصلة، النهائي، الأول والأخير في الوقت نفسه، ربما أنه هدف أمثل ومستحيل غداً سبباً للأفلام الأخرى كلها.
1966 بالصدفة يا بلتازار خلال مقابلة أجراها في دفاتر السينما، أعلن بريسون أنه ينوي بدء علمه الحثيث على مشروع فيلمه المستوحى من ملحمة فرسان المائدة المستديرة.
1967 موشيت.
1969 امرأة لطيفة.
1972 ليالي الحالم الأربع.
1974 بفضل جان بيير رسام وجان يان، استطاع روبير بريسون إخراج لانسلو البحيرة.
1975 نشر "ملاحظات حول السينماتوغراف" في دار غاليمار، في السلسلة البيضاء.
1977 الشيطان ربما.
1983 في مهرجان كان تلقى الجائزة الأولى لسينما الإبداع عن فيلم المال مناصفة مع أندريه تاركوفسكي عن فيلم "حنين".
1999 توفي روبير بريسون في 18 كانون الأول في دور – سور –درويت (أور إي لوار) حيث كان قد اعتكف.
" أشد ما يصدمني، في الأفلام جميعاً، الزيف، أعرف أن الجمهور يحب ما هو زائف، ولكن عندما نقدم له الحقيقة، يقف مبهوراً أمامها".
تفقد الأفلام جدتها ودرجتها بسرعة مخيفة، وغالباً ما يكون ذلك بسبب التمثيل، ولا يقوم الحل على تسطيح الصوت، أو ما هو أشد وأدهى، على إلغاء الحركات".
"ينبغي القيام بتدريبات حيث يتعلم (النموذج) أولاً عدم التعرف إلى نفسه، وهو أمر صعب بالأخص إذا كان قد سبق وتعرف إلى نفسه. ينبغي أن يكون المؤدي جاهلاً نفسه".
"عندما أقف أمام مؤد، كلما ازدادت قدرته التعبيرية، نقصت قدرتي، بيد أن ما يهمني هو أن أعبر عن نفسي وليس ما يعبر عنه هو. بالنسبة لي، الممثل المثالي في السينما هو الشخص الذي لا يعبر عن شيء البتة. ما ينبغي اكتشافه في حياة الشخص ليس وجهه ولا شعره الأشقر كما تتوقعون، وإنما التشابه الخلقي معه وجعل النموذج يعمل بشكل آلي بحيث يتمكن مثلاً، بشكل عفوي، من الامتناع عن الكلام أو الإكثار منه".
أخيراً "كل ما يوجد في الشخص الذي انتقيه ينبغي أن يتكشف بشكل مطلق دون أن نعي ذلك، لا هو ولا أنا".
منذ تجربته الأولى مع الممثلين (أو بالأحرى الممثلات، كما في ملائكة الخطيئة) تلقى بريسون صدمة بخصوص ما يقدمنه له: "منذ اللحظة الأولى، لم تعد الممثلات أشخاصاً، ولم يبق شيء مما كنت قد تخيلت." منذ تلك اللحظة، بدأ يبحث عن نماذج اعتماداً على صوت أو تعبير لدى تلك النماذج تحمل في ثناياها نبذا من الشخصية المقصودة. فيما بعد، خلال التصوير يلجأ إلى إضفاء صبغة آلية على تمثيل الممثلين من خلال تكرار نفس الجمل والحركات دون كلل أو ملل إلى أن ينسوا أنهم يمثلون ويتخلوا عن آلية التمثيل التي لديهم رغم أنهم ليسوا محترفين. حينها يلتقط بريسون حقيقة الشخصيات العميقة التي يدعمها ما يحمل النموذج من صدق وحقيقة.

الفهرس

- مقدمة المعرب..
- مقدمة...
- نحو اكتشاف ذاته عبر محطات أربع...
- أسلوب لا يعرف الحدود
- من النشال إلى موشيت....
- ضربات اليأس العصري الخمس:
- من "امرأة لطيفة" إلى "المال"....
- حياته في سطور...
- عرض وتلخيص...
- النماذج....







مواقع صديقة

 

آفاق سينمائية

مجلة إلكترونية أسبوعية