د. رفيق الصبان
منشورات وزارة الثقافة – المؤسسة العامة للسينما /134/
... شيء يثير الدهشة والتأمل..... قراءة مقالات نقدية حول أفلام سينمائية قديمة كتبت في حينها لتعكس حساسية ما... ورؤية محددة لواقع اجتماعي وفني قائم آنذاك....
الأفكار تتغير .... الأذواق تتغير... ولكن القيم الفنية الحقيقية تبقى ثابتة لا تتبدل... والذهب الحقيقي يظل لامعاً.... حتى لو كساء الزمن مؤقتاً طبقة من الصدأ.
لذلك تبدو إعادة قراءة الكلمات الحلوى أو المرة التي صاحبت عرض فيلم ما إشارة حقيقية إلى اتجاه ذوق أو انحناء فكر أو تغير قيمة.
أفلام وقفنا منها وقفة المديح والثناء... وأفلام أخرى أحطناها بكثير من التحفظ والرفض.
والآن.... عندما نعاود قراءة ما كتبنا... نجد أننا أخطأنا حينا وأصبحت حيناً آخر...
وإن هناك أفلام أخرى بقيت كما هي... كقطعة من الماس لا يخبو بريقها... أو باقة نرجس لازالت تحتفظ بعبق رائحتها...
بحثاً عن هذه الحساسية القديمة....
رأيت أن أعيد نشر مقالات كتبت في حينها دون أن تغيير أو إضافة.. تركتها كما هي .... ترتعش سطورها بوقع المفاجأة الأولى والأكثر الأول والارتجافة الأولى...
تركتها لتشهد.... بموقف.. غيره الزمن أحياناً.... وأضاف إليه أحياناً أخرى ولكنه بقي رغم كل شيء... نافذة مضيئة انفتح شطر منها على الماضي ووقف الشطر الثاني متردداً... ينظر نحو المستقبل...
وأمام هذه النافذة المفتوحة... ينبعث ضوء السينما الحاد مشتعلاً... خفاقاً.... مثيراً... ليذكرنا...
بأن النوافذ قد تغلق... ولكن الضوء لا يموت....
ما من شك في أن السينما المصرية قد لعبت دوراً رئيسياً قاطعاً في سنوات الخمسين. عندما وجهت أنظار جمهورها إلى الأدب المصري الحديث من خلاص قصاصين كبار. ما كان سيتسنى لهم أن يصلوا إلى قطاعات كبيرة ومتنوعة من الجمهور لولا تدخلها.
يوسف السباعي. إحسان عبد القدوس، نجيب محفوظ كان الثلاثي الرابح الذي راهنت السينما المصرية عليه فكسبت كثيراً. ولكنها بالمقابل أكسبت هؤلاء الأدباء امتداداً شعبياً حقيقياً ما كانوا سيعرفونه لولاها.
كثيرون من المصريين عرفوا نجيب محفوظ عن طريق ثلاثيته التي أخرجها حسن الإمام... أو عن طريق "بداية ونهاية" الذي قدمه صلاح أبو سيف. وكثيرون اكتشفوا قوة إحسان عبد القدوس ومبضعه الحاد الذي قطع به أوصال المجتمع المصري بقسوة وحنان وتفهم من خلال الثلاثين فيلماً أو يزيد التي نقلت عن قصصه. وكذلك كان شأن يوسف السباعي في "رد قلبي" و"نادية" و "بين الأطلال" التي رسمت للرومانسية المصرية مداراً خاصاً بها. كان السباعي محركه الأكبر.
وقد لا يمكننا أن نقول الشيء نفسه عن يحيى حقي وعن يوسف إدريس.
ولكن يبقى أن نعترف أن عدداً لا يستهان به من شعب مصر، قد عرف هذين. المبدعين الكبيرين عن طريق "البوسطجي" و "الحرام" و "قنديل أم هاشم" و "حادثة شرف" و"لا وقت للحب". وإن جزءاً كبيراً من شباب القراء، قد عرفوا طريقهم إلى باقي إبداعات هذين العملاقين عن طريق الفضول الذي ولدته السينما في خيالهم.
لذلك فإن المرء يصاب بالحيرة والذهول أمام موقف سينمانا القومية من نبذ قصاصينا الشبان الذي يبدو أن السينما المصرية لازالت مصرة على تجاهلهم رغم الثراء الذي تمتاز به قصصهم ورغم الطابع الدرامي الحاد الذي يميز بعضها.
الساموراي في التراث الياباني القديم... هو فارس الشرف... المحارب الذي لا يملك في دنياه سوى سيفه وشرفه... فإذا انهزم الأول ضاع الثاني... وإذا فقد شرفه لسبب من الأسباب فعليه أن يضع حداً بالرمز الوحيد الذي بقي له... أي سيفه...
الشرف إذاً.... هو الحد الذي تدور حوله ومن أجله حياة الساموراي. ونقطة الإرتكاز التي يبنى عليها وجوده.
وعندما أضاعت اليابان (سامورايها) فقدت كل جلال أساطيرها وكل غموض ماضيها وسحره.
وبطل فيلم عاطف الطيب "ضربة معلم" هو ساموراي من نوع جديد... إنه ضابط بوليس شاب... لازال يؤمن بالقيم في عالم تداعت فيه كل القيم... ولازال يتمسك بالشرف... هذه الكلمة الذهبية الشعاع التي أصبح لفظها يشبه النطق بالشعر... في زمن سيطرت فيه الكلمات السوقية والأفكار الملوثة والمصالح المريضة...
ما الذي يريد أن يقوله "خيري بشارة" في فيلمه الأخير "كابوريا" الذي يقدمه لنا بأسلوب الفانتازيا والدعاية الجارحة.
هل يريد أن يفهمنا أن المال لا يصنع السعادة. وأن الأثرياء أناس كلهم شر لا يفعلون شيئاً في حياتهم إلا الرقص والحفلات والهزء بالفقراء واستغلالهم جسدياً وروحياً. وأن على من يبحث عن الكرامة أن يرفض هذا المال الملوث، حتى لو كان حقه وفاز به بتعبه وعرقه وجهده، كما يفعل "أحمد زكي" عندما يلقي بالجائزة المالية التي استحقها عن جدارة بعد فوزه بالمباراة التي نظمتها الأنثى العنكبوت الغارقة في الحرير والذهب ويخرج من القصر الملوث رافع الرأس. ليعود إلى شباك حبيبته التي أهملها يرفعه إليها رفاقه على أذرعتهم.
كلمة حق يجب أن تقال وهي أن "خيري بشارة" مخرج متمكن عرف كيف يمزح بين حسه التسجيلي الممتلئ شاعرية وصدقاً. وبين أساليب كثيرة تصب كلها فيما يمكن أن أسميه بالواقعية الشعرية التي كان "الطوق والأسورة" خير مثال لها. واتبعه "اليوم الحلو والمر" الذي أثبت فيه أستاذيته رغم الأخطاء القاتلة التي كانت تحيط به. وها هو الآن في "كابوريا" يطرق أبواب الفانتازيا ليضع فيها كل خبرته التي شحذها منذ فيلميه الشهيرين، والتي يقدمها لنا في هذا الفيلم حارة، متوثبة ومليئة بالإمكانات.
غريب أمرها "تيريز راكان" هذه العاشقة القاسية.. التي تقتل زوجها بمساعدة عشيقها... وتحيا مع من تحب تحت سقف واحد ترمقها عين أم زوجها القتيل... حتى يلعب القدر لعبته وتدفع من شقائها الداخلي ودمارها النفسي ثمن جرم دفعتها إليه رغبتها وطموحها...
شخصية آسرة كهذه... مليئة بالإمكانيات والخصوبة كان لابد لها أن تثير عدداً كبيراً من المخرجين والكتاب السينمائيين لينقلوا خلجات هذه المرأة المشتعلة التي تحترق باللهب الذي أشعلته...
منذ المشاهد الأولى لفيلم علي بدرخان الأخير... يحس المتفرج فوراً أنه أمام عمل سينمائي لم يختر مخرجه السهولة والطرق المعتادة المكررة التي ما انفكت السينما المصرية تلجأ إليها في الأعوام العشرة الأخيرة...
إنه يجعلنا نرى أول ما نرى وجه شفيقة مرتسماً على ماء الترعة... وما أن يصل الجنود على خيولهم باحثين عن الرجال لجرهم إلى الجهادية... حتى تضطرب الصورة في الماء... ويضيع الوجه المرتسم السعيد... وتسرع شفيقة راكضة إلى بيتها الفقير الأبيض.. تجتاز حقولاً خضراء... ونساء يرتدين السواد... كأن سكيناً ملوثة قد كسرت شعاعها المضيء...
منذ اللحظة الأولى... إذن... ينبهنا علي بدرخان أننا نرى شفيقة الملاحم الشعبية كما تعودنا أن نراها... وإن علينا أن نقبل غياب صورتها... الاليفة إلينا ... لأن حدثاً أقوى منها سيغيرها... وإن علينا منذ الآن... أن نقبل الصورة الجديدة التي بعثها الحدث الجديد... هذه الصورة التي تعبر الحقل المصري الأخضر... والتي تصل إلى البيت المصري الأبيض المطلى بالجير المتسخ... لتواجه فتى شامخاً لا يريد أن يموت في سبيل حالم لا يتكلم لغته... وشيخ أعمى هو رب الأسرة قد تكون أية أسرة مصرية في تلك الفترة... لولا أننا سنتوقف عند هذه الأسرة أكثر من غيرها... لأنها الأسرة التي تحيا معها من خلالها (شفيقتنا).
في فيلمهما الأول (الأقزام قادمون) استطاع الثنائي شريف عرفة المخرج وماهر عواد المؤلف أن يشعرانا بأن هنالك ريحاً جديداً تهب في طرفهما... طرافة في الفكرة... جرأة في المعالجة... نفس جديد في تركيب الصورة والإيقاع... هذا كله جعلنا نقف وقفة الإعجاب مع هؤلاء (الأقزام) رغم التحفظات الكبيرة التي أحاطت بالفيلم... والتي يرجع معظمها إلى هفوات الفيلم الأول، وجرعة الحماسة والجنون اللتين تصاحبانه...
لذلك يشعر المرء بالارتياح الكبير... عندما يرى (الظواهر) التي أحبها في (الأقزام) تتكرر للمرة الثانية... مما يؤكد أنها لم تكن وليدة الصدفة أو الحماس المجنون وأنها تعبر حقاً عن مولد أسلوب سينمائي متميز... قد يثبت نفسه فيما بعد ليصبح ماركة مسجلة لمخرجه ومؤلفه...
ولكن من المؤسف حقاً... أن الأخطار التي نسبناها إلى هفوات الفيلم الأول... عادت مرة أخرى لتتكرر هي أيضاً بل يبدو أن تكرار الخطأ أزداد عمقاً ورسوخاً... الرموز التي كانت سطحية في (الأقزام) أصبحت ثقيلة غامضة وأكاد أقول مزعجة... في (الدرجة الثالثة).
ما يميز سينما حسين كمال... هو أناقتها المفرطة.. وجماليتها الآسرة.
الصورة عنده دائماً مزركشة براقة تخلب البصر... والإحساس بالمكان... مرتفع مؤثر يجعلنا نرى ما تعودنا دائماً أن نراه... وكأننا نكتشفه للمرة الأولى...
الطبيعة لدى حسين كمال... والشوارع... والأنهار.. والبيوت.... كلها تغرق في ضباب شفاف يحليها أحياناً إلى مادة شعرية وتنقلك أحياناً أخرى إلى دنيا خاصة لها رائحة وطعم ومذاق...
وفي (كل هذا الحب) آخر أفلام هذا المخرج الذي يعشق الجمال... تتوضح هاتين الصفتين بشكل ملحوظ... وملفت للنظر... يكفي أن نذكر مشهد علبة الليل في لندن... أو بيت الرسام الصديق التي تتناثر على أرضه الأوشحة الملوثة... وتزين جدرانه البيضاء... لوحات من الباستيل... وقطع خضراء... أو مشهد حي القلعة القديم والسيارة الحمراء الفارهة... تتوقف أمام جدرانه الصفراء... بل حتى مشهد غرفة السجن... تبدو لنا في جنباتها الشاحبة.. وكأنها مغلفة بالدمع... والزنزانة نفسها في سوادها... وقطع الضوء القليلة التي تزين جنباتها تبدو وكأنها لوحة لرسام مجنون... يمسك بخيوط الأمل التي ترسلها له السماء...
الفهرس
المخرج السنة المجلة
1- سنما ترفض الخلاص روز اليوسف
2- ضربة معلم عاطف الطيب 1987 السينما والناس
3- كابوريا خيري بشارة 1990 روز اليوسف
4- الوحش داخل إنسان أشرف فهمي 1981 المصور
5- شفيقة ومتولي أحمد بدرخان 1978 الكواكب
6- الدرجة الثالثة شريف عرفة 1988 السينما والناس
7- كل هذا الحب حسين كمال 1988 السينما والناس
8- سوبر ماركت محمد خان 1990 روز اليوسف
9- فن البلابل الصغيرة روز اليوسف
10- دلال المصرية حسن الإمام 1970 الكواكبي
11- الباطنية حسام الدين مصطفى 1980 روز اليوسف
12- الموت إخراجاً روز اليوسف
13- أيام الغضب منير راضي 1989 روز اليوسف
14- المرشد ابراهيم الموجي 1989 روز اليوسف
15- سينما الفعل الفاضح روز اليوسف
16- يوم حلو... يوم مر خيري بشارة 1988 السينما والناس
17- الإرهاب نادر جلال 1989 روز اليوسف
18- حنفي الأبهة محمد عبد العزيز 1990 روز اليوسف
19- الراقصة والسياسي سمير سيف 1991 السينما والناس
20- فيروز روز اليوسف
21- موعد مع الرئيس محمد راضي 1990 روز اليوسف
22- كتيبة الإعدام عاطف الطيب 1989 روز اليوسف
23- سينما هز الوسط روز اليوسف
24- نور العيون حسين كمال 1991 المصور
25- شارع السد محمد حسيب 1986 السينما والناس
26- مسجل خطر سمير سيف 1991 المصور
27- الحريف إيفان ياسر 1984 الكواكب
28- المغتصبون سعيد مرزوق 1989 السينما والناس
29- المواجهة بين أفلام الحركة ورعاة البقر المصور
30- المساطيل حسين كمال 1991 المصور
31- خلف أسوار الجامعة نجدي حافظ 1981 الكواكب
32- بنات الجامعة عاطف سالم 1971 الكواكب
33- نقوش سينمائية روز اليوسف
34- الإنسان يعيش مرة سيمون صالح 1981 الكواكب
35- ولايزال التحقيق أشرف فهمي 1979 الكواكب
36- شبكة الموت نادر جلال 1990 روز اليوسف
37- حارة برجوان حسين كامل 1989 السينما والناس
38- السمكة وبيت الصديق إيران روز اليوسف
39- سينما الشمس والبحر روز اليوسف
40- الشجرة الكبيرة والشمس الكواكب